عالم يتغير

فوزية رشيد
خطة ترامب / نتنياهو الضبابية!
{ العالم كله يسعى إلى وقف حرب الإبادة والمجازر وجرائم الحرب المستمرة منذ عامين في غزة، التي انتقلت جرائمها وآثارها الدموية إلى الضفة الغربية! ولكن أن يتم ربط إيقاف الحرب ببنود ضبابية وغير واضحة لإيقاف هذه الحرب بشكل كامل، وببنود ذات تفاصيل أخرى غامضة تشي بمحاولة اليمين الديني المتطرف لإنهاء القضية الفلسطينية بإنهاء حل الدولتين! إلى جانب إنهاء المقاومة المشروعة للاحتلال بشكل عام بوصفها بالإرهاب! وليس فقط إنهاء «حماس» التي تم اختزال المقاومة فيها! فذلك أمر يستدعي التوقُّف طالما استمر الاحتلال في احتلاله، ويعمل على ذلك الاحتلال واستمراره من دون مقاومة ومن دون دولة فلسطينية، ومن دون ضمانات حقيقة لإلغاء نيات ضم الضفة الغربية أو غزة! ومن دون ضمانات لعدم بدء الحرب مجدداً إن ارتأى الكيان ذلك حسب بنود الخطة الضبابية!
{ ترامب اعتبر الخطة التي قدمها 29/9 بعد لقاء «نتنياهو» أنها تاريخية ولم يتحقق مثلها منذ آلاف السنين! وأكد أن لا رئيس قبله قدم ما قدمه هو للكيان الصهيوني، سواء باعترافه بالقدس عاصمة للكيان، أو باعترافه بضم الجولان إلى آخره! و«نتنياهو» أكد بدوره أن «ترامب» أعظم صديق للكيان، وأن خطته تتوافق تماما مع «الأهداف الخمسة» التي حددها في الحرب على غزة! ولذلك هو يوافق عليها، بعد أن عدل الصيغة التي اتفق عليها «ترامب» مع القادة العرب والمسلمين الذين التقاهم في البيت الأبيض! كما أكد «نتنياهو» في المؤتمر الصحفي مع «ترامب» أنه وبعد إعادة كل الرهائن والجثامين، فلا مكان لحماس أو المقاومة بالطبع ولا مكان لدولة فلسطينية بعد الآن! وذلك بما يخالف كل الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية (أكثر من 150 دولة)! كما أدلى بتصريحات أخرى أنه لا حكم للسلطة الفلسطينية في غزة، الا بعد كثير من الإصلاحات حسب وجهة نظر الكيان وقادته المتطرفين، والتي بالطبع حسب نظرهم أنها إصلاحات لن تتحقق أبداً! بل وأكد أن (السيطرة الأمنية) على غرة لا بد أن تكون بيد الكيان، مثلما هي بيده في الضفة! أي أن مجلس «السلام» برئاسة ترامب والمندوب السامي «بلير» هي أمور خاصة في النهاية للرؤى المتطرفة والاستعمارية للكيان وللولايات المتحدة !
{ خطة ترامب.. كما يراها كثيرون خطة ضبابية مثلما قلنا ومليئة بالمطبات والألغام، وحيث الشيطان يكمن في التفاصيل! ولذلك ورغم قبول قادة العرب والمسلمين بها «مبدئياً» إلا أن التحفظات تصاحب تلك الموافقة! وحيث الجميع يدرك أن ما لم يستطع «نتنياهو» تحقيقه عبر حرب إبادة في عامين، جاء «ترامب» ليحققه له عبر السياسة أو الخطة! وحيث لا حديث في الخطة عن القضية الفلسطينية وعن حل الدولتين في إطار جدول زمني محدد، ولا ذكر لمعاناة ومأساة الشعب الفلسطيني ومكابداته، ولكأن القصة تم اختزالها في الحفاظ على أمن الكيان واحتلاله الكامل لاحقاً، من دون الاهتمام بأمن والمطالب المشروعة للشعب الفلسطيني! إلى جانب حماية الكيان الصهيوني من أية مقاومة لاحتلاله سواء الآن أو لاحقاً!
{ في الوقت ذاته الخطة «الترامبية» من أهم أهدافها إخراج الكيان من عزلته الدولية، وتوسيع رقعة التطبيع مع الدول العربية والإسلامية!، رغم جرائم الكيان ورغم تنحية المبادرة العربية للسلام2002 وتنحية المبادرة المصرية الحالية بخصوص إنهاء الحرب على غزة وتنحية المبادرة السعودية الفرنسية لحل الدولتين، واختزال كل ذلك في «الخطة» الفضفاضة! إلى جانب أن الخطة تسعى لامتصاص الغضب العالمي رسمياً وشعبياً، وقبل أن يتم إنصاف الشعب الفلسطيني بحل عادل لقضيته، ومن دون تحقيق مطلب الدولة الفلسطينية! ولكأن السلام حسب الخطة تم تحويله إلى رضوخ فلسطيني كامل لرؤى اليمين الديني الصهيوني المتطرف، مثلما تم تحويله إلى استلام عربي وإسلامي لتلك الرؤى! وما على الفلسطينيين إلا أن يتعايشوا مع ما يفرضه الاحتلال الآن ومستقبلاً! وما على العرب إلا أن ينسوا الحل العادل للقضية الفلسطينية!
{ هل الخطة الترامبية إعادة تدوير لصفقة القرن التي تم دحرها لإنهاء القضية الفلسطينية؟! هل هي الخطوة الأولى بضبابيتها لإكمال آليات القبضة الصهيونية على كامل الأرض التاريخية لفلسطين؟! هل هي عودة لإعادة الانتداب وهنا الأمريكي باسم «بلير» البريطاني، كما فعلت أمريكا في العراق تحت قبضة «بريمر»؟! والكل يعرف ما فعله «بريمر» بالعراق وتداعيات ذلك مستمرة حتى اليوم في الفوضى! تلك أسئلة لا بد من طرحها خاصة أن «بلير» و«كوشنر» هما شريكان في صياغة بنود الخطة!
{ كان من المفترض ولدواع إنسانية قاهرة إيقاف الحرب أولاً من دون شروط، ثم الدخول في مفاوضات جادة لتحقيق العدالة الدولية للشعب الفلسطيني، وليس تهميشه تماماً وإنهاء قضيته الممتدة من مائة عام! ولكان كل ما يهم هو أمن الكيان وتخلصه من آية مقاومة لاحتلاله وفقط! ولعل القادة العرب والمسلمين موافقون مبدئياً على الخطة من أجل إيقاف حرب الإبادة وإيقاف التهجير والتطهير العرقي وإيقاف مخطط ضم الضفة، ولكن الشيطان كما قلنا يكمن في تفاصيل الخطة إلى جانب أنه لا ضمانة ولا التزام بإيقاف الحرب نهائياً بعد عودة الرهائن! ولا ضمان لإيقاف مخطط ضم الضفة، أو مخطط التهجير وتحت مسمى «التهجير الطوعي»! من يضمن أن الكيان لن يتراجع وكعادته عن ما يتعهد به، بعد أن يحقق كما قال أهدافه الخمسة من الحرب على غزة، والتي تحققها له الخطة؟!
{ أما سؤال لماذا تم صياغة الخطة بشكل فضفاض وغامض، فذلك حتى تتيح له الفرصة للتلاعبات اللاحقة، بعد إنقاذ الكيان من أزمته الداخلية وورطته الخارجية! وحيث بعد ذلك وكما اعتدنا يوجد ألف طريقة للتملص! خاصة مع التفسيرات المتضاربة لبنود الخطة! لتتحول المسألة كما أرادها الكيان إلى فرصة صهيونية لإدارة الأزمة وليس حلها، رغم ما تحمله الخطة من إغراء وقف الحرب حاليا! اليمين التلمودي المتطرف ومن تصريحات قادته حول الخطة، يرى فيها فقط إعادة الرهائن، وبعد ذلك سيكون التلاعب بالبنود الأخرى!
{ حسب الخطة تم وضع حماس بل وكل فصائل المقاومة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في زاوية ضيقة حيث لا تستطيع الرفض أو القبول! وأنها خطة استسلام لكل المقاومة وليس سلاما، وأنها إن رفضت فستعطي الكيان شرعية تجديد الحرب! ولكأن المسألة إما القبول أو تجدد حرب الإبادة بشكل أكبر وأقسى!
{ والخلاصة أن لا شيء في النهاية يدعو إلى التفاؤل بشكل حقيقي إلا تخلص العالم وبشكل مؤقت من وخزات الضمير المؤلمة، بسبب النزيف الدموي اليومي ويريد إيقاف ذلك بأي شكل حتى ولو مؤقتاً! أما تأثير الخطة في القضية نفسها وعلى قيام دولة فلسطينية وعلى التهجير وتهديد فلسطين بالكامل، وعلى حل عادل فمناقشة ذلك كله مؤجل إلى أجل غير مسمى!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك