زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
حالنا حال
وغادرتنا خادمتنا إلى أهلها في إجازة منذ أيام، وقد تعهدت بالعودة في تاريخ معلوم، ولكن كل من استعان بخادمة آسيوية يعرف أن معظمهن يكذبن في ما يستأهل ولا يستأهل، واعتقد ان الآسيويات يهاجرن إلى الدول العربية وعقولهن محشوة بمفاهيم عجيبة، مثل توقع المعاملة القاسية وضرورة استدرار العطف (بالزعم بأن لديها طفلا معاقا مثلا أو بأن الزوج سكير وقاس)، وبالطبع فهناك حالات كثيرة تعرضت فيها الخادمات الآسيويات لعذاب جسدي بشع في العديد من الدول العربية، ولهذا فالكذب عندهن وسيلة لاستدرار التعاطف، المهم أنه منذ سفر خادمتنا وعائلتي تعيش في حالة تأهب قصوى، ليس بمعنى أن أفرادها شمروا سواعد الجد وصاروا يخدمون أنفسهم بأنفسهم، بل بمعنى أنهم أخذوا احتياطات كي لا يتحملوا أي أعباء. امتلأ البيت بالأكواب والصحون والأطباق الورقية والملاعق البلاستيكية، لتفادي غسل آنية الطعام. وكنت قبل ان تستوجب أوضاعي العائلية الاستعانة بخادمة، وعندما تسافر زوجتي إلى السودان وتتركني في هذه المدينة الخليجية أو تلك، أطلب منها أن تملأ الثلاجة والفريز بمختلف الطبخات، ثم أقوم بتسخين الطعام في أي وعاء صغير مسطح، وأتناوله منه بدلا من وضعه في صحن تفاديا لغسل الصحن، بل كنت في غالب الأحوال اكتفي بالبيض المسلوق مع الجبن الأبيض والطماطم.
في كل مرة تسافر فيها خادمة، اكتشف إلى أي مدى صرنا رهائن في أيدي عاملات المنازل. العيال لا يمانعون في أكل الجبن ليل نهار مقابل تفادي إشعال أي نار. و«يا بنت شغلي الغسالة» فيأتيك الرد «منين يا حسرة.. مفيش كتالوج ومش مستعدة أجازف بتشغيلها وتخرب وتبوظ وانت تمد بوزك». وقد يستيقظ ضمير أحد العيال فيقوم باستخدام المكنسة الكهربائية لتنظيف البيت، وتطالبه بعد ايام بمعاودة التنظيف فيقول: منين يا حسرة. الكيس مليان ومش عارف أطلعه وأفرغه. كنت فيما مضى وكلما سافرت خادمة تعمل عندي وتنهار الخدمات المنزلية أقول: هذا هو اللي طلعنا به من العيش في الخليج. عيال يعتمدون على الخادمة في كل شيء، ولكنني لاحظت في السنوات الأخيرة أنه ما من بيت في الخرطوم إلا وفيه خادمة.
ولا أتحسر على أيام صبانا وشبابنا، فما من شخص من أبناء جيلي في السودان إلا ولديه بعض مهارات الطبخ، ويجيد غسل الملابس بيديه، ويستخدم المكواة باحتراف، وكان من المألوف جدا أن تجد الواحد منا ممسكا بالإبرة وهو يخيط أو يرقع ثقبا في ملابسه، ويا ويلك لو قلت لأحد عيالك هذه الأيام إن بإمكانه أن يعطي قميصه المثقوب الذي اشتراه قبل شهر للخادمة لرتقه (لاحظ أن الخادمة هي من ستقوم بالرتق والترقيع).. سينظر إليك وكأنما بك مس من جنون وقد يسألك باستنكار: هل تريد مني «أنا» أن استخدم قميصا تعرض للثقب؟.. يا حبيبي ده خرم بسيط ويمكن يتعالج!! أنت جاد يا بابا؟ أنا استحي أتبرع بهذا القميص حتى لمشروع كافل اليتيم.
ونتعاتب أنا وزوجتي كثيرا لأننا لم نُكسب عيالنا المهارات المنزلية الأساسية ثم نتذكر أننا علمناهم تلك المهارات، ولكن لم تطرأ ظروف ليستخدموها، فهم كانوا يعودون من مدارسهم فيجدون الطعام جاهزا ويستيقظون في الصباح ويجدون ملابسهم نظيفة ومكوية، وبالتالي فقدوا تلك المهارات أو صاروا غير مستعدين نفسيا لممارستها.. المهم يا جماعة الحال من بعضه، وعيالي ليسوا خائبين فاشلين، ولكن الخيبة الوبائية أصابت المجتمع بأكمله.. حتى نحن أبناء وبنات الجيل الذي كان يصلح السرير المكسور، ويوقد النار بورق الجرائد صرنا «بايظين»، ونحس بالضياع في غياب الخادمات. وبالمقابل ففي المجتمعات الصناعية المتقدمة حيث يعمل الزوجان 12 ساعة يوميا فكلمة خادمة غير موجودة في قواميسهم. وأس مصائبنا أننا نحتقر العمل اليدوي وبالتالي بتنا عاجزين حتى عن خدمة أنفسنا.
بلاش فلسفة: حلوا لي مشكلة عدم وجود خادمة في بيتي ثم نناقش مشاكلنا الاجتماعية.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك