عالم يتغير

فوزية رشيد
الاعترافات والالتفاف العالمي حول الدولة الفلسطينية.. إلى أين؟!
{ لا شكّ أن الجهود الكبيرة التي بذلتها المملكة العربية السعودية، استنادا إلى ثقلها الوازن عربيًّا وإقليميًّا ودوليًّا أثمر أولاً الشراكة الفرنسية، ثم الاعترافات المتوالية من غالبية دول العالم في مؤتمر 23 سبتمبر هذا الشهر والذي أرادته السعودية فرصة تاريخية لتحقيق السلام، على خلفية اجتماع إرادة المجتمع الدولي لتحقيق العدالة للقضية الفلسطينية، الممتدة عبر ما يقارب العقود الثمانية، وهو عمر إنشاء الأمم المتحدة نفسها! ومن المفارقة أن المؤتمر الذي جمع صوت العالم كله وعبَّر عن التفافه حول الدولة الفلسطينية، جاء متزامناً مع اليوم الوطني السعودي 95، والذي نهنئ قادة وشعب السعودية بهذا اليوم، الذي يؤرخ لقصة وطن عظيم وأرض مقدَّسة!
{ البيان السعودي – الفرنسي في ختام المؤتمر طالب بتنفيذ «إعلان نيويورك» وإنهاء الحرب في غزة، وضمان إدخال المساعدات دون عوائق، بالإضافة إلى انسحاب كامل للقوات «الإسرائيلية»، من القطاع، فيما غالبية المحللين يرون أن الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، باستثناء أمريكا والكيان الصهيوني، ستكون مجرد خطوة شكلية أو رمزية، ما لم تتحوَّل إلى ضغط دولي حقيقي على أمريكا والكيان لقيام دولة حقيقية ذات سيادة، استناداً إلى القرار الدولي عام 1947، أي قرار التقسيم الذي تأسس الكيان الصهيوني على خلفيته، ولكن الشقّ المتعلق بالدولة الفلسطينية لم يتحقق على مدار العقود الطويلة منذئذٍ! وحيث القرار ينصّ على قيامها على مساحة تقارب نصف أرض فلسطين التاريخية، ولم يقبل به الفلسطينيون والعرب آنذاك، لأن الحالة الطارئة في استلاب أرض وتهجير شعب من المنطقي ألا يقبل به أصحاب الأرض! حتى لو كانت القوة التي فرضت تلك المأساة الكبرى على الشعب الفلسطيني، هي قوة الاستعمار أو الانتداب البريطاني ومعه قوى الاستعمار الغربي ذات التأثير على تطويع مجلس الأمن لرؤاها الاستعمارية، مهما كانت مجحفة! وبحكم استمرار ذات القوى على مدار العقود الماضية في التلاعب بحقوق الشعب الفلسطيني، وفي ظل ميزان القوى وفشل العرب في تحرير فلسطين عبر الحروب، تحوّلوا إلى القبول بالأمر الواقع وتبنيّ رؤية السلام، والقبول بـ 22% فقط من الأرض التاريخية لفلسطين! ولكن ذلك قوبل بالتعنت الصهيوني في الكيان! بل ورفض فكرة الدولة الفلسطينية بشكل مطلق! بل والسعي إلى احتلال غزة وضمّ الضفة الغربية!
{ كيف يتحقق إذا على أرض الواقع قيام دولة فلسطينية في ظل التعنت الصهيوني والدعم الأمريكي المطلق؟! ذلك هو السؤال الذي يبحث الجميع عن إجابة له!
وهذا السؤال من المفترض هو ما تتحمل مسؤوليته كل الدول التي اعترفت بقيام دولة فلسطينية! وأدانت حرب الإبادة الوحشية على الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي تُعطلّ فيه الولايات المتحدة الإرادة الدولية! وتقف بشكل لا قانوني ولا أخلاقي ولا إنساني، في صفّ الوحشية «الإسرائيلية» المدانة من كل دول وشعوب العالم!
{ وفي اللقاء الذي جمع «ترامب» مع قادة دول عربية وإسلامية، وقال عنه «ترامب» (إنه أهم اجتماع على الإطلاق) لم يضع الرئيس الأمريكي «خطة عملية» لتنفيذ الإرادة الدولية! لأنه شخصياً لا يريد الاعتراف بالدولة الفلسطينية من جهة!، ومن جهة أخرى كل ما يريده هو استعادة الرهائن ووقف حرب الإبادة مدة زمنية قصيرة، وترك الأمر برمته في يد «نتنياهو»، مجرم الحرب الذي يعرف الجميع رؤاه وخزعبلاته التلمودية!
{ في تحقيق أخير للأمم المتحدة قالت «لجنة التحقيق» إن (الحكومة الإسرائيلية تسعى لفرض سيطرة دائمة على قطاع غزة، وضمان أغلبية يهودية في الضفة الغربية المحتلة، وتهجير الفلسطينيين قسراً وتوسيع المستوطنات اليهودية وضمّ الضفة الغربية بأكملها)! أي التهديد لكامل الأرض التاريخية لفلسطين!
ولكي يستمر الخداع فإن الاعترافات الغربية خاصة الكبرى، وعلى رأسها بريطانيا صاحبة المسؤولية التاريخية لمعاناة ونكبة الشعب الفلسطيني، وضعت «شروطاً» للاعتراف! رغم أن اعترافها لا يستند على أرض الواقع إلى فلسطين التاريخية، أو حتى حدود ما قبل 67! وتلك الشروط لمن يقرأها تخدم الكيان الصهيوني أكثر بكثير مما تخدم القضية الفلسطينية، وهنا تكمن المسألة! ومن المتوقع ألا تنساق الدول العربية والإسلامية وراء تلك الشروط، إلا بعد قيام دولة فلسطينية على أرض الواقع وحسب المبادرة العربية للسلام 2002، وليس قيامها على الورق المحكوم بالفيتو الأمريكي!
{ البعض يرى أن الاعتراف البريطاني تحديدًا رغم أهميته في ميزان الاعترافات، إلا أن ربطه كاعتراف بشروط أهمها التطبيع العربي الكامل مع الكيان الصهيوني هو (فخ بريطاني أمريكي جديد) يريد أن يقلب كل ما تم على المستوى العالمي لصالح الحق الفلسطيني والعدالة والحرية، ليكون لصالح الكيان الصهيوني! دون وجود أرض تقوم عليها الدولة الفلسطينية في ظل الإصرار على الإنكار من جانب الكيان والدعم الأمريكي المطلق لقراراته وتحركاته!
{ إلى جانب ذلك يتمّ تحقيق نقاط أخرى:
- امتصاص الغضب الشعبي العالمي ومنه غضب الشعوب الغربية على حكوماتها!
-جرّ الدول العربية إلى تطبيع مجاني موسّع أي بالجملة، بناء على اعترافات نظرية بقيام دولة فلسطينية!
- إنقاذ الكيان من عزلته الدولية!
- إعطاء مبرّر للكيان بأن ضمّ الضفة جاء كردّ فعل منه على قرارات الاعتراف الدولي!
- أمور أخرى قد تتضح مع الوقت!
{ من هنا نرى أن الجهود الحقيقية التي بذلتها وتبذلها القيادة السعودية لإرساء أسس السلام والاستقرار والأمن في المنطقة والعالم، تواجه وستواجه عقبات كثيرة قادمة!
أهمها الرفض الصهيوني من الكيان والولايات المتحدة للرؤية العربية والإرادة الدولية المجتمعة حولها! والمماطلات القادمة لجعل المؤتمر والاعترافات الدولية ورغم أهميتها التاريخية مفرغة من المضمون، ولعل وعي قادة السعودية والعرب بذلك، قد يضع أفقا للخروج من كل ذلك!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك