العدد : ١٧٤٢٠ - الثلاثاء ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٢٠ - الثلاثاء ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

من زارَ خف

أعرف‭ ‬وأعِي‭ ‬أنه‭ ‬يصعب‭ ‬تصنيف‭ ‬زاويتي‭ ‬هذه‭ ‬كثقافية‭ ‬أو‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬فنية‭ ‬أو‭ ‬برمائية،‭ ‬واسمها‭ ‬‮«‬غائمة‮»‬‭ ‬يوحي‭ ‬بالضبابية‭ ‬وعدم‭ ‬وضوح‭ ‬الرؤية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنه‭ ‬يسهل‭ ‬علي‭ ‬استغلالها‭ ‬لتمرير‭ ‬أجندة‭ ‬خاصة،‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬أنني‭ ‬أعتبر‭ ‬نفسي‭ ‬شخصا‭ ‬في‭ ‬أهمية‭ ‬فلادمير‭ ‬بوتين‭ ‬أو‭ ‬هيفاء‭ ‬وهبي،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬شعبولا‭. ‬بل‭ ‬أقصد‭ ‬أنني،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أفضفض‭ ‬عن‭ ‬هموم‭ ‬خاصة،‭ ‬ذات‭ ‬إسقاطات‭ ‬عامة،‭ ‬وقد‭ ‬اكتسبت‭ ‬هذه‭ ‬العادة‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬القطرية،‭ ‬فلأنني‭ ‬مقيم‭ ‬في‭ ‬قطر‭ ‬منذ‭ ‬سقوط‭ ‬دولة‭ ‬بني‭ ‬أمية،‭ ‬فإن‭ ‬معارفي‭ ‬فيها‭ ‬كثيرون،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬مقالاتي‭ ‬فيها‭ ‬تكون‭ ‬أحيانا‭ ‬شخصانية‭ ‬للغاية‭. ‬مثلا‭ ‬عندما‭ ‬أعرف‭ ‬أنني‭ ‬سألزم‭ ‬سرير‭ ‬المستشفى‭ ‬‮«‬لوعكة‭ ‬طارئة‭ ‬لم‭ ‬تمهله‭ ‬طويلا‮»‬‭!! ‬فإنني‭ ‬أكتب‭ ‬بوضوح‭ ‬قائلا‭: ‬يا‭ ‬ويل‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يزورني‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭. ‬ويا‭ ‬ظلام‭ ‬ليل‭ ‬من‭ ‬يزورني‭ ‬هناك‭ ‬بعد‭ ‬10‭ ‬مساء‭ ‬وقبل‭ ‬10‭ ‬صباحا‭. ‬وأعلن‭ ‬بكل‭ ‬بجاحة‭ (‬بالمناسبة‭ ‬بجاحة‭ ‬فصيحة‭ ‬وليست‭ ‬من‭ ‬العامية‭ ‬المصرية‭ ‬وحسب،‭ ‬لأنها‭ ‬تأتي‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬المصريين‭ ‬كثيرا‭. ‬والكلمة‭ ‬تعني‭ ‬التباهي‭ ‬والوقاحة‭ ‬والجرأة‭ ‬وسلاطة‭ ‬اللسان‭)‬،‭ ‬المهم‭ ‬أنني‭ ‬أعلن‭ ‬تشاؤمي‭ ‬من‭ ‬الورود‭ ‬لأنني‭ ‬أراها‭ ‬على‭ ‬الشاشات‭ ‬موضوعة‭ ‬على‭ ‬القبور،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬يأتيني‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬حاملا‭ ‬باقة‭ ‬ورد‭ ‬سيتعرض‭ ‬لمعاملة‭ ‬باردة‭ ‬وسخيفة‭. ‬وبالتالي‭ ‬فمن‭ ‬المستحسن‭ ‬وضع‭ ‬قيمة‭ ‬باقة‭ ‬الورد‭ ‬تحت‭ ‬مخدة‭ ‬سريري‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭.‬

وقبل‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬حلول‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الفضيل‭ ‬الفائت‭ ‬كتبت‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬قطرية‭ ‬قائلا‭ ‬إن‭ ‬برنامج‭ ‬عائلتي‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬وشوال‭ ‬وذي‭ ‬القعدة‭ ‬‮«‬سيم‭ ‬سيم‮»‬،‭ ‬لا‭ ‬تغيير‭ ‬فيه،‭ ‬وإنني‭ ‬لا‭ ‬أرحب‭ ‬بالزيارات‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬متأخرة‭ ‬من‭ ‬الليل،‭ (‬يعني‭ ‬بعد‭ ‬التاسعة‭ ‬والنصف‭ ‬ليلا‭). ‬وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬إيجابية،‭ ‬فقد‭ ‬تلقيت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المكالمات‭ ‬الهاتفية‭: ‬كنا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نزوركم‭ ‬لنبارك‭ ‬لكم‭ ‬الشهر،‭ ‬ولكنك‭ ‬كتبت‭ ‬قائلا‭ ‬إن‭ ‬زيارتكم‭ ‬بعد‭ ‬التاسعة‭ ‬والنصف‭ ‬مساء‭ ‬ممنوعة،‭ ‬بينما‭ ‬برنامجنا‭ ‬المسائي‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬يبدأ‭ ‬بعد‭ ‬الحادية‭ ‬عشرة‭ ‬ليلا‭!! ‬ويحسب‭ ‬من‭ ‬يقولون‭ ‬لي‭ ‬ذلك‭ ‬أنني‭ ‬سأحس‭ ‬بالذنب‭ ‬لخروجي‭ ‬عن‭ ‬البدعة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬رمضان‭ ‬شهرا‭ ‬للخروج‭ ‬عن‭ ‬مألوف‭ ‬مواقيت‭ ‬وآداب‭ ‬التزاور‭ ‬والتواصل‭!! ‬والذين‭ ‬عاتبوني‭ ‬هاتفيا‭ ‬بأسلوب‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الذوق‭ ‬واللطف‭ ‬مقارنة‭ ‬بمن‭ ‬قرروا‭ ‬زيارتنا‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬من‭ ‬المساء‭ (‬لأننا‭ ‬نعرف‭ ‬أنكم‭ ‬تنامون‭ ‬مبكرين‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬يجلسون‭ ‬يتكلمون‭ ‬في‭ ‬الفاضي‭ ‬والمليان‭ ‬حتى‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬أو‭ ‬بعده‭ ‬بقليل‭ ‬أو‭ ‬كثير‭!! ‬قد‭ ‬يرى‭ ‬بعضكم‭ ‬في‭ ‬كلامي‭ ‬هذا‭ ‬جلافة‭ ‬وقلة‭ ‬ذوق‭! ‬ومع‭ ‬هؤلاء‭ ‬البعض،‭ ‬بعض‭ ‬الحق،‭ ‬فقد‭ ‬نشأنا‭ ‬جميعا‭ ‬على‭ ‬مجاملة‭ ‬الآخرين‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬ارتباطاتنا‭ ‬والتزاماتنا‭. ‬ولكنني‭ ‬وبكل‭ ‬صراحة‭ ‬‮«‬تعبت‮»‬،‭ ‬ولم‭ ‬أعد‭ ‬أتردد‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬ما‭ ‬يعتبره‭ ‬البعض‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬زوجتي‭ ‬جلافة،‭ ‬فعندما‭ ‬يتصل‭ ‬بي‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬ليقول‭ ‬إنه‭ ‬سيزورني‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬كذا‭ ‬فإنني‭ ‬قد‭ ‬أطلب‭ ‬منه‭ ‬بكل‭ ‬ذوق‭ ‬أن‭ ‬يؤجل‭ ‬زيارته‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬آخر‭ ‬لأنني‭ ‬‮«‬مرتبط‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬مرهق‮»‬،‭ ‬وأكون‭ ‬صادقا‭ ‬جدا‭: ‬معليش‭ ‬الساعة‭ ‬8‭ ‬مساء‭ ‬مطالب‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬ندوة‭!! ‬معليش‭ ‬الساعة‭ ‬8‭ ‬مساء‭ ‬يا‭ ‬دوب‭ ‬أكون‭ ‬رجعت‭ ‬البيت‭ ‬لأن‭ ‬عندي‭ ‬دوام‭ ‬صباحي‭ ‬ومسائي‭!! ‬وبات‭ ‬معظم‭ ‬من‭ ‬يعرفونني‭ ‬جيدا‭ ‬يتقبلون‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الأعذار‭ ‬عن‭ ‬طيب‭ ‬خاطر‭ ‬لأنهم‭ ‬يعرفون‭ ‬‮«‬معزَّتهم‮»‬‭ ‬عندي،‭ ‬وأنني‭ ‬لا‭ ‬أنفر‭ ‬منهم‭ ‬أو‭ ‬أحاول‭ ‬‮«‬توزيعهم‮»‬،‭ ‬ويعرفون‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أجامل‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬معينة،‭ ‬ولكن‭ ‬يبلغني‭ ‬أحيانا‭ ‬أن‭ ‬فلانا‭ ‬قال‭: ‬كنا‭ ‬نريد‭ ‬زيارة‭ ‬جعفر‭ ‬ولكنه‭ ‬طردنا‭ ‬أو‭ ‬منعنا‭! ‬والله‭ ‬المسألة‭ ‬ليس‭ ‬فيها‭ ‬طرد‭ ‬أو‭ ‬منع،‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أزور‭ ‬أحدا‭ ‬دون‭ ‬سابق‭ ‬‮«‬موعد‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬أدخل‭ ‬بيت‭ ‬شخص‭ (‬إلا‭ ‬للعزاء‭ ‬الطارئ‭ ‬والمفاجئ‭) ‬بعد‭ ‬التاسعة‭ ‬مساء‭. ‬وإذا‭ ‬وجدت‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬أزوره‭ ‬كاشخا‭ ‬متأنقا‭ ‬بما‭ ‬يوحي‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬بيته‭ ‬فإنني‭ ‬أرغمه‭ ‬على‭ ‬الصوم‭ ‬لأنني‭ ‬أرفض‭ ‬الجلوس‭ ‬عنده‭ ‬فيحلف‭ ‬بالطلاق‭ ‬أن‭ ‬أجلس‭ ‬فأتمسك‭ ‬بالرفض‭ ‬وأنصرف،‭ ‬فيكون‭ ‬أمامه‭ ‬خيار‭ ‬الصوم‭ ‬تفاديا‭ ‬للطلاق‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا