زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
كفّوا عن الحش والنهش
كلما كررت القول بأنني اعتبر نفسي محظوظا، وأنني حققت في مسيرة حياتي أكثر مما كنت أطمح إليه، انبرى أحدهم ورماني بالافتقار إلى الطموح، وهذا الـ«أحدهم» غبي، لأنه لا يدرك أن طموحي كان شديد التواضع، وأنه كان دون ما حققته وأنجزته، وجاءتني تهمة عدم الطموح أكثر من مرة، لأن لي زملاء دراسة وعمل وصلوا الى مراتب وظيفية شديدة العلو، مقارنة بمركزي الوظيفي، ولكن وكما قلت مراراً، انه من فضل الله علي أنني لا أحسد شخصا على ما عنده من مال او عيال او جاه أو علم أو منصب أو لقب، ولكنني أقر بأن رؤية أشخاص معينين في مناصب معينة يجعلني أحيانا أكلم نفسي وأرفس بالرجل واليد حتى وأنا أقود سيارة، ولكن ليس لأنني أرى نفسي أولى وأجدر بواحد من تلك المناصب (فهذه مسألة مفروغ منها!!!!!) ولكن لأنني اعتقد ان المناصب التي يشغلونها تستأهل من هم خير منهم، بمعنى ان المناصب أكبر من إمكاناتهم وقدراتهم، وأن مصالح البلاد والعباد تستوجب وضع الشخص المناسب في المنصب المناسب.
عموما فإن أكثر تجليات الحسد والشكاة من قسوة الظروف تكون في بيئة العمل، حيث هناك خلق لا عمل لهم سوى ما يسميه الخليجيون «الحش» وهو ضرب من النميمة ونهش اللحم الحي، ويكون الضحية عادة كبار الموظفين، إذ يعتقد كل من الحشاشين والنهاشين أن أولئك يشغلون مناصبهم عن غير جدارة ويروون الحكايات الواقعية والمفبركة لإثبات عدم أهليتهم وجدارتهم، وبالطبع لا ينسى الحشاش او النهاش أن يضيف: تعبنا ودرسنا في أمريكا وآخرتها نعمل تحت هؤلاء التعبانين!! وأمثال هؤلاء لا يقولون أبداً:
سبحان من قسم الحظوظ فلا عتاب ولا ملامة
أعمى فأعشى ثم ذو بصرٍ وزرقاء اليمامة
وقد لاحظت ان هناك جيلا من الذين تلقوا تعليما جامعيا في امريكا بالذات يحسون بالغبن وعدم الإنصاف، ربما لأنهم مازالوا يعيشون وهم ان الدراسة في امريكا لا يقوى عليها سوى من عوده صلب، وقادر على اجتياز المحيط الاطلسي عدة مرات خلال أربعة او خمسة أعوام، في حين ان أبسط مقتضيات الإنصاف تقول إن من يدرس في جامعاتنا هو الذي يستحق التقدير لمجرد انه لم يفقد قواه العقلية من فرط الحشو بمناهج ببغاوية تفتقر الى التجانس وقوامها المذكرات التي يبيعها المحاضر «الفلتة»! ويا ما في أمريكا جامعات تعمل بنظام «ما يطلبه المستمعون»، وتعطي الشهادات لكل من يدفع «المعلوم»، ولكن هذا الصنف من الجامعات قليل، مقارنة بالجامعات العريقة العتيقة ذات التقاليد الأكاديمية القويمة الراسخة.
الشخص دائم الشكاة والنقنقة شخص ممل، لأنه وربما دون قصد منه يجعل من نفسه مادة للحديث كلما وجد مستمعا، فأنت تشتكي وتنقنق كثيرا لأنك لست راضيا عن حالك، أو لأنك تحسد غيرك على ما هو فيه أو عليه، ولعلة غير معروفة، فإن المرأة اكثر شكوى من الرجل، بسبب وبدون سبب، ولكن في غالب الأحوال فإن مصدر الشكوى هو قصور في شخص الرجل الذي يهمها أمره، أي البعل، وأحيانا تقف الواحدة منهن امام المرآة لتكتشف ان وجهها تكرمش وتقرمش وتجعد، فتفش غلها على طاقم كراسي الجلوس: الكراسي هذه مكرمشة ومقرمشة ومجعدة ولا بد من تغييرها (هذا اسمه في علم النفس «الإسقاط»، أي أنها تحلم لو أنها تستطيع ان تغيِّر وجهها). على كل حال فمن باب مواساة دائمي الشكوى اقدم حكاية الرجل الأمريكي الذي دخلت عليه زوجته وهو في المطبخ يهتز بعنف وسلك يتدلى من خاصرته فقررت إنقاذه من التيار الكهربائي الذي سبب له الاهتزاز فجاءت بلوح خشب وضربته به مرتين، لتبعده عن مصدر التيار، حتى سقط الرجل، واتضح انه كان يهتز طربا من موسيقى مسجل الجيب «آيبود» الذي كان سلكه يتدلى من خاصرته فحسبته المدام مكهربا وضربته وكسرت يده في موضعين.. فهل أنت أتعس حظا من صاحبنا هذا؟

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك