العدد : ١٧٤٤١ - الثلاثاء ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤١ - الثلاثاء ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ رجب ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

قَووا أنظمتكم الدفاعية الثقافية

قبل‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬وقفت‭ ‬سيدة‭ ‬سعودية‭ ‬أمام‭ ‬القاضي‭ ‬الشرعي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬جدة‭ ‬مطالبة‭ ‬بإثبات‭ ‬طلاقها‭ ‬من‭ ‬زوجها،‭ ‬فاستدعى‭ ‬القاضي‭ ‬الزوج‭ ‬ليسأله‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬فقال‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يطلقها‭ ‬لا‭ ‬شفاهة‭ ‬ولا‭ ‬كتابة،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الزوجة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬الطلاق‭ ‬وقع‭ ‬بالفعل‭ ‬وأخرجت‭ ‬هاتفها‭ ‬الجوال،‭ ‬وعرضت‭ ‬على‭ ‬القاضي‭ ‬رسالة‭ ‬نصية‭ ‬تقول‭: ‬أنت‭ ‬طالق،‭ ‬طالق،‭ ‬طالق،‭ ‬واستفسر‭ ‬القاضي‭ ‬عن‭ ‬رقم‭ ‬الجوال‭ ‬مصدر‭ ‬الرسالة‭ ‬فاتضح‭ ‬انه‭ ‬يخص‭ ‬الزوج،‭ ‬ولكن‭ ‬الزوج‭ ‬أقسم‭ ‬بالله‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكتب‭ ‬تلك‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعود‭ ‬تاريخها‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬أيام‭ ‬سبقت‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬دعوى‭ ‬الطلاق‭. ‬واحتار‭ ‬القاضي‭: ‬فمن‭ ‬ناحية‭ ‬شرعية‭ ‬فان‭ ‬الرسالة‭ ‬الهاتفية‭ ‬النصية‭ ‬تعتبر‭ ‬مستندا‭ ‬قانونيا‭ ‬وهناك‭ ‬سوابق‭ ‬كثيرة‭ ‬وقع‭ ‬فيها‭ ‬الطلاق‭ ‬عبر‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الرسائل‭ ‬واعترف‭ ‬القضاء‭ ‬بصحة‭ ‬وقوعه،‭ ‬ولكن‭ ‬إنكار‭ ‬الزوج‭ ‬لكونه‭ ‬مصدر‭ ‬الرسالة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬صادرة‭ ‬من‭ ‬رقم‭ ‬هاتفه‭ ‬جعل‭ ‬القاضي‭ ‬يحس‭ ‬بأن‭ ‬المسألة‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬إن‮»‬‭ ‬فسأل‭ ‬الزوجة‭ ‬عن‭ ‬مكان‭ ‬إقامتها،‭ ‬فقالت‭ ‬إنها‭ ‬تقيم‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬الزوجية،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ابتسم‭ ‬ونطق‭ ‬بالحكم‭: ‬زوجك‭ ‬لم‭ ‬يطلقك‭ ‬وأنت‭ ‬استخدمت‭ ‬هاتفه‭ ‬الجوال‭ ‬وارسلت‭ ‬لنفسك‭ ‬رسالة‭ ‬طلاق‭ ‬بالثلاثة،‭ ‬ولكن‭ ‬فات‭ ‬عليك‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬عليك‭ ‬شرعا‭ ‬مغادرة‭ ‬بيت‭ ‬الزوجية‭ ‬فور‭ ‬تسلم‭ ‬الرسالة،‭ ‬ولكنك‭ ‬لم‭ ‬تفعلي‭ ‬ذلك‭ ‬لعلمك‭ ‬بان‭ ‬الرسالة‭ ‬مدسوسة‭ ‬من‭ ‬جانبك،‭ ‬وظللت‭ ‬تعيشين‭ ‬معه‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬واحد‭ ‬عدة‭ ‬أيام‭. ‬وأبلغ‭ ‬القاضي‭ ‬تلك‭ ‬السيدة‭ ‬أنه‭ ‬تستحق‭ ‬عقوبة‭ ‬تعزيرية‭ ‬ولكنه‭ ‬عفا‭ ‬عنها‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يفاقم‭ ‬أوضاعها‭ ‬الزوجية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وهكذا‭ ‬عادت‭ ‬الزوجة‭ ‬إلى‭ ‬بيتها‭ ‬وقفاها‭ ‬يقمر‭ ‬عيش‭.‬

قبل‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬اتصل‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬بزوجتي‭ ‬في‭ ‬نحو‭ ‬الثالثة‭ ‬فجرا‭ ‬وبدأ‭ ‬يقول‭ ‬لها‭ ‬بعربية‭ ‬مكسرة‭: ‬أنت‭ ‬لا‭ ‬تعرفينني‭ ‬ولكنني‭ ‬كنت‭ ‬أصلي‭ ‬وأقرأ‭ ‬القرآن‭ ‬وفي‭ ‬لحظة‭ ‬‮«‬كشف‮»‬‭ ‬علمت‭ ‬ان‭ ‬شخصا‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬بك‭ ‬سوءا‭.. ‬وبين‭ ‬اليقظة‭ ‬والمنام‭ ‬سمعت‭ ‬زوجتي‭ ‬تسأل‭: ‬أنت‭ ‬منو‭.. ‬فبرطم‭ ‬بعدة‭ ‬كلمات،‭ ‬ثم‭ ‬انتهت‭ ‬المكالمة‭ ‬فنظرت‭ ‬إلى‭ ‬الرقم‭ ‬الذي‭ ‬أتت‭ ‬منه‭ ‬ووجدته‭ ‬رقما‭ ‬مصريا،‭ ‬وبعد‭ ‬قليل‭ ‬صدرت‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الرقم‭ ‬رنة‭ ‬واحدة،‭ ‬ولم‭ ‬يتسن‭ ‬لي‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬المكالمة‭. ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬الدجال‭ ‬الحقير‭ ‬كان‭ ‬واثقا‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬زرع‭ ‬الخوف‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬زوجتي‭ ‬وبكل‭ ‬بجاحة‭ ‬‮«‬يعمل‭ ‬مس‭ ‬كول‮»‬‭ ‬لتتحمل‭ ‬هي‭ ‬تكاليف‭ ‬المكالمة‭ ‬ويعرض‭ ‬هو‭ ‬تسعيرة‭ ‬حمايتها‭ ‬من‭ ‬السوء،‭ ‬وبدون‭ ‬أن‭ ‬أخبر‭ ‬زوجتي‭ ‬اتصلت‭ ‬بالرقم‭ ‬في‭ ‬نحو‭ ‬العاشرة‭ ‬صباحا‭ ‬والتقط‭ ‬صاحبنا‭ ‬المكالمة‭ ‬فقلت‭ ‬له‭ ‬إنني‭ ‬قادم‭ ‬مع‭ ‬زوجتي‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬24‭ ‬ساعة‭ ‬لننعم‭ ‬ببركاته،‭ ‬فهش‭ ‬الرجل‭ ‬وبش‭ ‬وتمتم‭ ‬بكلام‭ ‬غير‭ ‬مفهوم‭ ‬تتخلله‭ ‬عبارات‭ ‬‮«‬بارك‭ ‬الله‭ ‬فيكم‮»‬‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬اطمأن‭ ‬لي‭ ‬واصلت‭ ‬الحديث‭: ‬خليك‭ ‬راجل‭ ‬وما‭ ‬تغير‭ ‬رقم‭ ‬التليفون‭ ‬لأني‭ ‬لما‭ ‬أجي‭ ‬مصر‭ ‬سأسحبك‭ ‬من‭ ‬أُذنك‭ ‬إلى‭ ‬ميدان‭ ‬التحرير‭ ‬مستعينا‭ ‬ببلطجية‭ ‬لتنال‭ ‬علقة‭ ‬لم‭ ‬ينلها‭ ‬حرامي‭ ‬في‭ ‬مولد‭. ‬ثم‭ ‬أمطرته‭ ‬بسيل‭ ‬من‭ ‬الشتائم‭ ‬من‭ ‬الصنف‭ ‬اللبناني،‭ ‬فأقفل‭ ‬صاحبنا‭ ‬الخط،‭ ‬وعاودت‭ ‬الاتصال‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬رقم‭ ‬مختلف‭ ‬بعد‭ ‬يومين‭ ‬فجاءني‭ ‬‮«‬تسجيل‮»‬‭ ‬بان‭ ‬الرقم‭ ‬خارج‭ ‬الخدمة‭ ‬وكررت‭ ‬المحاولة‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬آخر،‭ ‬وتأكدت‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬اللص‭ ‬الجبان‭ ‬تخلص‭ ‬من‭ ‬شريحة‭ ‬هاتفه،‭ ‬أي‭ ‬خاف‭ ‬بالفعل‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬اتوجه‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬وأسلم‭ ‬رقمه‭ ‬للشرطة‭ ‬أو‭ ‬البلطجية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحروب‭ ‬هناك‭ ‬أضرار‭ ‬جانبية‭ ‬collateral‭ ‬damage‭ ‬أي‭ ‬غير‭ ‬المقصودة،‭ ‬وفي‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬أيضا‭ ‬أضرار‭ ‬جانبية‭ ‬يتسبب‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬يستخدمونها‭ ‬لأغراض‭ ‬غير‭ ‬حميدة‭ ‬أو‭ ‬شريفة‭.. ‬فما‭ ‬من‭ ‬اختراع‭ ‬غير‭ ‬مسار‭ ‬التاريخ‭ ‬مثل‭ ‬الهاتف‭ ‬الجوال،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يستخدمه‭ ‬للسرقة‭ ‬والتحرش‭ ‬والاستعباط،‭ ‬والانترنت‭ ‬أهم‭ ‬أداة‭ ‬معرفة‭ ‬وتعليم‭ ‬وتواصل‭ ‬منذ‭ ‬فجر‭ ‬التاريخ‭ ‬ولكن‭ ‬به‭ ‬ملايين‭ ‬المواقع‭ ‬الزبالة‭ ‬تقابلها‭ ‬بلايين‭ ‬المواقع‭ ‬المفيدة‭. ‬والشاهد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬كون‭ ‬هناك‭ ‬أشخاص‭ ‬مرضى‭ ‬يسيئون‭ ‬استخدام‭ ‬تقنيات‭ ‬العصر‭ ‬لا‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التقنيات‭ ‬شرا‭ ‬ووبالا،‭ ‬وفي‭ ‬زماننا‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬ان‭ ‬يعتصم‭ ‬بثقافته‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يجرفه‭ ‬التيار‭ ‬إلى‭ ‬سايبيريا‭ ‬أي‭ ‬عالم‭ ‬السايبر‭ ‬الأثيري،‭ ‬المليء‭ ‬بالدهاليز‭ ‬والمتاهات‭ ‬غير‭ ‬الآمنة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا