العدد : ١٧٤٢١ - الأربعاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٢١ - الأربعاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

هذا ما جنته علي المرأة

عندما‭ ‬قضت‭ ‬المقادير‭ ‬أن‭ ‬أعيش‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬مع‭ ‬أسرتي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬إلحاق‭ ‬كبرى‭ ‬بناتي‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المدرسة‭ ‬مع‭ ‬شقيقها‭ ‬الاكبر،‭ ‬ولكنها‭ ‬فتاة‭ ‬متخلفة‭ ‬ورجعية‭ ‬ورفضت‭ ‬ان‭ ‬تدرس‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬مختلطة،‭ ‬قلت‭ ‬لها‭ ‬يا‭ ‬بنت‭ ‬الناس‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬الخواجات‭ ‬حيث‭ ‬الاختلاط‭ ‬فرض‭ ‬عين‭ ‬فتحملي‭ ‬مدرستك‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬نجد‭ ‬لك‭ ‬مخرجا،‭ ‬وأبوك‭ ‬درس‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬مختلطة‭. ‬ولكنها‭ ‬ركبت‭ ‬رأسها‭ ‬وزودتني‭ ‬بقائمة‭ ‬بأسماء‭ ‬مدارس‭ ‬المنطقة‭ ‬الخاصة‭ ‬بالبنات‭ ‬فقط‭ ‬فاتصلت‭ ‬بالإدارة‭ ‬التعليمية‭ ‬وابلغتهم‭ ‬برغبتي‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬بنتي‭ ‬فقالوا‭: ‬تو‭ ‬ليت‭. ‬يعني‭ ‬فات‭ ‬الفوات،‭ ‬لأنني‭ ‬اخترت‭ ‬لها‭ ‬وشقيقها‭ ‬المدرسة‭ ‬الحالية‭ ‬ولم‭ ‬يفرضها‭ ‬أحد‭ ‬عليّ،‭ ‬فلجأت‭ ‬إلى‭ ‬سلاح‭ ‬اعرف‭ ‬جدواه‭ ‬تماما،‭ ‬قلت‭ ‬لهم‭ ‬انني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬اعرف‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مدارس‭ ‬خاصة‭ ‬بالبنات‭ ‬وانني‭ ‬كمسلم‭ ‬لا‭ ‬اقبل‭ ‬أن‭ ‬تدرس‭ ‬بنتي‭ ‬وسط‭ ‬الأولاد،‭ ‬وخلال‭ ‬لحظات‭ ‬قليلة‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬نقلوا‭ ‬بنتي‭ ‬إلى‭ ‬مدرسة‭ ‬بنات‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬البيت‭. ‬فالخواجات‭ ‬الذين‭ ‬نصب‭ ‬عليهم‭ ‬اللعنات‭ ‬يحترمون‭ ‬العقائد‭ ‬ولا‭ ‬يتشنجون‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬يخالفونهم‭ ‬عقيديا‭ ‬ربما‭ ‬لان‭ ‬حكاية‭ ‬الدين‭ ‬ما‭ ‬عادت‭ ‬‮«‬تفْرِق‭ ‬معهم‮»‬،‭ ‬ولاحقا‭ ‬قالت‭ ‬لي‭ ‬تلك‭ ‬البنت‭ ‬ان‭ ‬معدلات‭ ‬قلة‭ ‬الأدب‭ ‬والحياء‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬البنات‭ ‬أضعاف‭ ‬معدلاتها‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬المختلطة،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬بقيت‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬أوجد‭ ‬الله‭ ‬لنا‭ ‬مخرجا‭ ‬من‭ ‬لندن‭ ‬وعدنا‭ ‬إلى‭ ‬قطر‭.‬

ويطيب‭ ‬لي‭ ‬ان‭ ‬اعلن‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬المنبر‭ ‬وبأثر‭ ‬رجعي‭ ‬معارضتي‭ ‬للتعليم‭ ‬المختلط‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬اصابني‭ ‬بتأثيراته‭ ‬الجانبية‭ (‬سايد‭ ‬افيكتس‭)‬،‭ ‬فبعض‭ ‬زميلات‭ ‬الجامعة‭ ‬تزوجن‭ ‬فور‭ ‬التخرج‭ ‬واينما‭ ‬حللت‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬سنوات،‭ ‬اجد‭ ‬واحدة‭ ‬منهن‭ ‬وقد‭ ‬اصبحت‭ ‬حبوبة‭ (‬جدة‭)‬،‭ ‬ما‭ ‬يحرمني‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬التلاعب‭ ‬بعمري‭ ‬وإجراء‭ ‬التنزيلات‭ ‬عليه،‭ ‬ولكن‭ ‬مصيبتي‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬لأنني‭ ‬عملت‭ ‬مدرسا‭  ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬البنات‭ ‬الثانوية‭ ‬لبضع‭ ‬سنوات‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مدينة‭ ‬تصادفني‭ ‬واحدة‭ ‬يمشي‭ ‬أو‭ ‬يجلس‭ ‬إلى‭ ‬جوارها‭ ‬شاب‭ ‬طويل‭ ‬واهبل،‭ ‬هو‭ ‬ولدها،‭ ‬أو‭ ‬فتاة‭ ‬اسطوانية‭ ‬تتدحرج‭ ‬مثل‭ ‬وابور‭ ‬الزلط،‭ ‬هي‭ ‬ابنتها،‭ ‬ولا‭ ‬يفوت‭ ‬عليها‭ ‬ان‭ ‬تعلن‭ ‬بأعلى‭ ‬صوتها‭ ‬انها‭ ‬كانت‭ ‬تلميذتي،‭ ‬واتمنى‭ ‬عندها‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬عندي‭ ‬بعد‭ ‬نظر‭ ‬على‭ ‬عهد‭ ‬التدريس‭ ‬وضربتها‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬لتفقد‭ ‬الذاكرة‭ ‬أو‭ ‬تصاب‭ ‬بإعاقة‭ ‬تمنعها‭ ‬الكلام،‭ ‬والداهية‭ ‬الاكبر‭ ‬هي‭ ‬انني‭ ‬درست‭ ‬نساء‭ ‬متزوجات‭ ‬وذوات‭ ‬ذرية‭ ‬في‭ ‬فصول‭ ‬‮«‬اتحاد‭ ‬المعلمين‮»‬‭ ‬المسائية،‭ ‬ومن‭ ‬حق‭ ‬الواحدة‭ ‬منهن‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬صادقة‭ ‬انني‭ ‬درستها‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬الشجاعة‭ ‬لا‭ ‬قول‭ ‬للحاضرين‭ ‬ان‭ ‬ولدها‭ ‬الاكبر‭ ‬كان‭ ‬يلعب‭ ‬في‭ ‬بطولة‭ ‬كأس‭ ‬السودان‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬طالبة‭ ‬عندي‭.‬

كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬فمن‭ ‬عادتي‭ ‬ان‭ ‬اربط‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬معينة‭ ‬لعدة‭ ‬سنوات‭ ‬يعني‭ ‬كان‭ ‬عمري‭ ‬35‭ ‬سنة‭ ‬لنحو‭ ‬سبع‭ ‬سنوات،‭ ‬ثم‭ ‬أصبح‭ ‬37‭ ‬سنة،‭ ‬وفرملت‭ ‬أي‭ ‬توقفت‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الـ39‭. ‬وما‭ ‬زلت‭ ‬مرابطا‭ ‬فيها‭ ‬واتهيب‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬اضطر‭ ‬إلى‭ ‬الاعتراف‭ ‬فيه‭ ‬بأنني‭ ‬عشت‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬ولكنني‭ ‬احيانا‭ ‬اراجع‭ ‬نفسي‭ ‬واعاتبها‭ ‬مذكرا‭ ‬اياها‭ ‬أن‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬ليس‭ ‬سيئا‭ ‬تماما،‭ ‬فعلى‭ ‬الاقل‭ ‬لست‭ ‬مطالبا‭ ‬بتعلم‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يتطلب‭ ‬جهدا،‭ ‬واسراري‭ ‬في‭ ‬امان‭ ‬عندما‭ ‬أحدث‭ ‬بها‭ ‬اصدقائي‭ ‬لأنهم‭ ‬لن‭ ‬يتذكروها‭ ‬بعد‭ ‬بضع‭ ‬ساعات‭ ‬من‭ ‬سماعهم‭ ‬إياها،‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬تغير‭ ‬مثلا‭ ‬بين‭ ‬عام‭ ‬1990‭ ‬وعام‭ ‬2025؟‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬تقريبا‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬1990‭ ‬كنا‭ ‬نستمع‭ ‬للقادة‭ ‬العرب‭ ‬وهم‭ ‬يحدثوننا‭ ‬عن‭ ‬الوحدة‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2025‭ ‬نعرف‭ ‬انهم‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬الوحدة،‭ ‬أو‭ ‬التوحُّد‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1990‭ ‬كان‭ ‬دماغي‭ ‬ناشفا‭ ‬كالحصى‭ ‬اما‭ ‬اليوم‭ ‬فإن‭ ‬كليتي‭ ‬ناشفة‭ ‬بسبب‭ ‬الحصى،‭ ‬وقبل‭ ‬30‭ ‬سنة‭ ‬كانت‭ ‬آمالي‭ ‬وطموحاتي‭ ‬تكبر‭ ‬اما‭ ‬اليوم‭ ‬فإن‭ ‬كرشي‭ ‬تكبر‭ ‬يوميا،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1990‭ ‬كنت‭ ‬اتناول‭ ‬الطرشي‭ ‬والمخلل‭ ‬والشطة‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬حامض‭ ‬اما‭ ‬اليوم‭ ‬فإنني‭ ‬اتناول‭ ‬مضادات‭ ‬الحموضة،‭ ‬وعلى‭ ‬عهد‭ ‬الشباب‭ ‬كان‭ ‬والداي‭ ‬يضغطان‭ ‬علي‭ ‬كي‭ ‬أقص‭ ‬شعر‭ ‬راسي‭ ‬واليوم‭ ‬امارس‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬اولادي‭ ‬كيلا‭ ‬يقصوا‭ ‬شعر‭ ‬رؤوسهم‭ ‬على‭ ‬موديل‭ ‬سرج‭ ‬الدراجة‭. ‬باختصار‭ ‬الحالة‭ ‬هي،‭ ‬هي،‭ ‬ولم‭ ‬تتغير‭ ‬كثيرا‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬ايجابيات‭ ‬مضي‭ ‬سنوات‭ ‬العمر‭ ‬ان‭ ‬خلايا‭ ‬الدماغ‭ ‬تنكمش‭ ‬وتتقلص‭ ‬ويسهل‭ ‬بالتالي‭ ‬إدارتها‭ ‬وتشغيلها،‭ ‬لأن‭ ‬مخزونها‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬أيضا‭ ‬منكمش‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا