عالم يتغير
فوزية رشيد
المنطقة والتحديات الأمنية!
{ من 31 أكتوبر إلى 2 نوفمبر 2025 انطلقت فعاليات النسخة الحادية والعشرين من «حوار المنامة» بمشاركة أكثر من 60 دولة حول العالم! وحيث الحوار منذ انطلاقه قبل عقدين يناقش أو يدور عادة حول مجمل التحديات الأكثر إلحاحاً سواء التحديات الأمنية أو السياسية وسواء في المنطقة أو في العالم، وعلى ضوء ميزان القوة والنفوذ لتلك الدول! إلى جانب مستقبل حوكمة الأمن الغذائي والأمن القومي والطاقة والاقتصاد والدفاع والتكنولوجيا والتجارة وغيرها وترابطها عالمياً، مما يجعل من تأثيرات الأزمات والحروب والصراعات تأثيرات ممتدّة على كل الدول، في حال إغفال مخاطرها التي إن استمرت على الوتيرة المتصاعدة في عالم لا يهدأ، فهي إضاعة للكثير من الفرص الاستراتيجية، وهي تلك الفُرص التي لا تنمو إلاّ في ظلّ الحرص العملي على الأمن والاستقرار في كل مناطق العالم، دون الخضوع لأجندات قوى كبرى لا ترى في هذا العالم إلاّ مصالحها الخاصة مثل نموّ ثرواتها واقتصادها وتجارتها، حتى لو كان ذلك على حساب الدول الأضعف أو الأفقر! وبسبب تداخل النفوذ والقوة مع عوامل الضعف الداخلية لمناطق الأزمات والحروب والفقر والجهل والمرض! فإن المعادلة المختلّة مستمرة على مستوى العالم!
{ في الجانب الموضوعي يدرك كل المسؤولين في الخليج والمنطقة العربية أن تحقيق الأمن الإقليمي أولوية استراتيجية وهو ما أكدّه أيضاً صاحب السموّ الملكي «الأمير سلمان بن حمد آل خليفة» ولي عهد رئيس الوزراء، وحيث وحدة الصف وتوسيع مجالات التعاون والتنسيق يخدم الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة، لما لها من دور بالمقابل في صون الاستقرار وضمان تعزيز مسارات التنمية الاقتصادي العالمي!
{ ومن الواضح أن القادة العرب يمتلكون ناصية القدرة على تشخيص التحديات وكيفية مواجهتها عبر توحيد الصف العربي، ولكن يبقى التشخيص من حيث المبدأ، حيث هناك دائماً عقبات وعراقيل وأزمات عربية – عربية تحول دون توحّد هذا الصف العربي، في مواجهة التحديات الكبيرة والمخاطر وعوامل التمزّق، التي تحيط بدول المنطقة وفي داخلها! خاصة الدول التي تدحرجت منذ بدايات الألفية الجديدة، ثم عقدها الأول منذ 2011 في بوتقة «الفوضى» المرسومة من قبل بعض القوى الكبرى.
وما ساعدها على النجاح كفوضى هو العوامل الداخلية أو الذاتية في تلك الدول، التي جعلتها تتخبّط من أزمة إلى أخرى، كما حدث في عديد من الدول العربية وآخرها ما يحدث في السودان اليوم!
{ إن ترجمة التشخيص الفعلي للتحديات الأمنية بمختلف آفاقها ومجالاتها إلى المستوى التطبيقي أو العملي تحتاج إلى إرادة عربية جامعة تضع مفردات تلك التحديات بكل وضوح وصراحة أمام الحوار العالمي والتفاوضي مع دول القوة والنفوذ خاصة في الغرب، والقوى الكبرى الأخرى في العالم.
وحيث دول الخليج العربي تمتلك تأثيراً سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً على المستوى العالمي، ولعل أهم التحديات الأمنية في المنطقة العربية هو القضية الفلسطينية، وحيث من دون حلّ هذه القضية حلاً عادلاً يكون من الصعب تحقيق الأمن على المستوى العربي والإقليمي بل والعالمي! ودون وضع العربة أمام الحصان بما يخصّ التعايش السلمي مع الكيان الصهيوني كمثال وكأولوية قبل إقامة الدولة الفلسطينية كما يسعى هذا الكيان! ومعه بعض القوى الغربية حتى تلك التي اعترفت مؤخراً بالدولة الفلسطينية! لكنه في نهاية الأمر اعتراف كمجرد تنظير لا يتمّ تحقيقه على أرض الواقع، لأن ميزان القوى العالمي هو ميزان مختل في النهاية!
{ كلنا ندرك أن حلّ أزمات المنطقة العربية تحتاج من جهته إلى إدراك عربي بأهمية حلّ المعوقات والتحديات الداخلية في كل دولة من جهة، وبين الدول العربية بشكل عام.
ومن جهة أخرى تحتاج إلى تغيير الرؤية لدى القوى الكبرى خاصة في الغرب، التي لا ترى في دول العالم الأخرى إلا بؤراً لتحقيق مصالحها وأجنداتها الخاصة، حتى لو كان ذلك على حساب أمن واستقرار دول المنطقة! وبالتالي على حساب أمن واستقرار مصالح العالم المرتبطة بشكل عميق بأمن واستقرار دول الخليج العربي ودول المنطقة العربية! وهذان الأمران يحول دون تحققهما الكثير من العراقيل الداخلية في البلدان العربية! والعراقيل بين بعضها البعض! إلى جانب آليات لعبة الأمم التي تتحكمّ فيها الرؤى الغربية الاستعمارية، والتدخلات والضغوط على مستويات مختلفة منها الضغوط السياسية والاقتصادية والمالية والإعلامية، التي تتحكمّ فيها مؤسسات دولية كبرى تابعة لتلك القوى المهيمنة!، مما يجعل الانتقال من موقع الهيمنة إلى موقع الشراكة والتكامل أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً! خاصة مع استمرار الرؤية المتطرفة لتقسيم العالم إلى شمال يبني ثرواته على النهب المنظمّ لثروات الشعوب بأساليب مختلفة، وجنوب أكثر دوله منهوبة وبأساليب متنوعة ومختلفة أيضاً!
{ إن لم يضع العرب أولوية لبناء الذات العربية خاصة في ظلّ التحديات الأمنية التي تواجههم معاً، وحيث المصير المشترك ليس مجرد مفهوم هامشي وإنما جوهري وواقعي وحقيقي، وبالتالي وضع الرؤى لبناء الاستقلالية العربية الحقيقية والتكامل العربي، فإن دول القوة والنفوذ الاستعمارية تعمل بكل الطرق لإبقائها كدول «تابعة» وخاضعة بشكل دائم للصراعات والنزاعات والتشرذم، وللضغوط بأشكال مختلفة ومدروسة!
وفي هذا يكمن سرّ الفارق بين النظرية التي تبدو متماسكة في الخطاب العربي، والتطبيق الذي يحتاج إلى بناء خطاب عربي مختلف وأكثر جذرية أيضاً! لأن الرؤى الصحيحة هي التي تحدّد كيفية العمل الصحيح! وإلا بقيت هذه المنطقة مهدّدة بشكل دائم، حتى وإن بنت بعض الدول نفسها بشكل مؤثر وقوي، لأن الواقع والتاريخ يقول إن المصير العربي مصير مشترك، وهكذا يراه الآخرون بمن فيهم قوى الدول الاستعمارية رغم أحابيلهم الدبلوماسية والسياسية على المستوى النظري والتطبيقي معاً!

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك