العدد : ١٧٣٩١ - الاثنين ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٩١ - الاثنين ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

نساء غزّة!

{‭ ‬حين‭ ‬تطلّ‭ ‬نساء‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬الفيديوهات‭ ‬المنتشرة‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الشاشات‭ ‬الفضية،‭ ‬وهن‭ ‬يتجاسرن‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المكابدات‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منهن،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬أما‭ ‬أو‭ ‬أرملة‭ ‬أو‭ ‬شابة‭ ‬أو‭ ‬مراهقة‭ ‬طفلة،‭ ‬ترى‭ ‬الروح‭ ‬الأبية‭ ‬خلف‭ ‬ما‭ ‬تخبئه‭ ‬العيون‭ ‬من‭ ‬عذابات‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬طوال‭ ‬عامين،‭ ‬عايشن‭ ‬فيها‭ ‬تفاصيل‭ ‬يومية‭ ‬لم‭ ‬تشهدها‭ ‬نساء‭ ‬العالم،‭ ‬إلاّ‭ ‬ببعض‭ ‬تفاصيلها‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الكارثية‭ ‬الكبرى‭! ‬نساء‭ ‬غزة‭ ‬عايشن‭ ‬كل‭ ‬سيناريوهات‭ ‬ويوميات‭ ‬الإبادة‭ ‬الوحشية‭ ‬والقاسية‭ ‬التي‭ ‬وثقها‭ ‬أحدث‭ ‬تقرير‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬هيئة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬حيث‭ ‬دفعت‭ ‬النساء‭ ‬حسب‭ ‬التقرير‭ ‬الكلفة‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬حرب‭ ‬أخرى‭! ‬وحيث‭ ‬تكبدت‭ ‬نساء‭ ‬غزة‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الأرقام‭ ‬والبيانات‭ ‬الصادقة،‭ ‬حجم‭ ‬الضحايا‭ ‬ومأساة‭ ‬النزوح‭ ‬الجماعي‭ ‬المتكرر،‭ ‬وارتفاع‭ ‬أعداد‭ ‬الأرامل،‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬الانهيار‭ ‬شبه‭ ‬الكامل‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والخدمات،‭ ‬حتى‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬مكان‭ ‬لأي‭ ‬إحساس‭ ‬بالأمان‭ ‬أو‭ ‬الراحة‭ ‬تحت‭ ‬وابل‭ ‬القصف‭ ‬المتواصل‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عامين‭!‬

{‭ ‬نساء‭ ‬غزة‭ ‬لسن‭ ‬كغيرهن‭ ‬من‭ ‬النساء،‭ ‬فقد‭ ‬تحولّت‭ ‬إلى‭ ‬مشاريع‭ ‬موت‭ ‬ووحشة‭ ‬القتل‭ ‬والاغتصاب‭ ‬في‭ ‬السجون‭ ‬‮«‬الإسرائيلية‮»‬‭ ‬وأشكال‭ ‬التعذيب‭ ‬التي‭ ‬يتقنها‭ ‬جلادو‭ ‬تلك‭ ‬السجون‭! ‬لتتحول‭ ‬غزّة‭ ‬‭ ‬حسب‭ ‬التقرير‭ ‬إلى‭ ‬أخطر‭ ‬بؤر‭ ‬النزاع‭ ‬للنساء‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حيث‭ ‬قُتلت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬‮«‬33‭ ‬ألف‮»‬‭ ‬امرأة‭ ‬وفتاة‭ ‬منذ‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭! ‬فيما‭ ‬عاشت‭ ‬نحو‭ (‬500‭ ‬ألف‭) ‬امرأة‭ ‬غزية‭ ‬ظروفا‭ ‬وصفها‭ ‬التقرير‭ ‬بالكارثية،‭ ‬ومنها‭ ‬ظروف‭ ‬المجاعة‭ ‬والانهيار‭ ‬الكامل‭ ‬لِسُبل‭ ‬البقاء،‭ ‬أي‭ ‬الجوع‭ ‬حتى‭ ‬الموت،‭ ‬فيما‭ ‬تعرضت‭ (‬500‭ ‬ألف‭) ‬امرأة‭ ‬أيضاً‭ ‬لظروف‭ ‬كارثية‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها‭! ‬والبيانات‭ ‬أظهرت‭ ‬أن‭ ‬أسرة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬سبع‭ ‬أُسر‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬تقودها‭ ‬امرأة‭!‬

أي‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الـ‭ (‬20‭ ‬ألف‭) ‬امرأة‭ ‬فقدن‭ ‬أزواجهن‭ ‬خلال‭ ‬المقتلة‭ ‬والمحرقة‭ ‬اليومية،‭ ‬لتتحمل‭ ‬الأرامل‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأعمار‭ ‬أعباءً‭ ‬ثقيلة‭ ‬من‭ ‬الفقد‭ ‬والمسؤولية‭ ‬والعناية‭ ‬بأطفالهن‭ ‬اليتامى،‭ ‬وتدبير‭ ‬شؤون‭ ‬أسرهن‭ ‬بمفردهن،‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬المصيرية‭ ‬الصعبة‭ ‬وسط‭ ‬المجاعة‭ ‬والنزوح‭ ‬من‭ ‬ركام‭ ‬إلى‭ ‬ركام‭! ‬فإذا‭ ‬قارنا‭ ‬هذه‭ ‬الأعداد‭ ‬بالعدد‭ ‬الكليّ‭ ‬لأهل‭ ‬غزة‭ ‬سندرك‭ ‬الوضع‭ ‬العددي‭ ‬الكارثي‭ ‬لنساء‭ ‬غزة‭.‬

{‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬المشهد‭ ‬السريالي‭ ‬واجهت‭ ‬النساء‭ ‬الحوامل‭ ‬بدورهن‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬المخاطر‭ ‬من‭ ‬جوع‭ ‬وعطش‭ ‬وانهيار‭ ‬الخدمات‭ ‬الصحية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مخاطر‭ ‬الحمل‭ ‬والولادة،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتخيلها‭ ‬إنسان‭! ‬فلا‭ ‬رعاية‭ ‬صحية‭ ‬إنجابية‭ ‬ولا‭ ‬تأمين‭ ‬لأبسط‭ ‬الاحتياجات‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬بنو‭ ‬البشر‭! ‬أما‭ ‬الفتيات‭ ‬المراهقات‭ ‬فقد‭ ‬مررن‭ ‬بأولى‭ ‬مراحل‭ ‬البلوغ‭ ‬تحت‭ ‬القصف‭ ‬وكوارث‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬لتجتمع‭ ‬عواصف‭ ‬الهرمونات‭ ‬في‭ ‬الجسد‭ ‬البالغ‭ ‬بزلازل‭ ‬القتل‭ ‬الشنيع‭! ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬منهن‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يطلب‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬الأمان‭ ‬أو‭ ‬الخصوصية‭ ‬أو‭ ‬المستلزمات‭ ‬الصحية‭ ‬الضرورية‭! ‬مثلما‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬منهن‭ ‬يتلقى‭ ‬الرعاية‭ ‬الأسرية‭ ‬الطبيعية‭ ‬وهن‭ ‬يعايشن‭ ‬مكابدات‭ ‬التحولات‭ ‬الفسيولوجية‭ ‬والسيكولوجية‭ ‬التي‭ ‬تحتاجها‭ ‬المراهقات‭ ‬عند‭ ‬المرور‭ ‬بفترة‭ ‬التحولات‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬الطفولة‭ ‬إلى‭ ‬المراهقة‭!‬

أما‭ ‬عن‭ ‬التعليم‭ ‬فقد‭ ‬فقدت‭ ‬‭ ‬حسب‭ ‬التقرير‭ ‬الأممي‭ ‬‭ (‬318‭ ‬ألف‭) ‬فتاة‭ ‬عامين‭ ‬دراسيين‭ ‬مع‭ ‬احتمالية‭ ‬خسارة‭ ‬عام‭ ‬ثالث‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭! ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينذر‭ ‬بضياع‭ ‬جيل‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬القصف‭ ‬والدمار‭ ‬وانهيار‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للتعليم‭! ‬وهذا‭ ‬يحدث‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬رغم‭ ‬توقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬بعد‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬حسب‭ ‬خطة‭ ‬ترامب‭!‬

{‭ ‬حين‭ ‬تطلّ‭ ‬وجوه‭ ‬النساء‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬وجوه‭ ‬الأطفال،‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬معاناتهم‭ ‬ومعاناة‭ ‬أمهاتهم،‭ ‬وسط‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬الركام،‭ ‬والمآسي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتصوّرها‭ ‬العقل‭ ‬البشري،‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬يتشبث‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬بالتوكل‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬وحمده،‭ ‬والأمل‭ ‬في‭ ‬الخلاص،‭ ‬فإن‭ ‬نساء‭ ‬غزة‭ ‬دفعن‭ ‬ومازلن‭ ‬يدفعن‭ ‬أبهظ‭ ‬الأثمان،‭ ‬بسبب‭ ‬التحمل‭ ‬الأسطوري‭ ‬وكأنهن‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭! ‬ومن‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التحمل‭ ‬والصبر‭!‬،‭ ‬فليس‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬شهد‭ ‬المحرقة‭ ‬والإبادة‭ ‬مدة‭ ‬عامين‭ ‬قابلين‭ ‬للتجدّد‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬لحظة،‭ ‬ليختم‭ ‬شبح‭ ‬التهجير‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تكبدّ‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء،‭ ‬والنساء‭ ‬هنّ‭ ‬الأكثر‭ ‬مكابدة‭ ‬للدمار،‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬والوطن،‭ ‬ولكأن‭ ‬الروح‭ ‬تخلع‭ ‬جسدها‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهم،‭ ‬وهم‭ ‬الموعودون‭ ‬من‭ ‬أباطرة‭ ‬القتل‭ ‬والدمار‭ ‬بالمزيد،‭ ‬وسط‭ ‬الغموض‭ ‬الذي‭ ‬يختبئ‭ ‬أسفل‭ ‬الركام‭ ‬وفوقه‭ ‬وفي‭ ‬سماء‭ ‬غزة‭ ‬الحالمة‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الأمان،‭ ‬لتعالج‭ ‬أوجاعها‭ ‬وقهرها،‭ ‬وتسترجع‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬طبيعتها‭ ‬الإنسانية‭ ‬كما‭ ‬يعيشها‭ ‬البشر‭ ‬بالكامل‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العالم‭!‬

وبقدر‭ ‬ما‭ ‬تحوّلت‭ ‬عذابات‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬أيقونة‭ ‬عالمية‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬الحرّية،‭ ‬تحولت‭ ‬نساء‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬أيقونة‭ ‬عالمية‭ ‬لكل‭ ‬بسالة‭ ‬وشموخ‭ ‬وصلابة‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬أبشع‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬البشرية‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا