العدد : ١٧٤٤٤ - الجمعة ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٤ - الجمعة ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٦ رجب ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن وزير التعليم الفلتة

حدثتكم‭ ‬بالأمس‭ ‬عن‭ ‬السيدة‭ ‬العجوز‭ ‬التي‭ ‬التحقت‭ ‬بمركز‭ ‬لمحو‭ ‬الأمية‭ ‬ولما‭ ‬تكرر‭ ‬رسوبها‭ ‬هددت‭ ‬معلمة‭ ‬الصف‭ ‬بأنها‭ ‬ستأتي‭ ‬بعيالها‭ ‬ليكسروا‭ ‬عظامها‭. ‬وهذه‭ ‬الواقعة‭ ‬عادت‭ ‬بي‭ ‬إلى‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬فيها‭ ‬مدرسا،‭ ‬وشاركت‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬تصحيح‭ ‬أوراق‭ ‬امتحانات‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية،‭ ‬ولا‭ ‬أذكر‭ ‬قط‭ ‬أن‭ ‬طالبا‭ ‬نال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬80‭%‬‭ ‬من‭ ‬درجات‭ ‬أي‭ ‬مادة،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المادة‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أدرسها‭ ‬وهي‭ ‬الإنجليزية‭ ‬كان‭ ‬تقديرا‭ ‬ممتازا‭ ‬نصيب‭ ‬من‭ ‬يحرز‭ ‬65‭%‬‭ ‬من‭ ‬الدرجات‭ (‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬التقدير‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬3‭ ‬أو‭ ‬4‭ ‬طلاب‭ ‬سنويا‭)‬،‭ ‬وفجأة‭ ‬صارت‭ ‬مدارس‭ ‬السودان‭ ‬مثل‭ ‬مدارس‭ ‬بقية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تنجب‭ ‬العباقرة‭ ‬الذين‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬الدرجات‭ ‬الكاملة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المواد‭ ‬أو‭ ‬معظمها‭! ‬صار‭ ‬من‭ ‬المألوف‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬طالبا‭ ‬أحرز‭ ‬98‭%‬‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬الدرجات‭ ‬ويأتي‭ ‬ترتيبه‭ ‬الرابع‭. ‬لماذا؟‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬أحرز‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬لم‭ ‬يخطئ‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬أو‭ ‬حرف‭ ‬أو‭ ‬عدد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مادة‭ ‬وفقد‭ ‬نصف‭ ‬درجة‭ ‬فقط‭ ‬لأنه‭ ‬يا‭ ‬عيني‭- ‬كتب‭ ‬اسم‭ ‬قارة‭ ‬آسيا‭ ‬بالباء‭ (‬هكذا‭ ‬‮«‬آسبا‮»‬‭).. ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬تصحيح‭ ‬الامتحانات‭ ‬يخضع‭ ‬لقيود‭ ‬وضوابط‭ ‬صارمة‭ ‬‮«‬ما‭ ‬عندها‭ ‬يمة‭ ‬ارحميني‮»‬‭.‬

لا‭ ‬أظن‭ ‬أنه‭ ‬يوجد‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬الأرض‭ ‬شعب‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬امتحان‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬كابوس‭ ‬أو‭ ‬وباء‭ ‬فتاك‭ ‬أو‭ ‬إعصار‭ ‬مدمر‭ ‬كما‭ ‬المصريين‭. ‬ولا‭ ‬أظن‭ ‬أيضا‭ ‬أنه‭ ‬مرت‭ ‬سنة‭ ‬واحدة‭ ‬خلال‭ ‬نصف‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحاول‭ ‬نحو‭ ‬10‭ ‬طلاب‭ ‬مصريين‭ ‬الانتحار‭ ‬خلال‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬الامتحانات‭. ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬الكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الطلابية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬محدودية‭ ‬المقاعد‭ ‬في‭ ‬الجامعات،‭ ‬ولأن‭ ‬80‭%‬‭ ‬من‭ ‬المصريين‭ ‬شأنهم‭ ‬شأن‭ ‬بقية‭ ‬العرب‭ ‬العاربة‭ ‬والهاربة‭ ‬تريد‭ ‬لأبنائها‭ ‬وبناتها‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الطب‭ ‬والهندسة‭.. ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬ففي‭ ‬الصيدلة‭.. ‬وهذا‭ ‬‮«‬آخر‭ ‬كلام‭ ‬عندي‭.. ‬مفهوم؟‮»‬

في‭ ‬امتحانات‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬التي‭ ‬جلس‭ ‬لها‭ ‬الطلاب‭ ‬المصريون‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬سجلت‭ ‬كل‭ ‬المحافظات‭ ‬حالات‭ ‬إغماء‭ ‬وهستيريا‭ ‬وصيحات‭ ‬الغضب،‭ ‬وانصبت‭ ‬اللعنات‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬أعدوا‭ ‬امتحان‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭. ‬بل‭ ‬قام‭ ‬بعض‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬باقتحام‭ ‬لجان‭ ‬الامتحانات‭ ‬بعد‭ ‬

أن‭ ‬سمعوا‭ ‬صرخات‭ ‬بناتهم‭ ‬من‭ ‬‮«‬هول‮»‬‭ ‬الامتحانات،‭ ‬ثم‭ ‬أعلنوا‭ ‬أنهم‭ ‬سيدخلون‭ ‬مع‭ ‬عيالهم‭ ‬في‭ ‬إضراب‭ ‬مفتوح‭ ‬عن‭ ‬الامتحانات‭. ‬ما‭ ‬تسألنيش‭ ‬إزاي‭ ‬يضرب‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬عن‭ ‬الامتحانات‭ -  ‬ثم‭ ‬تجمهروا‭ ‬في‭ ‬مظاهرة‭ ‬أمام‭ ‬مقر‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬وهتفوا‭ ‬بـ«سقوط‮»‬‭ ‬الوزير‭ ‬وناشدوا‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬التدخل‭ ‬لنجدة‭ ‬أبنائهم‭ ‬وبناتهم‭!!‬

والهتاف‭ ‬بسقوط‭ ‬وزير‭ ‬التربية‭ ‬محض‭ ‬سخف‭ ‬فالرجل‭ ‬‮«‬نجح‭ ‬وخلص‮»‬‭ ‬ويحمل‭ ‬درجة‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬ولكن‭ ‬النجاح‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يسبقه‭ ‬إليه‭ ‬أي‭ ‬وزير‭ ‬تربية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬عربي،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الوزير‭ ‬أعلن‭ ‬بكل‭ ‬شجاعة‭ ‬وأمانة‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬طالب‭ ‬سينال‭ ‬تقدير‭ ‬100‭%‬‭ ‬في‭ ‬الامتحانات،‭ ‬وأنه‭ ‬لو‭ ‬أحرز‭ ‬طالب‭ ‬90‭%‬‭ ‬من‭ ‬الدرجات‭ ‬فسيقوم‭ ‬هو‭ ‬‭ ‬أي‭ ‬الوزير‭ ‬بزيارة‭ ‬الطالب‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬لتهنئته‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الإنجاز‭ ‬المذهل،‭ ‬وأتمنى‭ ‬لو‭ ‬تستنسخ‭ ‬بقية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬زكي‭ ‬بدر‭ ‬ليعيد‭ ‬عجلة‭ ‬التعليم‭ ‬إلى‭ ‬مسارها‭ ‬الصحيح‭ ‬ويوقف‭ ‬مساخر‭ ‬إحراز‭ ‬مئات‭ ‬الطلاب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬الدرجات‭ ‬النهائية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المواد‭.. ‬أموت‭ ‬وأعرف‭ ‬كيف‭ ‬يحرز‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬الدرجات‭ ‬الكاملة‭ ‬في‭ ‬‮«‬الإنشاء‮»‬‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬الإنجليزية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬باللغة‭ ‬الهجين‭ ‬التي‭ ‬اخترعها‭ ‬الآسيويون‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭.‬

سلام‭ ‬مربع‭ ‬ومكعب‭ ‬ومتوازي‭ ‬الأضلاع‭ ‬للـ«بدر‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أتى‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬التعليم‭ ‬الظلماء‭. ‬والله‭ ‬يسامح‭ ‬نواب‭ ‬البرلمان‭ ‬الذين‭ ‬أرادوا‭ ‬للبرلمان‭ ‬أن‭ ‬يناقش‭ ‬صعوبة‭ ‬أسئلة‭ ‬الرياضيات‭ (‬التفاضل‭ ‬وحساب‭ ‬المثلثات‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭) ‬بزعم‭ ‬أنها‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬المقرر،‭ ‬وكأنما‭ ‬من‭ ‬وضعوا‭ ‬أسئلة‭ ‬الامتحانات‭ ‬منتدبون‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الزراعة‭ ‬أو‭ ‬جهاز‭ ‬المخابرات‭ ‬أو‭ ‬مكتب‭ ‬اليونسكو‭ ‬في‭ ‬الصومال‭. ‬أما‭ ‬مطالبة‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬بالتدخل‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬الامتحانات‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬دليل‭ ‬فهم‭ ‬قاصر‭ ‬وعاجز‭ ‬لمسؤوليات‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭.. ‬طالما‭ ‬هناك‭ ‬طلاب‭ ‬لم‭ ‬يبكوا‭ ‬أثناء‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬الامتحانات‭ ‬ولم‭ ‬يحاولوا‭ ‬الانتحار‭ ‬فمعنى‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬الوزير‭ ‬بدر‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬عندما‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إحراز‭ ‬الدرجات‭ ‬العليا‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬واستحقاق‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬‮«‬التساهيل‭ ‬والتساهل‮»‬‭ ‬لتتباهى‭ ‬الوزارة‭ ‬لاحقا‭ ‬بأن‭ ‬معدلات‭ ‬النجاح‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬خيانة‭ ‬مقيتة‭ ‬لأمانة‭ ‬المهنة‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا