عالم يتغير
فوزية رشيد
نساء غزّة!
{ حين تطلّ نساء غزة في الفيديوهات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، أو على الشاشات الفضية، وهن يتجاسرن على كل المكابدات غير المسبوقة التي تعيشها كل واحدة منهن، سواء كانت أما أو أرملة أو شابة أو مراهقة طفلة، ترى الروح الأبية خلف ما تخبئه العيون من عذابات حرب الإبادة طوال عامين، عايشن فيها تفاصيل يومية لم تشهدها نساء العالم، إلاّ ببعض تفاصيلها في الحروب الكارثية الكبرى! نساء غزة عايشن كل سيناريوهات ويوميات الإبادة الوحشية والقاسية التي وثقها أحدث تقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة، حيث دفعت النساء –حسب التقرير– الكلفة غير المسبوقة في أية حرب أخرى! وحيث تكبدت نساء غزة ومن خلال الأرقام والبيانات الصادقة، حجم الضحايا ومأساة النزوح الجماعي المتكرر، وارتفاع أعداد الأرامل، تحت سقف الانهيار شبه الكامل في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات، حتى لم يبق مكان لأي إحساس بالأمان أو الراحة تحت وابل القصف المتواصل على مدى عامين!
{ نساء غزة لسن كغيرهن من النساء، فقد تحولّت إلى مشاريع موت ووحشة القتل والاغتصاب في السجون «الإسرائيلية» وأشكال التعذيب التي يتقنها جلادو تلك السجون! لتتحول غزّة – حسب التقرير– إلى أخطر بؤر النزاع للنساء في العالم حيث قُتلت أكثر من «33 ألف» امرأة وفتاة منذ أكتوبر 2023! فيما عاشت نحو (500 ألف) امرأة غزية ظروفا وصفها التقرير بالكارثية، ومنها ظروف المجاعة والانهيار الكامل لِسُبل البقاء، أي الجوع حتى الموت، فيما تعرضت (500 ألف) امرأة أيضاً لظروف كارثية أخرى لا مثيل لها! والبيانات أظهرت أن أسرة واحدة من كل سبع أُسر في غزة تقودها امرأة!
أي ما يقارب الـ (20 ألف) امرأة فقدن أزواجهن خلال المقتلة والمحرقة اليومية، لتتحمل الأرامل من مختلف الأعمار أعباءً ثقيلة من الفقد والمسؤولية والعناية بأطفالهن اليتامى، وتدبير شؤون أسرهن بمفردهن، واتخاذ القرارات المصيرية الصعبة وسط المجاعة والنزوح من ركام إلى ركام! فإذا قارنا هذه الأعداد بالعدد الكليّ لأهل غزة سندرك الوضع العددي الكارثي لنساء غزة.
{ وفي كل ذلك المشهد السريالي واجهت النساء الحوامل بدورهن كل أشكال المخاطر من جوع وعطش وانهيار الخدمات الصحية، إلى جانب مخاطر الحمل والولادة، التي لا يتخيلها إنسان! فلا رعاية صحية إنجابية ولا تأمين لأبسط الاحتياجات التي يعرفها بنو البشر! أما الفتيات المراهقات فقد مررن بأولى مراحل البلوغ تحت القصف وكوارث الإبادة الجماعية، لتجتمع عواصف الهرمونات في الجسد البالغ بزلازل القتل الشنيع! وهنا لا أحد منهن بإمكانه أن يطلب شيئاً من مقومات الأمان أو الخصوصية أو المستلزمات الصحية الضرورية! مثلما لا أحد منهن يتلقى الرعاية الأسرية الطبيعية وهن يعايشن مكابدات التحولات الفسيولوجية والسيكولوجية التي تحتاجها المراهقات عند المرور بفترة التحولات الجديدة من الطفولة إلى المراهقة!
أما عن التعليم فقد فقدت – حسب التقرير الأممي – (318 ألف) فتاة عامين دراسيين مع احتمالية خسارة عام ثالث أو أكثر! وهو ما ينذر بضياع جيل كامل من الفتيات في ظل استمرار القصف والدمار وانهيار البنية التحتية للتعليم! وهذا يحدث حتى الآن رغم توقف إطلاق النار، الذي لم يتوقف بعد بشكل كامل حسب خطة ترامب!
{ حين تطلّ وجوه النساء ناهيك عن وجوه الأطفال، الذين لا تقل معاناتهم ومعاناة أمهاتهم، وسط كل ذلك الركام، والمآسي التي لا يتصوّرها العقل البشري، رغم ذلك يتشبث الكثير منهم بالتوكل على الله وحمده، والأمل في الخلاص، فإن نساء غزة دفعن ومازلن يدفعن أبهظ الأثمان، بسبب التحمل الأسطوري وكأنهن من خارج هذا الزمان! ومن خارج نطاق البشرية في القدرة على التحمل والصبر!، فليس اليوم في العالم كله من شهد المحرقة والإبادة مدة عامين قابلين للتجدّد في أية لحظة، ليختم شبح التهجير بعد أن تكبدّ أهل غزة من دون استثناء، والنساء هنّ الأكثر مكابدة للدمار، للحفاظ على الأرض والوطن، ولكأن الروح تخلع جسدها كل لحظة أيضاً في كل واحد منهم، وهم الموعودون من أباطرة القتل والدمار بالمزيد، وسط الغموض الذي يختبئ أسفل الركام وفوقه وفي سماء غزة الحالمة بشيء من الأمان، لتعالج أوجاعها وقهرها، وتسترجع شيئا من طبيعتها الإنسانية كما يعيشها البشر بالكامل في أماكن أخرى من العالم!
وبقدر ما تحوّلت عذابات غزة إلى أيقونة عالمية للبحث عن الحرّية، تحولت نساء غزة إلى أيقونة عالمية لكل بسالة وشموخ وصلابة النساء في العالم في أبشع حرب إبادة مرت على البشرية!

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك