عالم يتغير
فوزية رشيد
مستقبل المنطقة.. من الكنيست إلى شرم الشيخ!
{ كان يوم 13 أكتوبر الإثنين الماضي يوما حافلا، سواء باختلاف المشاعر أو اختلاط الأفكار! وترامب صاحب خطة السلام كما أسماها، يحضر مشهدا كرنفاليًّا الأول في الكنيست والثاني في شرم الشيخ، وبينها ساعات قليلة لكنها مليئة بالمفارقات! وفي ذات اليوم ما بين ساعات الصباح حيث إطلاق جميع الرهائن الذين كانوا لدى «حماس»، وما بين ساعات المساء حيث إطلاق سراح بعض الأسرى والمعتقلين من السجون لدولة الاحتلال، وكان التسليم على الجانب الفلسطيني محفوفا بمخاطر إنذار الاحتلال عن عدم وجود أية مظاهر احتفالية! إلا أن الشوارع المكتظة بالركام والدمار، اكتظت بدورها بدموع الفلسطينيين والعناق والقبلات في لقطات مؤثرة، كشفت عن حجم معاناة الطرفين من جهة أولى معاناة من تم إطلاق سراحهم والمعاناة واضحة على محياهم، لتزيد مأساتهم مع اكتشاف فقدانهم لأهاليهم وأسرهم في غزة أثناء حرب الإبادة، ومن جهة أخرى معاناة الأهالي وهم يستقبلون أسراهم الفلسطينيين بعد مأساة أسطورية عاشوها خلال عامين قبل وقف إطلاق النار! وفي كل ذلك تجسدت الحقيقة المؤلمة لاختلاط المشاعر واختلاط الأفكار بين فرح منقوص ومشهدية درامية تنطق بها صور الدمار في المكان قبل أن تنطق بها الوجوه أو الألسن!
{ في الكنيست عاش «ترامب» نرجسيته الفائقة وسط تصفيق طويل ومتكرر احتفاء به وبما حققه للكيان الصهيوني، من اعتراف بالقدس عاصمة للكيان، وموافقة بضم الجولان السورية في ولايته الأولى! أما في ولايته الثانية كما قال هو وقال «نتنياهو» فإنه قدم عربون الصداقة باعتباره أعظم صديق للكيان في تاريخ نشوئه منذ 1948!
ليأتي بعدها زعيم المعارضة الصهيوني فيقول إنه وحسب معتقدهم التلمودي فإن (أرض كنعان كلها لنا) وسط تصفيق متجدد كل وقت! ولم يعلق «ترامب» على قوله هذا وأنه يناقض تماماً مفهوم السلام كما يفهمه الفلسطينيون والعرب والعالم، بل أكد في مجمل خطابه بما يشي أن خطته تحقق الأهداف كاملة للكيان! أو بمعنى آخر، هي لإنقاذ الكيان من عزلته، وحيث قال إنه (لا يمكن محاربة العالم كله)! فيما هو و«نتنياهو» أكدا مبدأ السلام من منطلق أو منطق القوة العسكرية لأمريكا والكيان! وكأن المضمر في القول فرض الاستلام باسم السلام على كامل المنطقة، وإلا فإن القوة هي الحل! وليتباهى الاثنان (ترامب ونتنياهو) بحجم الدعم الأمريكي العسكري النوعي للكيان والأسلحة الجديدة فائقة التقنية! وكأن ترامب في الكنيست بقول بشكل موارب إن الخطة هي لصالح الكيان تماماً، ولصالح إعادة دمجه في المنطقة عبر مفهوم السلام لدى الطرفين، وهو توسيع رقعة التطبيع، من دون أن تكون خطته واضحة المعالم من حيث إعادة الحقوق إلى الفلسطينيين أو قيام دولة لهم! بل إن الخطة ليست فقط لتجريد حماس من السلاح، وإنما لتحريم قيام أية مقاومة في وجه الاحتلال لاحقاً، والذي بعد إعادة الرهائن بدأ بالخروقات وقتل 9 فلسطينيين بعد يوم واحد من اتفاقية شرم الشيخ! وكانت الإشارة في التحليلات أن هناك ملحقا سريا للاتفاقية يجيز للكيان القيام بما يلزم بحجة الدفاع عن النفس، رغم أن من قتلهم كانوا يعودون إلى منازلهم المهدمة.
{ في شرم الشيخ عاش «ترامب» احتفالية أخرى وحيث يوجد قادة وممثلون أكثر من 30 دولة ومنظمات إقليمية وعالمية، يبحثون كما في الاتفاقية الغامضة عن أمل أن تتوقف الحرب في غزة والمنطقة دون رجعة! وأن يعم السلام على أساس مبدأ حل الدولتين، وعلى أساس ما قاله الرئيس «السيسي» إن (للفلسطينيين الحق في دولة مستقلة وإنه السبيل الوحيد لتحقيق السلام في المنطقة) فيما أدلى ترامب بالجمل الإنشائية حول السلام وقد تبدل لسانه عما كان في الكنيست! دون أيضا الإشارة إلى حل الدولتين، أو التركيز على إنهاء معاناة الفلسطينيين بشكل حقيقي وإنما التركيز على السلام بشكل فضفاض! وأنه يوم عظيم للشرق الأوسط، وحل قضية دامت 3000 عام (ثلاثة آلاف عام)! وأن إعادة إعمار غزة ستجعل الأموال تتدفق عليها! وبين لحظة وأخرى سواء في الكنيست أو في شرم الشيخ «يكرر» كلماته حول الدول الغنية والثرية والثراء، وهي الكلمات التي تلعب برأسه طوال الوقت كما كان واضحاً!
{ كانت مصر محط أنظار العالم يوم 13/10، وهي قد نجحت في جذب كل هذا العدد من الدول والممثلين، للالتزام بالدور الدولي والعربي والإسلامي بوقف الحرب بشكل نهائي واستئناف مسار السلام الإقليمي وإعادة إعمار غزة وضمان الاستقرار الأمني والسياسي! ولكن في ظل كل ذلك لا أحد يضمن النيات الصهيونية سواء في الكيان أو في الولايات المتحدة! حيث يرى بعض المراقبين أن تحقيق كامل الأهداف للكيان الصهيوني، لن يكون إلا من خلال ما يريد هذا الكيان تثبيته من احتلال غزة وإن بطرق ملتوية! وحيث «لجنة السلام» برئاسة ترامب ودور «بلير» تعني إيجاد منظومة استعمارية دولية لإدارة غزة، بدلا من الاستعمار «الإسرائيلي» المباشر! وتكون هذه اللجنة بإشراف خفيّ من الكيان، وكخاتم في يد «نتنياهو»، خاصة أن «بلير» المقترح تابعٌ للمخطط الصهيوني ليس في غزة وحدها، بل في كامل المنطقة كما كان أثناء الحرب على العراق! ودوره الإجرامي لن يكون أقل خطورة من الحاكم العسكري في العراق!
{ وقد انتقلت اللعبة وإن مرحلياً من الحالة العسكرية إلى الحالة السياسية المعقدة!، وحيث التوقيع في «شرم الشيخ» كان على المرحلة الأولى من الخطة فقط أما الثانية والثالثة فسقفها الزمني مفتوح! فإن في هذه المرحلة يبرز دور الدول العربية والإسلامية في كيفية إدارة المفاوضات القادمة، وفي الضغط على الجانب الأمريكي و«ترامب» لتحقيق التفاهمات حسب المبادرة العربية للسلام وحسب إعلان نيويورك ما دامت الخطة غامضه! بما يعني ممارسة الضغوط على الجانب الأوروبي أيضاً، قبل أن يبدأ الكيان يتلاعب ببنود الخطة في المرحلتين الثانية والثالثة! ليحقق مجدداً أهدافه الخفية بعد أن يضمن نطاق توسيع اتفاقيات التطبيع مجانا ومن دون أن يلتزم بحل الدولتين! أو إعادة الحقوق المشروعة للفلسطينيين! خاصة أن نزع السلاح لا يشمل «حماس» فقط، بل هو يشمل أي محاولة لأي مقاومة للاحتلال مستقبلاً ما دام هذا الاحتلال قائماً! والأيام القادمة ستكشف الكثير!

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك