العدد : ١٧٤٤٨ - الثلاثاء ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٠ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٨ - الثلاثاء ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٠ رجب ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

كفّوا عن الحش والنهش

كلما‭ ‬كررت‭ ‬القول‭ ‬بأنني‭ ‬اعتبر‭ ‬نفسي‭ ‬محظوظا،‭ ‬وأنني‭ ‬حققت‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬حياتي‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬كنت‭ ‬أطمح‭ ‬إليه،‭ ‬انبرى‭ ‬أحدهم‭ ‬ورماني‭ ‬بالافتقار‭ ‬إلى‭ ‬الطموح،‭ ‬وهذا‭ ‬الـ«أحدهم‮»‬‭ ‬غبي،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬طموحي‭ ‬كان‭ ‬شديد‭ ‬التواضع،‭ ‬وأنه‭ ‬كان‭ ‬دون‭ ‬ما‭ ‬حققته‭ ‬وأنجزته،‭ ‬وجاءتني‭ ‬تهمة‭ ‬عدم‭ ‬الطموح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬لأن‭ ‬لي‭ ‬زملاء‭ ‬دراسة‭ ‬وعمل‭ ‬وصلوا‭ ‬الى‭ ‬مراتب‭ ‬وظيفية‭ ‬شديدة‭ ‬العلو،‭ ‬مقارنة‭ ‬بمركزي‭ ‬الوظيفي،‭ ‬ولكن‭ ‬وكما‭ ‬قلت‭ ‬مراراً،‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬فضل‭ ‬الله‭ ‬علي‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أحسد‭ ‬شخصا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬عنده‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬او‭ ‬عيال‭ ‬او‭ ‬جاه‭ ‬أو‭ ‬علم‭ ‬أو‭ ‬منصب‭ ‬أو‭ ‬لقب،‭ ‬ولكنني‭ ‬أقر‭ ‬بأن‭ ‬رؤية‭ ‬أشخاص‭ ‬معينين‭ ‬في‭ ‬مناصب‭ ‬معينة‭ ‬يجعلني‭ ‬أحيانا‭ ‬أكلم‭ ‬نفسي‭ ‬وأرفس‭ ‬بالرجل‭ ‬واليد‭ ‬حتى‭ ‬وأنا‭ ‬أقود‭ ‬سيارة،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬لأنني‭ ‬أرى‭ ‬نفسي‭ ‬أولى‭ ‬وأجدر‭ ‬بواحد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المناصب‭ (‬فهذه‭ ‬مسألة‭ ‬مفروغ‭ ‬منها‭!!!!!) ‬ولكن‭ ‬لأنني‭ ‬اعتقد‭ ‬ان‭ ‬المناصب‭ ‬التي‭ ‬يشغلونها‭ ‬تستأهل‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬خير‭ ‬منهم،‭ ‬بمعنى‭ ‬ان‭ ‬المناصب‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬إمكاناتهم‭ ‬وقدراتهم،‭ ‬وأن‭ ‬مصالح‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد‭ ‬تستوجب‭ ‬وضع‭ ‬الشخص‭ ‬المناسب‭ ‬في‭ ‬المنصب‭ ‬المناسب‭.‬

عموما‭ ‬فإن‭ ‬أكثر‭ ‬تجليات‭ ‬الحسد‭ ‬والشكاة‭ ‬من‭ ‬قسوة‭ ‬الظروف‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمل،‭ ‬حيث‭ ‬هناك‭ ‬خلق‭ ‬لا‭ ‬عمل‭ ‬لهم‭ ‬سوى‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬الخليجيون‭ ‬‮«‬الحش‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬النميمة‭ ‬ونهش‭ ‬اللحم‭ ‬الحي،‭ ‬ويكون‭ ‬الضحية‭ ‬عادة‭ ‬كبار‭ ‬الموظفين،‭ ‬إذ‭ ‬يعتقد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الحشاشين‭ ‬والنهاشين‭ ‬أن‭ ‬أولئك‭ ‬يشغلون‭ ‬مناصبهم‭ ‬عن‭ ‬غير‭ ‬جدارة‭ ‬ويروون‭ ‬الحكايات‭ ‬الواقعية‭ ‬والمفبركة‭ ‬لإثبات‭ ‬عدم‭ ‬أهليتهم‭ ‬وجدارتهم،‭ ‬وبالطبع‭ ‬لا‭ ‬ينسى‭ ‬الحشاش‭ ‬او‭ ‬النهاش‭ ‬أن‭ ‬يضيف‭: ‬تعبنا‭ ‬ودرسنا‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬وآخرتها‭ ‬نعمل‭ ‬تحت‭ ‬هؤلاء‭ ‬التعبانين‭!! ‬وأمثال‭ ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يقولون‭ ‬أبداً‭:‬

سبحان‭ ‬من‭ ‬قسم‭ ‬الحظوظ‭ ‬فلا‭ ‬عتاب‭ ‬ولا‭ ‬ملامة

أعمى‭ ‬فأعشى‭ ‬ثم‭ ‬ذو‭ ‬بصرٍ‭ ‬وزرقاء‭ ‬اليمامة

وقد‭ ‬لاحظت‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬جيلا‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬تلقوا‭ ‬تعليما‭ ‬جامعيا‭ ‬في‭ ‬امريكا‭ ‬بالذات‭ ‬يحسون‭ ‬بالغبن‭ ‬وعدم‭ ‬الإنصاف،‭ ‬ربما‭ ‬لأنهم‭ ‬مازالوا‭ ‬يعيشون‭ ‬وهم‭ ‬ان‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬امريكا‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬عليها‭ ‬سوى‭ ‬من‭ ‬عوده‭ ‬صلب،‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬اجتياز‭ ‬المحيط‭ ‬الاطلسي‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬خلال‭ ‬أربعة‭ ‬او‭ ‬خمسة‭ ‬أعوام،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬أبسط‭ ‬مقتضيات‭ ‬الإنصاف‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬يدرس‭ ‬في‭ ‬جامعاتنا‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يستحق‭ ‬التقدير‭ ‬لمجرد‭ ‬انه‭ ‬لم‭ ‬يفقد‭ ‬قواه‭ ‬العقلية‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬الحشو‭ ‬بمناهج‭ ‬ببغاوية‭ ‬تفتقر‭ ‬الى‭ ‬التجانس‭ ‬وقوامها‭ ‬المذكرات‭ ‬التي‭ ‬يبيعها‭ ‬المحاضر‭ ‬‮«‬الفلتة‮»‬‭! ‬ويا‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬جامعات‭ ‬تعمل‭ ‬بنظام‭ ‬‮«‬ما‭ ‬يطلبه‭ ‬المستمعون‮»‬،‭ ‬وتعطي‭ ‬الشهادات‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يدفع‭ ‬‮«‬المعلوم‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الصنف‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬قليل،‭ ‬مقارنة‭ ‬بالجامعات‭ ‬العريقة‭ ‬العتيقة‭ ‬ذات‭ ‬التقاليد‭ ‬الأكاديمية‭ ‬القويمة‭ ‬الراسخة‭.‬

الشخص‭ ‬دائم‭ ‬الشكاة‭ ‬والنقنقة‭ ‬شخص‭ ‬ممل،‭ ‬لأنه‭ ‬وربما‭ ‬دون‭ ‬قصد‭ ‬منه‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬مادة‭ ‬للحديث‭ ‬كلما‭ ‬وجد‭ ‬مستمعا،‭ ‬فأنت‭ ‬تشتكي‭ ‬وتنقنق‭ ‬كثيرا‭ ‬لأنك‭ ‬لست‭ ‬راضيا‭ ‬عن‭ ‬حالك،‭ ‬أو‭ ‬لأنك‭ ‬تحسد‭ ‬غيرك‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬فيه‭ ‬أو‭ ‬عليه،‭ ‬ولعلة‭ ‬غير‭ ‬معروفة،‭ ‬فإن‭ ‬المرأة‭ ‬اكثر‭ ‬شكوى‭ ‬من‭ ‬الرجل،‭ ‬بسبب‭ ‬وبدون‭ ‬سبب،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحوال‭ ‬فإن‭ ‬مصدر‭ ‬الشكوى‭ ‬هو‭ ‬قصور‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬يهمها‭ ‬أمره،‭ ‬أي‭ ‬البعل،‭ ‬وأحيانا‭ ‬تقف‭ ‬الواحدة‭ ‬منهن‭ ‬امام‭ ‬المرآة‭ ‬لتكتشف‭ ‬ان‭ ‬وجهها‭ ‬تكرمش‭ ‬وتقرمش‭ ‬وتجعد،‭ ‬فتفش‭ ‬غلها‭ ‬على‭ ‬طاقم‭ ‬كراسي‭ ‬الجلوس‭: ‬الكراسي‭ ‬هذه‭ ‬مكرمشة‭ ‬ومقرمشة‭ ‬ومجعدة‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تغييرها‭ (‬هذا‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬‮«‬الإسقاط‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬تحلم‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬تستطيع‭ ‬ان‭ ‬تغيِّر‭ ‬وجهها‭). ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬فمن‭ ‬باب‭ ‬مواساة‭ ‬دائمي‭ ‬الشكوى‭ ‬اقدم‭ ‬حكاية‭ ‬الرجل‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬دخلت‭ ‬عليه‭ ‬زوجته‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬المطبخ‭ ‬يهتز‭ ‬بعنف‭ ‬وسلك‭ ‬يتدلى‭ ‬من‭ ‬خاصرته‭ ‬فقررت‭ ‬إنقاذه‭ ‬من‭ ‬التيار‭ ‬الكهربائي‭ ‬الذي‭ ‬سبب‭ ‬له‭ ‬الاهتزاز‭ ‬فجاءت‭ ‬بلوح‭ ‬خشب‭ ‬وضربته‭ ‬به‭ ‬مرتين،‭ ‬لتبعده‭ ‬عن‭ ‬مصدر‭ ‬التيار،‭ ‬حتى‭ ‬سقط‭ ‬الرجل،‭ ‬واتضح‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬يهتز‭ ‬طربا‭ ‬من‭ ‬موسيقى‭ ‬مسجل‭ ‬الجيب‭ ‬‮«‬آيبود‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬سلكه‭ ‬يتدلى‭ ‬من‭ ‬خاصرته‭ ‬فحسبته‭ ‬المدام‭ ‬مكهربا‭ ‬وضربته‭ ‬وكسرت‭ ‬يده‭ ‬في‭ ‬موضعين‭.. ‬فهل‭ ‬أنت‭ ‬أتعس‭ ‬حظا‭ ‬من‭ ‬صاحبنا‭ ‬هذا؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا