عالم يتغير
فوزية رشيد
كل هذه الشرور والظلال والنور!
{ استكمالا للتحديات الأمنية على مستوى العالم والشعوب العربية بدورها منشغلة بالمصائر المجهولة التي يتم رسمها لها في الدهاليز المعتمة، وكثرة النبوءات والتأويلات وحصار الأساطير والخرافات التي يتم بثها بلغة استعمارية جديدة، تدمج العلمانية، الغربية والليبرالية الجديدة بالأوراق الصفراء القادمة من كهوف الأطماع التاريخية، مثلما تدمج السيطرة السياسية والإعلامية بتوجهات المعسكر الصناعي العسكري والتكنولوجي والسيطرة الاقتصادية والمالية للغرب، فينتج ثقافة وهوية رأسمالية شرسة لا تضع اعتباراً للإنسان أو للثقافات والهويات والحضارات الأخرى، فإن القلق العربي من كل ذلك على مصائرها لم يكن ليصل إلى سوداويته التي نراها، إلا بسبب ما وصل إليه الوضع العربي بشكل عام من ضعف في أكثر حلقات سلسلته الرابطة، ومن تراجع وتبعية لحصار المفردات والمفاهيم، التي تعمل بتؤدة على خلخلة القوة العربية الداخلية ما أن ترى نهضة في أحد بلدانها! حتى أصبحت التوقعات والنبوءات التي تغزو الساحة العربية، وكأنها إعلانات عن مخططات لماهية الأعاصير القادمة!
{ الغريب أن المصائر المجهولة لا تحيط ببلدان وشعوب المنطقة العربية وحدها، بل بكل البشرية في آن واحد! حيث أصبح الإنسان كإنسان هو المستهدف اليوم من العقول الشيطانية، التي حولت الرغبة في السيطرة والهيمنة التي تجرها عربات الشركات الكبرى، إلى تقليص الأعداد السكانية في العالم إلى «المليار الذهبي»! ومنه إلى سيطرة التكنولوجيا
والذكاء الصناعي على مستقبل من يتبقى من البشرية! ليدخل العالم كله مرحلة مختلفة بشكل نوعي يهدد الإنسان في النهاية بالزوال والفناء، سواء عبر الحروب العسكرية أو الحروب البيولوجية والفيروسات المصنعة، أو عبر هيمنة الآلة والذكاء الصناعي، وهو ما يحذر منه خبراء كثيرون! أو عبر الحروب الأخلاقية والفكرية، أو عبر الجوع والمجاعات وحرب المياه القادمة أي تجويع وتعطيش! أو عبر التعليم الذي يكرس العقلية الاستهلاكية التي تخدم الشركات العولمية الكبرى، بتنوع منتجاتها من الدواء إلى الغذاء إلى السلاح إلى السلع المصنعة والمهجنة والمدجنة! وكل ما يتم ابتكاره من الألف إلى الياء لإغراق الانسان المعاصر في تفاصيل الاستهلاك وضياع القيمة الإنسانية والهويات الحضارية والثقافية باختلافاتها وتنوعاتها!
{ هذا العالم وهذه البشرية اللذان يتمّ أخذهما إلى المجهول والضياع، إن لم يكن إلى الزوال والاندثار، تحاصره الشرور بشراهة وشراسة كما لم يحدث قط في التاريخ الإنساني!
هناك وكما هو واضح (مركزية لثقافة الشرور) وبنمط عولمي جديد ومن خلف الستار! يريد تقليص الانسان إلى آلة! وتقليص أو اختزال القيم الإنسانية والأخلاقية، إلى قيم التطرف الاستعماري الغربي، في إخضاع كل الهويات والثقافات ودمجها في هوية واحدة تحت سيطرة الرأسمالية المتوحشة!
بل واختزال الأديان السماوية وأهمها الاسلام الدين الخاتم والصحيح الباقي، إلى دين واحد شيطاني الهويّة والجوهر، رغم العناوين البراقة حوله! مثلما يراد نسف الدول الوطنية ونسف أسسها الحضارية والتاريخية، ليتم حكمها تحت سطوة (حكومة عالمية واحدة) تتعامل مع دول وشعوب العالم كولايات في دولة واحدة عبر الذكاء الصناعي والتقنيات الرقمية! ونتيجة كل هذا التدبير الشيطاني وبسطوة القوة وحدها والضغوط، ينشأ الإنسان العالمي لكنه المحشور في الآلة! وتنشأ الدول «الولايات» وقد فقدت هويتها وثقافاتها الخاصة، وجذور حضاراتها التي تعود لآلاف السنين! ويصبح (التطرف الرأسمالي الاحتكاري والاستبدادي) هو الحاكم! والذي تديره الشركات العولمية الكبرى!
{ كل هذه الشرور وكل هذا التطرف في الدكتاتورية والاستبداد العولمي وما بعد العولمي، يُشيع السوداوية والقلق سواء لدى الدول أو الشعوب لتحاصر الظلال والسحب المعتمة النور المتبقي في الوجود الانساني! في عالم تم تصميمه من الخالق ليكون متنوعاً، متكاملاً، متساوياً في الحقوق والواجبات بين الأمم، وبحكم الهوية الإنسانية وتنوعها، بدل أن تكون خاضعة لمخططات الاستفراد والهيمنة وتهميش الأقوى للأضعف، وقهره وإذلاله بطرق وتقنيات مختلفة، أخطرها تسيير الذكاء الصناعي لمصير البشرية كلها، وليس العرب أو المسلمون وحدهم!
{ في وسط هذه العتمة يبزغ نور في الوقت ذاته يتمثل في وعي عالمي جديد، تقوده للمفارقة الأجيال الجديدة في الغرب وفي العالم، بعد أن أدركت الشعوب الغربية خطورة الأنظمة الاستبدادية التي تحكمها بيد صهيونية عالمية! ولتعلن رغبتها في التحرّر، وقد أدركت أن الديمقراطية مجرد وسيلة غربية لإخفاء الاستبداد والدكتاتورية العولمية! وأن الحريات الفردية التي تغرق في تفاصيلها هي الأخرى استغراق في المادية والغرائزية وتهميش الجوانب الأخلاقية! فيما الوعي الكامل بقيمة الإنسان والحياة يتراجع إلى الوراء يوماً بعد يوم! وفي الوقت ذاته فإن دولا كبرى وقوى مؤثرة في العالم باتت بدورها تدرك أن المصير العالمي ملعوب فيه، وواقع تحت هيمنة لا تحقق أي عدالة أو مساواة بين حقوق الدول!
وهذا ما أنتج التفكير في التوجه والدعوة إلى التكاملية وإلى العدالة الدولية وإلى التعددية القطبية التي تقودها الصين وروسيا!
{ في ظل الظلام لا بدّ من وجود نور يقابله يكمن في الفطرة الإنسانية للتخلص من دهاء العقول الشيطانية، مهما بلغت سطوتها وبلغ خبثها وشرها أقصى الحدود! رغم وجود المساحة المفتوحة التي يتم التلاعب فيها بخبث بين غايات الشر وغايات الحكمة الإلهية في تنوع الخلق والطبيعة!
ولكي تتحقق العدالة الإنسانية على المستوى الدولي أو العالمي، لا بدّ من وعي عالمي أيضاً بما يُحاك في الخفاء، ومواجهته دولياً باصطفاف أصحاب رؤى العدالة الدولية والباحثين عنها وعن التكامل الأممي، لمواجهة مخططات قوى الاستفراد والهيمنة، حتى يبدأ النور في الانطلاق ليضيء العالم المعتم بالشرور غير المسبوقة!

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك