العدد : ١٧٤٠٠ - الأربعاء ١٢ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٠٠ - الأربعاء ١٢ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

والدا طفل المركبة والروح الإنسانية العالية!

{‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬غلبت‭ ‬عليه‭ ‬القيم‭ ‬المادية،‭ ‬وتفشت‭ ‬فيه‭ ‬الشرور‭ ‬والأمراض‭ ‬النفسية‭ ‬كالحقد‭ ‬والحسد‭ ‬والأنانية‭ ‬والغضب‭ ‬وروح‭ ‬الانتقام،‭ ‬لكان‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬الذي‭ ‬وقف‭ ‬فيه‭ ‬والد‭ ‬الطفل‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬ليعفو‭ ‬عن‭ ‬المواطنة‭ ‬التي‭ ‬تركت‭ ‬أو‭ ‬نسيت‭ ‬طفله‭ ‬في‭ ‬السيارة،‭ ‬ليلقى‭ ‬حتفه‭ ‬بعدها،‭ ‬لكان‭ ‬هذا‭ ‬العفو‭ ‬طبيعيا‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬لافت،‭ ‬ولكن‭ ‬حين‭ ‬تتغلب‭ ‬الرحمة‭ ‬على‭ ‬الألم‭ ‬والإنسانية‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬الانتقام‭ ‬أو‭ ‬القصاص،‭ ‬ويشعر‭ ‬صاحبه‭ ‬بعدها‭ ‬بانشراح‭ ‬الصدر‭ ‬وطمأنينة‭ ‬القلب‭ ‬لأنه‭ ‬وزوجته‭ ‬‮«‬أم‭ ‬الطفل‮»‬‭ ‬ورغم‭ ‬فقدهما‭ ‬المؤلم‭ ‬طفلهما،‭ ‬اتفقا‭ ‬على‭ ‬العفو‭ ‬الكامل‭ ‬وانتظار‭ ‬العوض‭ ‬من‭ ‬الله،‭ ‬فإن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تغليب‭ ‬لروح‭ ‬الإيمان‭ ‬والإنسانية،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬المتهمة‭ ‬القابعة‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬أم‭ ‬لأبناء‭ ‬تتحمل‭ ‬مسؤوليتهم‭ ‬ووالدهم‭ ‬خارج‭ ‬البحرين‭. ‬ووالدا‭ ‬الطفل‭ ‬لا‭ ‬يريدان‭ ‬لعائلة‭ ‬المتهمة‭ ‬أن‭ ‬تتشتت،‭ ‬أو‭ ‬يعيش‭ ‬أطفالها‭ ‬مرارة‭ ‬الفقد‭ ‬التي‭ ‬ذاقاها‭ ‬حين‭ ‬فقد‭ ‬طفلهما‭! ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬علي‭ ‬المحاري‮»‬‭ ‬والد‭ ‬الطفل‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المتهمة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تقصد‭ ‬ما‭ ‬حدث،‭ ‬وأن‭ ‬النسيان‭ ‬غير‭ ‬المقصود‭ ‬كان‭ ‬سبب‭ ‬الفاجعة،‭ ‬وبذلك‭ ‬وفي‭ ‬بيانه‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬العفو‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬هو‭ ‬قرار‭ ‬إيمان‭ ‬لا‭ ‬قرار‭ ‬عاطفة،‭ ‬وأنه‭ ‬حين‭ ‬يعفو‭ ‬لا‭ ‬ينكر‭ ‬حقه‭ ‬ولا‭ ‬يبرئ‭ ‬الخطأ،‭ ‬ولكنه‭ ‬يختار‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬الحكم‭ ‬الله‭ ‬ويحتسب‭ ‬الأجر‭ ‬عنده‭ ‬كما‭ ‬قال‭. ‬

{‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬تأثيره،‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬يبدو‭ ‬وكأن‭ ‬غالبية‭ ‬سكانه‭ ‬قد‭ ‬جرفتهم‭ ‬مياه‭ ‬الحياة‭ ‬العميقة‭ ‬نحو‭ ‬قيم‭ ‬مادية‭ ‬لا‭ ‬أخلاقية‭ ‬تتجاهل‭ ‬أصالة‭ ‬وفطرية‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والقيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والدينية‭! ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬أناس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬يحتفظون‭ ‬بتلك‭ ‬القيم‭ ‬وبالأخلاقيات‭ ‬العالية‭ ‬وأهمها‭ ‬‮«‬العفو‭ ‬عند‭ ‬المقدرة‮»‬‭ ‬والرحمة‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬تأمل‭ ‬تبعات‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬الانتقام‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬المثال‭ ‬على‭ ‬أطفال‭ ‬أمهم‭ ‬متهمة‭ ‬بالقتل‭ ‬غير‭ ‬المقصود‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬طفل‭ ‬المركبة‭!‬

{‭  ‬ولعل‭ ‬قيمة‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬الإنساني‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬الشرور‭ ‬التي‭ ‬تحاصر‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬مثلما‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬انجراف‭ ‬النفوس‭ ‬الضعيفة‭ ‬ليس‭ ‬بالإضرار‭ ‬بشخص‭ ‬أو‭ ‬عائلة‭ ‬وإنما‭ ‬بوطن‭ ‬وشعب‭ ‬بأكمله،‭ ‬بسبب‭ ‬الأنانيات‭ ‬والمصالح‭ ‬المادية‭ ‬أو‭ ‬غلبة‭ ‬روح‭ ‬الكراهية‭ ‬والأحقاد‭! ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬يومياً‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بلد،‭ ‬يضيع‭ ‬شعبه‭ ‬بسبب‭ ‬التناحرات‭ ‬إما‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬النفوذ‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬التنامرات‭ ‬العرقية‭ ‬والمذهبية‭! ‬فتدفع‭ ‬مئات‭ ‬كثيرة‭ ‬وبأعداد‭ ‬مليونية‭ ‬الثمن‭ ‬الباهظ‭ ‬بحياتها‭ ‬وتشردها‭ ‬وجوعها،‭ ‬لأن‭ ‬مثلاً‭ ‬هناك‭ ‬صراعا‭ ‬سياسيا‭ ‬بين‭ ‬طرفين،‭ ‬ولا‭ ‬يهم‭ ‬بعدها‭ ‬ما‭ ‬يدفعه‭ ‬شعبهما‭ ‬من‭ ‬مكابدات‭ ‬وآلام‭! ‬ألم‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية؟‭! ‬ألا‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬مشهدية‭ ‬مؤلمة‭ ‬ومجازر‭ ‬عبثية؟‭! ‬أليست‭ ‬النفوس‭ ‬المريضة‭ ‬بالسلطة‭ ‬والأنانية‭ ‬خلف‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬لشعوب‭ ‬بأكملها؟‭!‬

{‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬الرحمة‭ ‬تسود‭ ‬بين‭ ‬الناس؟‭! ‬وماذا‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والدينية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحرك‭ ‬النفوس‭ ‬والمواقف؟‭! ‬وماذا‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬البشر‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬مقاومة‭ ‬شرور‭ ‬المطامع‭ ‬والأحقاد‭ ‬والحسد؟‭! ‬وماذا‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الإنسان‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬عواقب‭ ‬قراراته‭ ‬ومواقفه‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬بدافع‭ ‬حس‭ ‬إنساني‭ ‬عال‭ ‬وراق؟‭! ‬وماذا‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬البشر‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬المصالح‭ ‬مهما‭ ‬تعالت،‭ ‬والثروات‭ ‬مهما‭ ‬تزايدت،‭ ‬والماديات‭ ‬مهما‭ ‬أغوت،‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬زائلة‭! ‬وما‭ ‬يتم‭ ‬حفره‭ ‬في‭ ‬الروح‭ ‬من‭ ‬مواقف‭ ‬إنسانية‭ ‬وقيم‭ ‬نبيلة‭ ‬هي‭ ‬المصلحة‭ ‬الأعلى‭ ‬وهي‭ ‬الثروة‭ ‬الأكثر‭ ‬قيمة،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تحفظها‭ ‬الروح‭ ‬بداخلها‭ ‬حين‭ ‬ترحل‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬أخروي،‭ ‬الميزان‭ ‬فيه‭ ‬لغلبة‭ ‬الخير‭ ‬والإنسانية‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح،‭ ‬وهي‭ ‬معاً‭ ‬من‭ ‬موجبات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والإيمان‭ ‬الحقيقي،‭ ‬حيث‭ ‬المخبر‭ ‬لا‭ ‬المظهر‭!‬

{‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬البشر‭ ‬يتأملون‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬بعمق‭ ‬إيماني‭ ‬وإنساني،‭ ‬لكانت‭ ‬الحياة‭ ‬أفضل‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬اليوم،‭ ‬وحيث‭ ‬الإنسان‭ ‬وحده‭ ‬من‭ ‬يعطي‭ ‬السلطة‭ ‬والسطوة‭ ‬للشيطان‭ ‬وشروره‭ ‬وإغواءاته،‭ ‬لتندلع‭ ‬حروب‭ ‬الأطماع،‭ ‬وصراعات‭ ‬التناحر‭ ‬على‭ ‬الماديات،‭ ‬وأزمات‭ ‬مفتعلة‭ ‬ليتغلب‭ ‬طرف‭ ‬على‭ ‬آخر،‭ ‬وأنانيات‭ ‬وكراهية‭ ‬وأحقاد‭! ‬وهؤلاء‭ ‬من‭ ‬يقتلون‭ ‬الأكثرية‭ ‬لكي‭ ‬تتسيّد‭ ‬الأقلية،‭ ‬بينما‭ ‬دين‭ ‬الرحمة‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أحيا‭ ‬نفسا‭ ‬كمن‭ ‬أحيا‭ ‬الجميع‭! ‬شكرا‭ ‬لوالدي‭ ‬الطفل‭ ‬‮«‬حسين‮»‬‭ ‬لأنهما‭ ‬أعادا‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬قيم‭ ‬إنسانية‭ ‬نبيلة‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬كثيرين‭ ‬وكثيرين‭ ‬جداً‭ ‬قد‭ ‬نسوها‭! ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬دفعنا‭ ‬إلى‭ ‬التأمل‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا