عالم يتغير

فوزية رشيد
القضية الفلسطينية والمنطقة في مفترق طرق غامض!
{ لكأن القضية التي استمرت ما يقارب الثمانين عاماً، وبرؤية أخرى أن عمرها مائة عام، أي تعود اسسها إلى بدايات القرن الماضي وصولاً إلى النكبة الفلسطينية، هذه القضية التي تم تعطيل دور الأمم المتحدة لحلهّا، وإعادة الحقوق المشروعة إلى أهلها! خرج الرئيس الأمريكي «ترامب» بخطة أسماها «خطة سلام»، ليحل محلّ المنظمة الأممية وكل قراراتها السابقة!
ولينسف تاريخ المفاوضات كلها، وليعلن نفسه الآمر الناهي!
وليعلن تحديّه «حماس»: (إما أن تقبلوها خلال 72 ساعة أو فإن الكيان سيقوم بكل ما يريد القيام به لإنهاء الأمر)!
والجميع يعرف ما يريد الكيان القيام به! أي إما الاستسلام أو الإبادة! حتى إذا جاء ردّ «حماس» بتوافق مع الفصائل الفلسطينية بالموافقة بصيغة ردّ رآها كثيرون أنها «ذكية» أصيب «نتنياهو» بالصدمة، لسرعة تجاوب «ترامب» معها، بل وبوضعها على موقعه الخاص وموقع البيت الأبيض سريعاً في سابقة لم تحدث قبل ذلك! محتفياً برد «حماس» الإيجابي، خاصة بإطلاق جميع الرهائن أحياءً وأمواتاً، وفق ما طلبه ترامب، على خلفية وقف الحرب على غزة نهائياً، وانسحاب الكيان منها، وترك الرّد على بقية النقاط للتوافق الوطني الفلسطيني، بعد مشاورات مع الفصائل الأخرى ودول عربية أهمها «الخطة المصرية»! وحظيت الموافقة بردود أفعال فلسطينية وعربية وإقليمية ودولية إيجابية وواسعة.
{ «ترامب» الشغوف في بحثه عن «جائزة نوبل» إلى حدّ الهوس، وضع نفسه في موقع متقدم بأنه سيحقق السلام في الشرق الأوسط! ولكن هذه القضية الفلسطينية التي استعصت على إرادة رؤساء قبله وعلى العالم، فإن الغموض «يحفّ بخطة «ترامب» أيضا! حيث فقدان الثقة في المساعي الأمريكية للسلام عبر عقود طويلة! وحيث عدم المصداقية في تقلبات «ترامب» نفسه! وحيث لا ضمانات لحلّ القضية الفلسطينية وليس فقط حرب الإبادة على غزة! وحيث الجانب الفلسطيني لم يتمّ التفاوض المسبق معه، ويسعى الكيان الصهيوني على حِرمانه من التفاوض حول البنود الغامضة أيضاً بعد الموافقة على الخطة!
لأنه فقط يريد الرهائن وسلاح المقاومة وإنهاء المقاومة ولا يريد دولة فلسطينية حتى لو كانت منزوعة السلاح! و«نتنياهو» طالما تفاخر بأنه هو من منع قيام دولة فلسطينية أو حتى مجرد التفكير فيها، لأن ذلك تهديد وجودي للكيان!
{ الجانب الفلسطيني، الطرف الأهم والمسلوب حقّه في المعادلة منذ النكبة! قامت الدنيا من أجله ولم تقعد على خلفية الإبادة، هذا الطرف الذي لم يتمّ الحوار معه أو التخطيط معه على حلّ قضيته، وإنما التفاوض كان مع المحتل الصهيوني وحده! تم تقديم خطة له كطرف فلسطيني هي أخطر خطةّ في تاريخه باعتبارها «خطة سلام»! يرى البعض في أفقها واستناداً إلى الرؤى المتطرفة لليمين التلمودي وأساطيره وخرافاته، أنها إحدى المحاولات الجديدة ولكن الماكرة للقضاء على القضية الفلسطينية! وعلى الاعترافات الدولية بالدولية الفلسطينية! والتحايل على الرأي العام العالمي الشعبي والرسمي الذي يناصر مظلومية الشعب الفلسطيني!
بحيث تمّ تحويل القضية المعقدة والتاريخية إلى مجرد اختزال في عودة الرهائن وإيقاف إطلاق النار بشكل غير مضمون!
واختزال الشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة في «حماس» وضرورة القضاء عليها وإخراجها من المشهد، رغم أن كل ذلك ومعه وقف التهجير من غزة ووقف ضم الضفة هو من مستجدّات حرب الإبادة، بعد 7 أكتوبر 2023 أي عمره عامان فقط فيما القضية عمرها عقود طويلة من المقاومة! وفيما العائق الحقيقي لحلّ القضية وإقامة دولة فلسطينية، هي أفكار تهويد كامل التراب الفلسطيني تاريخياً! والخرافات والأوهام التلمودية الصهيونية حول التوسّع وإسرائيل الكبرى! كيف إذاً بإمكان «ترامب»
وخطته أن تتجاوز كل ذلك، وأن تقدّم ضمانات لإحلال السلام في الشرق الأوسط؟! هل هي الخطة المعجزة؟!
{ القضية الفلسطينية تواجه اليوم ومنذ نكبة 48 أخطر مراحلها وتطوراتها، وهي واقفة أمام مفترق طرق أقل ما يُقال عنه أنه غامض ودون ضمانات! وحيث الانقسام الفلسطيني يسهم في ذلك، وهو واقع بين رؤيتين: رؤية النضال والتحرّر الوطني ورؤية «أوسلو».
والمفاوضات التي لا نهاية لها! وحيث الكيان الصهيوني وحتى بركونه إلى الموافقة على خطة «ترامب» لا يريد أي مقاومة لاحتلاله أو لأطماعه في تهويد كامل فلسطين!
ولا يريد أي سلاح بيد المقاومة التي هي ليست «حماس» وحدها، مما يعني إمكانية استمراره في مخططاته السابقة بالقضاء على القضية الفلسطينية، حتى وإن قبل مرحلياً ما جاء في «خطة ترامب»، رغم كل الغموض والضبابية اللتين تحيطان بها حول مستقبل الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو في الضفة!
{ وفي وسط كل الغليانٍ العالمي الشعبي من أجل غزة وفلسطين، هناك من يرى أنه تمّ إعادة بوصلة القضية إلى نقطة الصفر!
وأن في ثنايا الخطة طرح يعيد الاستعمار والانتداب والمندوب السامي «بلير» إلى حكم غزة، رغم رفض المقاومة لذلك!
وأن هذه البنود الغامضة تعد في حدّ ذاتها سابقة حول القضية الفلسطينية وإعادة الساعة إلى الوراء أو إلى زمن الانتداب والوصاية الاستعمارية! خاصة أن السفير الأمريكي «براك» صرّح في لبنان أنه لا توجد دول في المنطقة وإنما قبائل وقرى! وهذا ما ستناقشه في مقال آخر، وعليه فمن يضمن ألا يتم غداً تنصيب مندوب سام في لبنان أو سوريا أو العراق أو...
{ المنطقة ليست في مأمن من خبايا القادم والتفكير الصهيوني الشيطاني! وإذا لم يتفق العرب ويدركوا اللحظة والمرحلة الخطيرة الراهنة، والأكثر خطورة مما سبق، حيث بعد تمييع القضية الفلسطينية أو القضاء على جذورها، فإنه لا أحد يضمن أن تتسع المسألة إلى دول عربية أخرى، وبالإمكان تحويل الخطة إلى مجرد بداية لصراع أكبر هو الصراع العقائدي بين الأوهام التلمودية والعرب المسلمين! هو مفترق طرق ليس فقط للقضية وإنما لكل المنطقة!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك