زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لماذا حرقوا بابا؟
هكذا حال الدنيا. نموت وتنقضي أحلامنا في لحظة، وإلى التراب نصير، وتموج ديدان الثرى في أكْبُدٍ، كانت تضج بها المُنى وتمور. وهكذا أصيب الجيولوجي البريطاني برايان تاندي بنوبة قلبية شديدة أودت بحياته فرحل عن الدنيا مخلفا أرملة وبنتين، والبنتان هما جيل البالغة من العمر 23 سنة وكلير ذات التسع عشرة سنة، ومن فرط حبهما لأبيهما الراحل فقد قررت البنتان- بتحفيز من الأم- الاحتفاظ به قريبا منهما بالمعنى الحرفي للكلمة. وستسترد البنتان خلال الأيام القليلة المقبلة أباهما المتوفى وهو في حالة مبهجة. سيعود إليهما وهو يلمع ويتوهج ويتلألأ، وعندها تستطيع البنتان، التباهي والهتاف «بص شوف بابا بيعمل إيه. ويا عواذل فلفلوا» والسر في ذلك أن كلير وجيل قامتا بحرق جثة الوالد العزيز ثم تسليم الرماد الناجم عن الحرق إلى شركة اسمها «لايف جم Life Gem». وتعني «درَّة الحياة» لتحويله إلى قطعتي ماس يتم تثبيتهما في خاتمين ترتديانهما، وما يحدث أو سيحدث هو أن الشركة تقوم بتسلم رماد جثامين المتوفين بعد حرقها، وتسخينه في فرن يحوي القليل جدا من الأوكسجين للتخلص من الشوائب وبعدها يتم تحويل الفحم إلى جرافايت وهو الكربون الطري الذي تصنع منه أقلام الرصاص بالتسخين على درجات حرارة عالية للغاية، ثم يوضع مسحوق الجرافايت في جهاز ضغط قوي بمعدل 900 ألف باوند (رطل إنجليزي) للبوصة المربعة ويُعرّض لحرارة تبلغ 3000 درجة، ويستغرق إنتاج قطعة ماس من المتوفى عدة أشهر تظل خلالها بقاياه تتعرض للتسخين والضغط والضرب عدة مرات، وقد افتتحت شركة لايف جم الأمريكية فرعا لها في بريطانيا قبل بضع سنوات، وبما أننا مولعون بالتداوي هناك رغم أن النظام الصحي في بريطانيا لم يعد أفضل حالا من النظام الصحي في القطب الجنوبي حيث تعيش طيور البطريق التي فرض عليها الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب تعرفة جمركية عالية، فإنني أنصح كل قارئ يتم إبلاغه بأن عزيزا لديه قد توفي في بريطانيا ودفن هناك أن يتوجه إلى الشرطة ليتم إخضاع من رافقوا المريض خلال رحلة طلب الاستشفاء للتأكد من أنهم لا يملكون قطعا من الماس!! وطالما أن إنتاج الماس من جثة الميت ممكن، علينا فرض حراسات مشددة كالتي يحظى بها البيت الأبيض على المقابر، كي لا تقوم عصابات بسرقة جثامين الموتى وحرقهم بقصد الإثراء بتحويلهم إلى ماس!! المقرف في حكاية الراحل العزيز برايان تاندي أن أرملته وبنتيه تزعمان أن بهدلة بقاياه وتحويلها إلى فصين من الماس «سيجعل الراحل يحس بالسعادة»، لأنه سيبقى لصيقا بالبنتين لأنه سيكون خاتما في إصبع كل منهما، والرجل قد يقبل طوعا أو كرها أن يكون «خاتما» في إصبع زوجته بل وشبشبا في رجلها، ولكنني لا أعرف رجلا يقبل أن يكون خاتما في إصبع بنته وهو ميت.
حققت العلوم فتوحات كبيرة في السنوات الأخيرة خاصة في مجالات الطب والصحة والتكنولوجيا، ولكن معظمها تطبّع بالعولمة التي تحيل كل شيء إلى سلعة، وآخر صرعة هي تحويل جثث المتوفين إلى أحجار كريمة للزينة!! نعرف جميعا أنه لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها، وهو المنطق الذي يجعل الكثيرين لا يمانعون بنقل أعضائهم بعد وفاتهم إلى أشخاص آخرين يعانون من علل مستعصية، ولكن حكاية تاندي الذي تحول إلى خاتم تجعلني أقشعر من فكرة أن يحمل شخص أعضائي بعد موتي، ماذا مثلا لو نقل الأطباء كبدك إلى شخص يقوم بمجرد تعافيه بتلويثه (كبدك) بالمشروبات الكحولية الرخيصة المغشوشة (هنا أجاري من يزعمون أن الكحوليات غالية الثمن لا تضر الكبد!!)؟ ماذا يقول الناس عنك لو تم نقل قرنيتك إلى شخص فاسترد بصره وبات يستخدم تلك القرنية في متابعة برامج رزان وهيفاء. ومعاكسة بنات الناس في الأسواق؟ أو ذاك الذي تنتقل إليه رئتك فيلوثها بالنيكوتين والقار؟

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك