العدد : ١٧٣٦٢ - الأحد ٠٥ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٦٢ - الأحد ٠٥ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

مقال رئيس التحرير

أنـــور عبدالرحمــــــن

رسول الخير بين الأمة والدولة

الديمقراطية‭ ‬فكرة‭ ‬تعود‭ ‬جذورها‭ ‬إلى‭ ‬الحضارة‭ ‬الإغريقية‭ ‬اليونانية،‭ ‬وتطورت‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الغربية‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ ‬وبعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬200‭ ‬عام‭ ‬تواجه‭ ‬كبرى‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬الغربية‭ ‬فشلا‭ ‬ذريعا،‭ ‬إذ‭ ‬باتت‭ ‬تقع‭ ‬تحت‭ ‬سنان‭ ‬الصحافة‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الشارع‭ ‬يريد‭ ‬شيئا‭ ‬والدولة‭ ‬تريد‭ ‬شيئا‭ ‬آخر،‭ ‬والبرلمانات‭ ‬تائهة‭ ‬بينهما‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬المسيرة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الشابة‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬بقدر‭ ‬من‭ ‬التقدير‭ ‬للتطور‭ ‬اللافت‭ ‬في‭ ‬مؤسساتها‭ ‬بفضل‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم،‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬للمشاركة‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬القرار‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬انتخاب‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬ليعزز‭ ‬الريادة‭ ‬البحرينية‭ ‬التي‭ ‬أصدرت‭ ‬أول‭ ‬قوانينها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1920،‭ ‬وهو‭ ‬قانون‭ ‬البلدية‭ ‬الذي‭ ‬اشتمل‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬الخاصة‭ ‬بالنظافة‭ ‬والرفق‭ ‬بالحيوان‭ ‬وقوانين‭ ‬مرورية‭.‬

ونحن‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬انطلاق‭ ‬دور‭ ‬الانعقاد‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬الفصل‭ ‬التشريعي‭ ‬السادس‭ ‬لمجلسي‭ ‬الشورى‭ ‬والنواب‭ ‬الأسبوع‭ ‬المقبل‭ ‬جمعني‭ ‬لقاء‭ ‬مطول‭ ‬مع‭ ‬معالي‭ ‬السيد‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬المسلم‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬أتيحت‭ ‬لي‭ ‬خلاله‭ ‬الفرصة‭ ‬لاستكشاف‭ ‬فكر‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬ترأس‭ ‬الغرفة‭ ‬التشريعية‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬ويستعد‭ ‬لمعركة‭ ‬الدور‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬يتسلح‭ ‬فيه‭ ‬النواب‭ ‬غالبا‭ ‬بالشراسة‭ ‬تمهيدا‭ ‬لتسويق‭ ‬أنفسهم‭ ‬أمام‭ ‬ناخبيهم‭ ‬قبل‭ ‬خوض‭ ‬الانتخابات‭ ‬المقبلة‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬القادم‭.‬

وأصارحكم‭ ‬القول‭ ‬إنني‭ ‬قد‭ ‬لامست‭ ‬قدر‭ ‬الهموم‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬على‭ ‬عاتقه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬صيغة‭ ‬توافقية‭ ‬بين‭ ‬طموحات‭ ‬الشارع‭ ‬وإمكانات‭ ‬الدولة،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬أصف‭ ‬دائما‭ ‬من‭ ‬يجلس‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬رئاسة‭ ‬البرلمان‭ ‬بأنه‭ ‬رسول‭ ‬الخير‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والأمة‭.‬

من‭ ‬المعلوم‭ ‬دوما‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬هي‭ ‬فن‭ ‬الممكن،‭ ‬لذلك‭ ‬أقول‭ ‬للنواب‭ ‬حنانيكم‭..‬

عليكم‭ ‬أن‭ ‬تكونوا‭ ‬عونا‭ ‬للدولة‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الموارد‭ ‬لتحقيق‭ ‬طموحات‭ ‬المواطن‭ ‬عبر‭ ‬طرح‭ ‬المقترحات‭ ‬المناسبة‭ ‬والمنطقية‭ ‬لتلبية‭ ‬الاحتياجات،‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬قدرات‭ ‬الدولة،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬المزايدات‭ ‬المقيتة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تسمن‭ ‬ولا‭ ‬تغني‭ ‬من‭ ‬جوع‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مسؤول‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬أهمية‭ ‬الدور‭ ‬الرقابي‭ ‬للنائب‭ ‬في‭ ‬تصحيح‭ ‬المسار،‭ ‬أو‭ ‬كشف‭ ‬السلبيات،‭ ‬ولفت‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬التقصير‭ ‬والقصور،‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬مسؤول‭ ‬أن‭ ‬يضيق‭ ‬ذرعا‭ ‬بالنقد‭ ‬البناء‭ ‬تحت‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان‭.‬

على‭ ‬الضفة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬المشهد‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬النواب‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬إبراز‭ ‬شخوصهم‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬ناخبيهم،‭ ‬تلك‭ ‬الفئة‭ ‬تحاول‭ ‬تكريس‭ ‬صورة‭ ‬نمطية‭ ‬قاتمة‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬المواطن‭ ‬حول‭ ‬جدوى‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية‭ ‬وأداء‭ ‬ممثليه‭ ‬بها،‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬السؤال‭ ‬الدائم‭ ‬‮«‬ماذا‭ ‬قدم‭ ‬لنا‭ ‬البرلمان؟‮»‬

هذا‭ ‬السؤال‭ ‬الفخ‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬البعض‭ ‬به‭ ‬لترسيخ‭ ‬القطيعة‭ ‬بين‭ ‬المواطن‭ ‬ونوابه،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬التفاعل‭ ‬الإيجابي‭ ‬مع‭ ‬الانتخابات‭.‬

أضع‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭ ‬أمام‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬ليس‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬النواب‭.. ‬

لكن‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬الشديد‭ ‬جرت‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المسؤول‭ ‬هو‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬ينتقد،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬نقد‭ ‬للذات‭!‬

نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬شعبين‭ ‬فقط‭ ‬تحت‭ ‬النظام‭ ‬الديمقراطي‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬تمكنا‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬العطاء‭ ‬والتقدم‭ ‬والالتزام‭ ‬والمسؤولية‭ ‬قبل‭ ‬وضع‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬البرلمان‭ ‬أو‭ ‬توبيخ‭ ‬الدولة،‭ ‬هما‭ ‬الشعب‭ ‬الياباني‭ ‬والشعب‭ ‬الكوري‭ ‬الجنوبي‭.‬

ومن‭ ‬المهم‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬المواطن‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬مخلصون‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬رسالتهم،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الممكن‭ ‬تطبيق‭ ‬رؤى‭ ‬الناخبين‭ ‬جميعا‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭ ‬بحسب‭ ‬قدراتنا‭ ‬وإمكانياتنا‭ ‬المتاحة،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬حقيقة‭ ‬عمل‭ ‬معظم‭ ‬البرلمانات‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬اجتماعنا‭ ‬مع‭ ‬معالي‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬صريحا‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬درجة،‭ ‬بل‭ ‬أعترف‭ ‬أنني‭ ‬طوال‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬لم‭ ‬ألتق‭ ‬مسؤولا‭ ‬بهذه‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬المؤرق،‭ ‬تستشعر‭ ‬مدى‭ ‬خوفه‭ ‬من‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬يمس‭ ‬المسيرة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وسمعتها‭ ‬وأداءها‭.‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬المطروح،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬اهتمام‭ ‬المسؤول‭ ‬وتوقعات‭ ‬المواطن؟

على‭ ‬الأمة‭ ‬أن‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬البرلماني‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬بهلوة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬عنتريات‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬أخذ‭ ‬وعطاء‭!‬

وأقول‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬يطالع‭ ‬تاريخ‭ ‬العمل‭ ‬البرلماني‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬خلال‭ ‬تاريخنا‭ ‬المعاصر‭ ‬يجد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يسجل‭ ‬تجربة‭ ‬راسخة،‭ ‬حتى‭ ‬التجربة‭ ‬البرلمانية‭ ‬المصرية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬رائدة‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬كانوا‭ ‬يطمحون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تتاح‭ ‬لهم‭ ‬فرصة‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬مستوى‭ ‬الأداء‭ ‬البرلماني‭ ‬المصري‭ ‬الرائع‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬القدرات‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬واللغوية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬اختفت‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬1952‭.‬

ونحن‭ ‬مازلنا‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬التعلم‭ ‬والتطور‭.‬

أقول‭ ‬هذا‭ ‬لأن‭ ‬أي‭ ‬برلمان‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬عليه‭ ‬برلمانيين‭ ‬خارج‭ ‬أسوار‭ ‬البرلمان،‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬الصراعات‭ ‬الفكرية‭ ‬البرلمانية‭ ‬تستغرق‭ ‬سنوات‭ ‬أو‭ ‬عقودا‭ ‬حتى‭ ‬ترسخ‭ ‬القواعد‭ ‬البرلمانية‭ ‬وقدسيتها،‭ ‬وأن‭ ‬يعملوا‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬الثقافة‭ ‬البرلمانية‭ ‬الصحيحة‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬البحريني‭.‬

وختاما،‭ ‬أضع‭ ‬بين‭ ‬أيديكم‭ ‬لقائي‭ ‬مع‭ ‬معالي‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬وما‭ ‬حمله‭ ‬من‭ ‬معلومات‭ ‬حول‭ ‬دور‭ ‬الانعقاد‭ ‬الجديد‭.‬

إقرأ أيضا لـ"أنـــور عبدالرحمــــــن"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا