العدد : ١٧٤٢٤ - السبت ٠٦ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٢٤ - السبت ٠٦ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

اللهم اعطنا طول البال

فلان‭ ‬على‭ ‬الهبشة‭ ‬تعبير‭ ‬سوداني‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬فلان‭ ‬سريع‭ ‬الانفعال‭ ‬والاشتعال؟‭ ‬و«هبش‮»‬‭ ‬تعني‭ ‬اللمس‭ ‬الخفيف‭ ‬باليد‭ ‬أو‭ ‬اللسان‭. ‬وما‭ ‬يحيرني‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬وبصفة‭ ‬عامة‭ ‬صرنا‭ ‬قوما‭ ‬سريعي‭ ‬الغضب‭. ‬من‭ ‬جانبي‭ ‬أميل‭ ‬إلى‭ ‬كظم‭ ‬الغيظ،‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬أعصابي‭ ‬أمام‭ ‬الآخرين،‭ ‬ولكنني‭ ‬أدفع‭ ‬ثمن‭ ‬ذلك‭ ‬غاليا‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أنجح‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الغليان‭ ‬الداخلي،‭ ‬ولهذا‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬في‭ ‬ضغط‭ ‬الدم‭ ‬الشرياني‭. ‬والمصيبة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬والناس‭ ‬باتوا‭ ‬يتفننون‭ ‬في‭ ‬ابتكار‭ ‬أشياء‭ ‬وسلوكيات‭ ‬تجعلك‭ ‬تكلم‭ ‬نفسك‭ ‬معظم‭ ‬ساعات‭ ‬اليقظة،‭ ‬والأدهى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬فورات‭ ‬الغضب‭ ‬صارت‭ ‬وبائية‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬تسمع‭ ‬عبارات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬الله‭ ‬يسامحك‮»‬،‭ ‬فإذا‭ ‬وطئت‭ ‬قدم‭ ‬شخص‭ ‬سهوا‭ ‬واعتذرت‭ ‬له‭ ‬ينفجر‭ ‬في‭ ‬وجهك‭: ‬أعمى‭ ‬انت‭ ‬ولا‭ ‬خبل؟‭ ‬وهذا‭ ‬كأن‭ ‬يسب‭ ‬الرجل‭ ‬أبا‭ ‬الرجل،‭ ‬فيسب‭ ‬أباه‭ ‬وأمه،‭ ‬فأنا‭ ‬غلطان‭ ‬لأنني‭ ‬دست‭ ‬رجلك،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬بزجري،‭ ‬وتشمل‭ ‬بإساءتك‭ ‬ذوي‭ ‬الإعاقات‭ ‬البصرية‭ ‬والنفسية؟‭ ‬وهناك‭ ‬الفواتير‭ ‬التي‭ ‬تأتيك‭ ‬مطالبة‭ ‬بسداد‭ ‬مبالغ‭ ‬سبق‭ ‬لك‭ ‬سدادها،‭ ‬وتذهب‭ ‬إلى‭ ‬مكاتب‭ ‬الشركة‭ ‬أو‭ ‬الهيئة‭ ‬لتقنع‭ ‬موظفين‭ ‬يعانون‭ ‬سلفا‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والإرهاق‭ ‬بأنك‭ ‬مظلوم،‭ ‬فيتعاملون‭ ‬معك‭ ‬وكأنك‭ ‬أتيت‭ ‬لتقترض‭ ‬منهم‭ ‬مالا،‭ ‬أو‭ ‬كأنك‭ ‬خطفت‭ ‬خطيبة‭ ‬أحدهم،‭ ‬وتشرح‭ ‬لموظف‭ ‬كيف‭ ‬ان‭ ‬الفاتورة‭ ‬خطأ،‭ ‬وأنهم‭ ‬تجاهلوا‭ ‬إيميلاتك‭. ‬فيقول‭ ‬لك‭: ‬هذه‭ ‬الأفلام‭ ‬شفنا‭ ‬منها‭ ‬الكثير‭.. ‬وتدفع‭ ‬الفاتورة،‭ ‬وتعود‭ ‬إلى‭ ‬سيارتك‭ ‬لتكتشف‭ ‬انها‭ ‬تحمل‭ ‬لوحة‭ ‬ملونة‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬نافذتها،‭ ‬وتقول‭: ‬ربما‭ ‬استيقظ‭ ‬ضمير‭ ‬المدير‭ ‬وقرر‭ ‬ترقيتي‭ ‬وأراد‭ ‬مفاجأتي‭ ‬بالقرار‭ ‬فألصق‭ ‬نسخة‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬نافذة‭ ‬السيارة،‭ ‬ثم‭ ‬تفاجأ‭ ‬بان‭ ‬شرطة‭ ‬المرور‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬قررت‭ ‬خصم‭ ‬مبلغ‭ ‬معتبر‭ ‬من‭ ‬راتبك،‭ ‬بزعم‭ ‬انك‭ ‬أوقفت‭ ‬سيارتك‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬محظورة‮»‬‭.‬

وأعود‭ ‬إلى‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬ترفع‭ ‬الضغط،‭ ‬ففي‭ ‬الطريق‭ ‬تكتشف‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬سائقي‭ ‬السيارات‭ ‬يستهدفونك‭ ‬ويتحرشون‭ ‬بسيارتك‭ ‬رغم‭ ‬انها‭ ‬محتشمة‭ ‬ومن‭ ‬عائلة‭ ‬محافظة،‭ ‬وتقف‭ ‬عند‭ ‬إشارة‭ ‬المرور‭ ‬فيقف‭ ‬إلى‭ ‬جوارك‭ ‬شاب‭ ‬في‭ ‬سيارة‭ ‬جيب‭ ‬بها‭ ‬مكبرات‭ ‬صوت‭ ‬تردد‭ ‬أغنيات‭ ‬تم‭ ‬تسجيلها‭ ‬في‭ ‬ورشة‭ ‬حدادة‭ ‬بصوت‭ ‬قوته‭ ‬تسع‭ ‬درجات‭ ‬على‭ ‬مقياس‭ ‬ريختر،‭ ‬وتصل‭ ‬إلى‭ ‬مكتبك‭ ‬وتجلس‭ ‬إلى‭ ‬طاولتك‭ ‬لفتح‭ ‬البريد‭ ‬الالكتروني‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬احدهم‭ ‬قد‭ ‬بعث‭ ‬اليك‭ ‬برسالة‭ ‬طريفة‭ ‬تريح‭ ‬أعصابك،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الافتراءات‭ ‬عن‭ ‬كسل‭ ‬السودانيين،‭ ‬فتكتشف‭ ‬أن‭ ‬ثلثي‭ ‬الرسائل‭ ‬جاءتك‭ ‬من‭ ‬أناس‭ ‬لا‭ ‬تعرفهم‭ ‬يدعونك‭ ‬إلى‭ ‬زيارة‭ ‬مواقعهم‭ ‬على‭ ‬الانترنت‭ ‬او‭ ‬شراء‭ ‬سلعة‭ ‬لست‭ ‬بحاجة‭ ‬إليها،‭ ‬أو‭ ‬إعطائهم‭ ‬رقم‭ ‬حسابك‭ ‬ليضعوا‭ ‬فيه‭ ‬عدة‭ ‬ملايين،‭ ‬وتطلب‭ ‬كوب‭ ‬شاي‭ ‬فيرن‭ ‬التليفون‭. ‬وعلى‭ ‬شاشته‭ ‬تجد‭ ‬رقم‭ ‬رئيسك‭ ‬المباشر،‭ ‬وتعرف‭ ‬انه‭ ‬سيسمم‭ ‬بدنك‭ ‬بكلام‭ ‬سخيف‭. ‬فتتجاهل‭ ‬المكالمة‭ ‬وتقرر‭ ‬ترك‭ ‬المكتب‭ ‬لأن‭ ‬الدوام‭ ‬سينتهي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬سيارتك‭ ‬التي‭ ‬تركتها‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬مسافة‭ ‬يجوز‭ ‬فيها‭ ‬قصر‭ ‬الصلاة‭!! ‬وشخصيا‭ ‬فقد‭ ‬عودت‭ ‬نفسي‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الانفعال‭ ‬بحماقات‭ ‬سائقي‭ ‬السيارات،‭ ‬لكنني‭ ‬لا‭ ‬أطيق‭ ‬راكبي‭ ‬الدراجات‭ ‬الهوائية‭ ‬الذين‭ ‬يعتبرون‭ ‬أنفسهم‭ ‬فوق‭ ‬القانون،‭ ‬وذات‭ ‬مرة‭ ‬كنت‭ ‬أمشي‭ ‬على‭ ‬الرصيف‭ ‬واتجه‭ ‬أحدهم‭ ‬نحوي‭ ‬بدراجته‭ ‬فتجمدت،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬اقترب‭ ‬مني‭ ‬حتى‭ ‬ركلت‭ ‬مقدمة‭ ‬دراجته‭ ‬بقدمي‭ ‬فحرفتها‭ ‬عن‭ ‬مسارها‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تصدمني،‭ ‬وسقط‭ ‬الشاب‭ ‬أرضا،‭ ‬ولحسن‭ ‬الحظ‭ ‬كان‭ ‬معي‭ ‬مسدس‭ ‬افتراضي‭ ‬غير‭ ‬مرخص،‭ ‬فأطلقت‭ ‬عليه‭ ‬عدة‭ ‬أعيرة‭ ‬نارية‭!! ‬من‭ ‬حقي‭ ‬أن‭ ‬أحلم‭!!‬

وتتوجه‭ ‬لزيارة‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬صديق‭ ‬ولكن‭: ‬أي‭ ‬طابق‭ ‬وأي‭ ‬شقة؟‭ ‬الفيلا‭ ‬هاي‭ ‬أم‭ ‬التي‭ ‬تجاورها‭. ‬وتفتح‭ ‬التلفزيون‭ ‬وتجد‭ ‬نفس‭ ‬المسؤول‭ ‬الكذاب‭ ‬يردد‭ ‬نفس‭ ‬الوعود‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬ان‭ ‬تحدث‭ ‬عنها‭ ‬قبل‭ ‬15‭ ‬سنة‭! ‬وتقرر‭ ‬ان‭ ‬تتمدد‭ ‬في‭ ‬السرير‭ ‬فيأتيك‭ ‬صوت‭ ‬زوجتك‭: ‬طالعين‭ ‬بعد‭ ‬شوية‭ ‬نعزي‭ ‬سكينة‭ ‬لأن‭ ‬جدتها‭ ‬ماتت‭! ‬فتصيح‭: ‬جدتها‭ ‬كانت‭ ‬عايشة‭ ‬للحين؟‭ ‬سكينة‭ ‬نفسها‭ ‬عمرها‭ ‬الافتراضي‭ ‬انتهى‭!! ‬ثم‭ ‬تستدرك‭ ‬وتستغفر‭ ‬الله،‭ ‬وعندها‭ ‬يرن‭ ‬جرس‭ ‬الباب‭ ‬فتهرول‭ ‬لتفتحه‭ ‬لتجد‭ ‬ولد‭ ‬الجيران‭: ‬عمو‭ ‬كورتنا‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬بيتكم،‭ ‬ممكن‭. ‬فتعود‭ ‬ريمه‭ ‬إلى‭ ‬قديمها‭: ‬كان‭ ‬يوم‭ ‬أسود‭ ‬اللي‭ ‬صرنا‭ ‬فيه‭ ‬جيرانكم‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا