عالم يتغير

فوزية رشيد
عامان على حرب الإبادة ويقظة العالم!
{ لأنني كنت من خلال هذه الزاوية ومنذ بدأت حرب الإبادة في 8 أكتوبر، أي بعد يوم من عملية 7 أكتوبر 2023، حاولت تغطية كل المحطات سواء المتعلقة بالإبادة نفسها وتدمير البشر والشجر والحجر، وتداعيات ذلك على العالم كله مع استمرار أكثر حروب التاريخ وحشية وإجراماً شهدها العالم وشعوبه عبر البثّ الحيّ! فإن الذكرى الثانية لكل ذلك لم أشأ إعادة ما أبديت الرأي حوله على مدى عامين، وإنما أريد هنا مع هذه الذكرى المؤلمة لما لا يزال العالم يعيش أحداثه، ويعلقّ آماله على مفاوضات «شرم الشيخ» لإنهاء جرائم الحرب المستمرة حتى آخر لحظة، فإنه جدير بالذكر هنا أن (البشرية كلها تعيش في هذه المرحلة لحظة تحوّل حضاري عميق، ولحظة يقظة وعي غير مسبوقة) تمّ من خلاله تحرّك عواصم العالم ومدنه، ضدّ الكيان الصهيوني وعزله شعبياً بل ورسمياً لبعض دول العالم، وحشر الغرب الاستعماري الداعم لهذا الكيان عسكريا ولوجستياً ومالياً وإعلاميا في زاوية ضيقة!، بعد أن انكشف وجه النظام الدولي الذي يقوده منذ الحرب العالمية الثانية، ومراحل استعماره لدول كثيرة منذ 300 عام!
{ رغم ذلك ولأننا نؤمن أن لا شيء يحدث هو أبيض بالكامل أو أسود بالكامل! ولا شيء هو شرّ بالمطلق أو خير بالمطلق سواء للشعوب أو للدول أو حتى للأفراد! فإن في كل شرّ جانبا من الخير، وإن كان ذلك يبدو للبعض في إطار غامض، ولكنه في إطار الحكمة الإلهية هي مجريات أحداث أقرب للامتحانات الصعبة للبشرية، خاصة إذا جاء الحدث يشبه الزلزال في آثاره! ومن هنا يتضح حجم ردّ الفعل الشعبي والدولي بما يخص غزة والقضية الفلسطينية والكيان المجرم، بما لم يتخيله أحد، ولم يتوقعه أحد، وحيث حجم المأساة الإنسانية طغت بشكل تراجيدي على كل ما عداه!
{ بعد عامين من حرب الإبادة فإنه بالإمكان القول إن العالم تغيَّر في وعيه بشكل كبير سواء حول فلسطين أو حول الكيان الصهيوني أو حول المبادئ والقيم الدولية أو حول الصهيونية العالمية، التي رسخت أقدامها في الغرب بل وفي دول كثيرة في العالم، فإذا بها تواجه زلزال التغير النوعي في الوعي حولها وحول النظام الدولي الذي تحكمه!
بل إن الأولويات تغيرت حول تعريف من هو العدو الوجودي الحقيقي في العالمين العربي والإسلامي بعد أن صدّق كثيرون فيهما أن الكيان الصهيوني قابل للتعايش والسلام! فإذا بالدول العربية الوازنة اليوم تدرك أن خطر الكيان بات واضحا بل ووجودياً كما كان في السابق، بعد أن كان متوارياً خلف نظريات التسويق له بمعسول الكلام وباتفاقيات السلام! خاصة في ظل وضوح نيات الصهيونية الدينية التلمودية المتطرفة! وهذا تحوّل مهمّ في الوعي الرسمي العربي بعد أن كان الوعي الشعبي مدركاً طوال الوقت لذلك، باستثناء «المتصهينين العرب» الذين يعبرون عن أنفسهم خارج الانتماء الوطني والقومي الحقيقي، وخارج متطلبات الحفاظ على الهوّية والدين الحقّ، وخارج دروس التاريخ وما طرحته أحداثه من إضاءة للتحديات والتهديدات الحقيقية والتي هي قديمة جديدة!
{ خلال العامين المنصرمين من حرب الإبادة البشعة تجلتّ أيضاً للوعي العالمي بما فيه الوعي الشعبي الغربي، نقول تجلت الحضارة الغربية بأبشع صورها بعد سيطرتها على العالم ما يقرب الـ 300 عام! وحيث اقترن منذئذٍ ادعاء «التنوير الحضاري» بواقع وحقيقة الاستعمار في العالم! وبازدواجية القيم بين نعومة المبادئ الغربية وفلسفتها، وقسوة ووحشية الاستعمار الغربي خارج أي إطار أخلاقي أو إنساني! وهو الغرب الذي اعتاش على دماء الشعوب وارتكاب المجازر والتدمير والتخريب والتسليط لنهب ثروات الشعوب!
{ هذه المرة يأتي الكيان الصهيوني، فيمثل الوجه الأبشع للوحشية الاستعمارية والتجليّ الأخير والأخطر للازدواجية الحضارية الغربية وسقوطها في مستنقع غزة، بين القيم المدعّاة واللاأخلاقية واللاإنسانية! وليمثل الكيان اختزالا مفضوحا للانكشاف الغربي الحضاري وقيمه ولا أخلاقيته ولا إنسانيته وعنصريته أمام شعوبه نفسها في الغرب، ثم أمام العالم كله! وهذا ما أدىّ إلى تحول كبير في الوعي الشعبي الغربي مؤذناً بوصول الغرب بقيادة الولايات المتحدة إلى حافة الانهيار الأخلاقي وإلى حافة الهاوية، بعد تفردّه في السيطرة العالمية لعقود طويلة! خصوصاً في ظل صعود قوى عالمية أخرى أهمها الصين، التي تقود اليوم مع روسيا البحث العالمي عن نظام دولي أكثر عدالة، وعن تعدّدية للأقطاب الدولية بعيداً عن الاستفراد الغربي!
{ في كل هذه الانعطافة التاريخية نحو التغير كان لغزة وصمود شعبها أمام ما تعرضتّ له من أبشع حرب إبادة موثقة بشكل يومي خلال عامين وعلى الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، كان لها دور كبير في كشف مأزق وثغرات النظام الدولي القائم، والعنصرية الغربية، ووجهها الاستعماري البشع المتجسّد في دعم احتلال الكيان لفلسطين التاريخية بل ودعم خرافاته وخزعبلاته العقائدية ذاتها للتوسع في المنطقة!
والسيطرة على الأنظمة الغربية تحديداً، وهنا فإن ثورة الوعي الشعبي العالمي ما ينبئ بتحوّل عالمي حضاري، رغم أنه لا يزال يتشكل، وحتماً لن يتراجع مهما حدث عن اليقظة التي تمت سواء في الوعي الغربي الشعبي أو الوعي العالمي، خاصة بين جيل الألفية الجديدة، الذي رأى بأم عينيه كيف يُباد شعب غزة، وحجم مأساته، مدركاً أن المقاومة لمثل هذا الاحتلال البشع هو حق مشروع ووفق كل الشرائع الكونية والأهمية! فهل غزة أصبحت منارة العالم اليوم لكي يتحرّر ويبني نفسه من جديد؟!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك