زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن وزير التعليم الفلتة
حدثتكم بالأمس عن السيدة العجوز التي التحقت بمركز لمحو الأمية ولما تكرر رسوبها هددت معلمة الصف بأنها ستأتي بعيالها ليكسروا عظامها. وهذه الواقعة عادت بي إلى الفترة التي عملت فيها مدرسا، وشاركت عدة مرات في تصحيح أوراق امتحانات الشهادة الثانوية، ولا أذكر قط أن طالبا نال أكثر من 80% من درجات أي مادة، وبالنسبة إلى المادة التي كنت أدرسها وهي الإنجليزية كان تقديرا ممتازا نصيب من يحرز 65% من الدرجات (وكان ذلك التقدير يقتصر على 3 أو 4 طلاب سنويا)، وفجأة صارت مدارس السودان مثل مدارس بقية الدول العربية تنجب العباقرة الذين يحصلون على الدرجات الكاملة في كل المواد أو معظمها! صار من المألوف جدا أن تجد طالبا أحرز 98% من مجموع الدرجات ويأتي ترتيبه الرابع. لماذا؟ لأن من أحرز المرتبة الأولى لم يخطئ في كلمة أو حرف أو عدد في أي مادة وفقد نصف درجة فقط لأنه –يا عيني- كتب اسم قارة آسيا بالباء (هكذا «آسبا»).. مما يؤكد أن تصحيح الامتحانات يخضع لقيود وضوابط صارمة «ما عندها يمة ارحميني».
لا أظن أنه يوجد على ظهر الأرض شعب يتعامل مع امتحان الشهادة الثانوية على أنها كابوس أو وباء فتاك أو إعصار مدمر كما المصريين. ولا أظن أيضا أنه مرت سنة واحدة خلال نصف القرن الماضي دون أن يحاول نحو 10 طلاب مصريين الانتحار خلال أو بعد الامتحانات. وذلك بسبب الكثافة السكانية ومن ثم الطلابية في ظل محدودية المقاعد في الجامعات، ولأن 80% من المصريين شأنهم شأن بقية العرب العاربة والهاربة تريد لأبنائها وبناتها العمل في مجالات الطب والهندسة.. وإن لم يحدث ذلك ففي الصيدلة.. وهذا «آخر كلام عندي.. مفهوم؟»
في امتحانات الشهادة الثانوية التي جلس لها الطلاب المصريون في يونيو من عام 2010، سجلت كل المحافظات حالات إغماء وهستيريا وصيحات الغضب، وانصبت اللعنات على من أعدوا امتحان اللغة الإنجليزية. بل قام بعض أولياء الأمور في مدارس في القاهرة باقتحام لجان الامتحانات بعد
أن سمعوا صرخات بناتهم من «هول» الامتحانات، ثم أعلنوا أنهم سيدخلون مع عيالهم في إضراب مفتوح عن الامتحانات. ما تسألنيش إزاي يضرب أولياء الأمور عن الامتحانات - ثم تجمهروا في مظاهرة أمام مقر وزارة التربية وهتفوا بـ«سقوط» الوزير وناشدوا رئيس الجمهورية التدخل لنجدة أبنائهم وبناتهم!!
والهتاف بسقوط وزير التربية محض سخف فالرجل «نجح وخلص» ويحمل درجة الدكتوراه، ولكن النجاح الذي لم يسبقه إليه أي وزير تربية في أي بلد عربي، هو أن ذلك الوزير أعلن بكل شجاعة وأمانة أنه ما من طالب سينال تقدير 100% في الامتحانات، وأنه لو أحرز طالب 90% من الدرجات فسيقوم هو – أي الوزير– بزيارة الطالب في بيته لتهنئته على هذا الإنجاز المذهل، وأتمنى لو تستنسخ بقية الدول العربية الدكتور أحمد زكي بدر ليعيد عجلة التعليم إلى مسارها الصحيح ويوقف مساخر إحراز مئات الطلاب في كل بلد الدرجات النهائية في كل المواد.. أموت وأعرف كيف يحرز شخص ما الدرجات الكاملة في «الإنشاء» باللغة العربية أو الإنجليزية أو حتى باللغة الهجين التي اخترعها الآسيويون في منطقة الخليج.
سلام مربع ومكعب ومتوازي الأضلاع للـ«بدر» الذي أتى في ليلة التعليم الظلماء. والله يسامح نواب البرلمان الذين أرادوا للبرلمان أن يناقش صعوبة أسئلة الرياضيات (التفاضل وحساب المثلثات على وجه التحديد) بزعم أنها جاءت من خارج المقرر، وكأنما من وضعوا أسئلة الامتحانات منتدبون من وزارة الزراعة أو جهاز المخابرات أو مكتب اليونسكو في الصومال. أما مطالبة رئيس الجمهورية بالتدخل في أمر الامتحانات فقد كان دليل فهم قاصر وعاجز لمسؤوليات رئيس الدولة.. طالما هناك طلاب لم يبكوا أثناء أو بعد الامتحانات ولم يحاولوا الانتحار فمعنى هذا أن الوزير بدر على حق عندما قرر أن يكون إحراز الدرجات العليا عن جدارة واستحقاق وليس من باب «التساهيل والتساهل» لتتباهى الوزارة لاحقا بأن معدلات النجاح غير مسبوقة في خيانة مقيتة لأمانة المهنة!

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك