عالم يتغير

فوزية رشيد
أكاذيب وكراسي فارغة وتزوير التاريخ !
{ بمجرد أن أعلن من يدير كلمات ممثلي الدول في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، عن اسم «نتنياهو» كمتحدث تم همس ثقيل في القاعة، سرعان ما تحول إلى ضجيج الانسحابات المتتالية لممثلي غالبية دول العالم! حتى لم يبق في القاعة الا وفد الكيان الصهيوني ووفد الولايات المتحدة وبعض دول أخرى محدودة، في مشهد للمقاطعة قيل إنه «تاريخي» ولم تشهد قاعة الأمم المتحدة مثيلاً له منذ تأسيسها عام 1945!
{ ورغم الامتعاض الذي كان واضحا على وجه «نتنياهو» إلا أنه سرعان ما دخل دوره المرسوم في مسرحية «الأكاذيب» التي ظل يسوقها على الكراسي الفارغة واحدة تلو الأخرى! في حالة تقمص عجيب لدور الضحية.. وقلب الحقائق! معلناً في الوقت ذاته نصب ميكروفونات كبيرة في قطاع غزة، يستمع الرهائن والأهالي إلى درره في سرد أكاذيبه التي باتت مكشوفة لشعوب العالم كلها! فما بالنا بالقطاع الذي يمارس فيه حرب إبادته كل ساعة منذ عامين، وبدم بارد، يجبرهم على سماع خزعبلاته؟! وهو الأمر الذي كان يقوم به «هتلر» والنازيون، لإيصال خطاباته إلى المناطق الأخرى! وكأنه دون أن يدري يثبت «نتنياهو» للعالم، أنه يُجسد «النازية»! بل ويراه الآخرون في العالم، أنه تفوق على النازية والفاشية بمراحل كثيرة، فيما يقوم به في غرة وعلى مدى أكثر من 700 يوم، كل دقيقة فيها هي مشهد دموي وجريمة حرب!
{ لن ندخل في سردية «نتنياهو» الكاذبة، لأن الكراسي الفارغة في القاعة وجهت صفعة مدوية لتلك الأكاذيب! وهي تعبير واضح عن تحول الرأي العالمي الشعبي والرسمي برفض مجرمي الحرب الصهاينة، والذين لو كنا في عالم يحظى بشيء من العدالة، لكانوا خلف قضبان «محكمة العدل الدولية» والجنائية الدولية، وليس على منصة الأمم المتحدة وجمعيتها العمومية!
{ الطريف وبعد خطابه في الجمعية العامة الجمعة الماضية، وصل إلى حفل استقبال بمناسبة «يوم السبت» في «القنصلية الإسرائيلية» في نيويورك، ليواصل دوره ولكن هذه المرة بسرد الأكاذيب التاريخية القديمة! وصرَّح للصهاينة في القنصلية قائلا: (إن تشويه سمعة الشعب اليهودي مستمر! هذه هي الحقيقة هكذا عاش اليهود طوال الوقت. ما هو الفرق؟! الفرق أن لدينا اليوم سيفا)! ولأنه كاذب لم يتطرق طبعاً وهو يلوح بالسيف إلى السبب في صورة اليهود المشوهة في كل بلدان العالم خاصة الغربية، التي طردتهم بسبب فسادهم وإفسادهم، ونشر الانحلال الأخلاقي والربا، وتخريب المجتمعات التي يوجدون فيها بألف طريقة وطريقة!
{ ولكن في القنصلية وجد من يستمع إلى أكاذيبه من الصهاينة، ليواصل حديثه، ويتحدث عن معارك اليهود ضد الإمبراطورية الرومانية! ويضيف في النهاية: (من أخرج اليهود من أرض إسرائيل هم العرب)! بل ويخترع المزيد من الأكاذيب التاريخية حين أنهى كلامه: (كنا أغلبية في بلادنا! وعندما غزا العرب أرض إسرائيل، أخذوا أراضينا ببساطة وأصبح اليهود أقلية)! يا سلام ! ومن الواضح أنه يتبع نصيحة نازية تقول: (اكذب .. اكذب .. اكذب ... حتى تصدق نفسك ويصدقك الآخرون)! ورغم اعترافه بأن العرب كانوا موجودين منذ آلاف السنين، والكنعانيون عرب، إلا أنه حولهم إلى غزاة في أرضهم! (رغم أن وجودهم في «كنعان» فلسطين، كان قبل نزول التوراة على موسى، وقبل وجود اليهود كمعتنقين لليهودية) وبالتالي ولفترة تاريخية لا تتجاوز عند بعض المؤرخين عشرات السنوات، كان وجود اليهود بعد ذلك بكثير، من وجود الكنعانيين الممتد الى آلاف السنين قبل الميلاد وحيث ولا يوجد أي أثر تاريخي لليهود في فلسطين التاريخية أو «كنعان» باعتراف مؤرخين وأثريين كثر من بينهم مؤرخين يهود وغربيين، وطوال التاريخ كانت أرض كنعان للكنعانيين، وبتسمية أخرى للفينيقيين، وهم أصحاب الأبجدية الأولى التي أوصلوها في ذلك العهد السحيق وقبل نزول الأديان إلى اليونان أو الإغريق، وأسموها أبجدية «الفا» من الألف والباء! فالوجود العربي هو الثابت في تاريخ فلسطين التاريخية، ووجود الغزاة هو الطارئ تاريخيا! لتبقى هذه الأرض وعبر التواريخ رغم الاحتلالات الطارئة أرضا عربية !
{ إن المزاعم الصهيونية، والجرأة على تزوير التاريخ وتحريف التوراة ووضع «التلمود» و«القابالاة» والأساطير والنبوءات والخرافات، هي صناعة متأخرة تاريخياً عن تاريخ الكنعانيين لفرض الأكاذيب والادعاءات المزورة وتكريسها بأن فلسطين هي أرضهم! وأن الأقصى تم بناؤه على «الهيكل اليهودي»! رغم أن كل صهاينة العالم يعرفون أنه لا وجود لأي أثر للهيكل تحت المسجد الأقصى، والذي تاريخ بنائه يعود إلى زمن «آدم» والفارق بينه وبين المسجد الحرام 40 عاماً كما روى النبي والرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام!
{ ومن يقرأ تاريخ الأصل والطارئ في بلاد العرب بشكل عام وأهمها «الجزيرة العربية» التي كانت المنبع الأول للهجرات العربية منذ آلاف السنوات قبل الميلاد، وهي التي بنت الحضارات العربية الكبرى بعد الطوفان في فلسطين وسوريا والعراق ومصر وغيرها، يدرك حجم الأكاذيب الصهيونية التي عملت الماكينة الدعائية على تكريس سردياتها الزائفة عن التاريخ والأعراق وعن اليهود وبني إسرائيل! والذين لا صلة لهم البتة بيهود اليوم، وإنما كل «الأشكناز» تحديداً من الخزر والقوقاز، وجيناتهم تثبت ذلك! ولذلك كل الأكاذيب الصهيونية المتعلقة باليهود، إنما لتبرير «الاستيطان الإحلالي» والاحتلال والاستعمار الغربي لجغرافيا الأرض العربية! ومن وجد حيلة فليحتل!
{ وفي تصوري أن العالم وشعوب العالم التي بدأت تفتح عيونها على الحقائق التاريخية ورفض السردية الصهيونية، بعد البشاعة المؤرخة في حرب الإبادة على غزة، يحتاج إلى وقفة عربية وإسلامية لنشر وترجمة الكتب التاريخية التي تؤرخ للحقائق لا للزيف! ومخاطبة الوعي العربي نفسه الذي تأثر بالسرديات الصهيونية! ثم مخاطبة الشعوب الغربية وشعوب العالم بها، خاصة أن الآذان في العالم صاغية الآن والقلوب منفتحة لمعرفة الحقائق والمزيد منها! وهي مهمة نتمنى أن تقوم بها الدول العربية! فهل تفعل؟!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك