مقال رئيس التحرير

أنـــور عبدالرحمــــــن
رسول الخير بين الأمة والدولة
الديمقراطية فكرة تعود جذورها إلى الحضارة الإغريقية اليونانية، وتطورت الديمقراطية الغربية مع نهاية القرن السابع عشر، وبعد أكثر من 200 عام تواجه كبرى الديمقراطيات الغربية فشلا ذريعا، إذ باتت تقع تحت سنان الصحافة الغربية التي ترى أن الشارع يريد شيئا والدولة تريد شيئا آخر، والبرلمانات تائهة بينهما.
في المقابل، علينا أن ننظر إلى المسيرة الديمقراطية الشابة في مملكة البحرين بقدر من التقدير للتطور اللافت في مؤسساتها بفضل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم، الذي أسس للمشاركة الشعبية في صناعة القرار من خلال انتخاب مجلس النواب ليعزز الريادة البحرينية التي أصدرت أول قوانينها في عام 1920، وهو قانون البلدية الذي اشتمل على عدد من القوانين الخاصة بالنظافة والرفق بالحيوان وقوانين مرورية.
ونحن على أعتاب انطلاق دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي السادس لمجلسي الشورى والنواب الأسبوع المقبل جمعني لقاء مطول مع معالي السيد أحمد بن سلمان المسلم رئيس مجلس النواب، أتيحت لي خلاله الفرصة لاستكشاف فكر هذا الرجل الذي ترأس الغرفة التشريعية الأولى على مدار ثلاث سنوات، ويستعد لمعركة الدور الأخير الذي يتسلح فيه النواب غالبا بالشراسة تمهيدا لتسويق أنفسهم أمام ناخبيهم قبل خوض الانتخابات المقبلة نهاية العام القادم.
وأصارحكم القول إنني قد لامست قدر الهموم التي يحملها هذا الرجل على عاتقه من أجل الوصول إلى صيغة توافقية بين طموحات الشارع وإمكانات الدولة، أو كما أصف دائما من يجلس على كرسي رئاسة البرلمان بأنه رسول الخير بين الدولة والأمة.
من المعلوم دوما أن السياسة هي فن الممكن، لذلك أقول للنواب حنانيكم..
عليكم أن تكونوا عونا للدولة في توفير الموارد لتحقيق طموحات المواطن عبر طرح المقترحات المناسبة والمنطقية لتلبية الاحتياجات، بما يتناسب مع قدرات الدولة، بعيدا عن المزايدات المقيتة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وفي الوقت نفسه على كل مسؤول أن يدرك أهمية الدور الرقابي للنائب في تصحيح المسار، أو كشف السلبيات، ولفت الانتباه إلى التقصير والقصور، ولا يجب على أي مسؤول أن يضيق ذرعا بالنقد البناء تحت قبة البرلمان.
على الضفة الثانية من المشهد هناك من يرى أن بعض النواب يبحثون عن إبراز شخوصهم على حساب ناخبيهم، تلك الفئة تحاول تكريس صورة نمطية قاتمة في ذهن المواطن حول جدوى المؤسسة التشريعية وأداء ممثليه بها، تحت وطأة السؤال الدائم «ماذا قدم لنا البرلمان؟»
هذا السؤال الفخ الذي يسعى البعض به لترسيخ القطيعة بين المواطن ونوابه، وصولا إلى عدم التفاعل الإيجابي مع الانتخابات.
أضع هذا التصور أمام الرأي العام ليس دفاعا عن النواب..
لكن مع الأسف الشديد جرت العادات والتقاليد على أن المسؤول هو فقط من ينتقد، ولكن ليس هناك أي نقد للذات!
نستطيع أن نقول إن هناك شعبين فقط تحت النظام الديمقراطي من بعد الحرب العالمية الثانية تمكنا من الوصول إلى أعلى درجة من العطاء والتقدم والالتزام والمسؤولية قبل وضع اللوم على البرلمان أو توبيخ الدولة، هما الشعب الياباني والشعب الكوري الجنوبي.
ومن المهم جدا أن يعلم المواطن أن عددا كبيرا من النواب مخلصون في أداء رسالتهم، إلا أنه من غير الممكن تطبيق رؤى الناخبين جميعا في آن واحد بحسب قدراتنا وإمكانياتنا المتاحة، وهذه هي حقيقة عمل معظم البرلمانات.
لقد كان اجتماعنا مع معالي رئيس مجلس النواب صريحا إلى أقصى درجة، بل أعترف أنني طوال عملي في الصحافة لم ألتق مسؤولا بهذه الدرجة من الاهتمام المؤرق، تستشعر مدى خوفه من وعلى كل شيء من بعيد أو من قريب يمس المسيرة الديمقراطية وسمعتها وأداءها.
ويبقى السؤال المطروح، كيف يمكن تحقيق التوازن بين اهتمام المسؤول وتوقعات المواطن؟
على الأمة أن تعلم أن العمل البرلماني ليس مجرد «بهلوة» أو «عنتريات»، بل أخذ وعطاء!
وأقول أكثر من هذا إن من يطالع تاريخ العمل البرلماني في عالمنا العربي خلال تاريخنا المعاصر يجد أنه لا يسجل تجربة راسخة، حتى التجربة البرلمانية المصرية التي كانت رائدة في عيون المثقفين العرب وكثير من أبناء الشعب العربي كانوا يطمحون إلى أن تتاح لهم فرصة على نفس مستوى الأداء البرلماني المصري الرائع من ناحية القدرات الفكرية والسياسية واللغوية، إلا أن هذه التجربة اختفت في أعقاب 23 يوليو 1952.
ونحن مازلنا في مرحلة التعلم والتطور.
أقول هذا لأن أي برلمان يحتاج إلى ما يمكن أن نطلق عليه برلمانيين خارج أسوار البرلمان، يدركون أن الصراعات الفكرية البرلمانية تستغرق سنوات أو عقودا حتى ترسخ القواعد البرلمانية وقدسيتها، وأن يعملوا على نشر الثقافة البرلمانية الصحيحة في الشارع البحريني.
وختاما، أضع بين أيديكم لقائي مع معالي رئيس مجلس النواب وما حمله من معلومات حول دور الانعقاد الجديد.
إقرأ أيضا لـ"أنـــور عبدالرحمــــــن"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك