عالم يتغير

فوزية رشيد
قمة عربية إسلامية طارئة: ماذا بعد؟!
{ الخليج العربي ودوله في مجلس التعاون، لطالما شكل خطّا داعياً إلى الاعتدال والسلام لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية، ليس للخليج وحده، وإنما لكل الإقليم المسمى (الشرق الأوسط)! بل وقادت السعودية في الجامعة العربية في بيروت عام 2002 مبادرة السلام التي أصبحت عربية، وأهم مبادئها الأرض مقابل السلام، إلى جانب «الاتفاقات الإبراهيمية» التي تبناها ورعاها الرئيس الأمريكي «ترامب»، وكانت قطر قد لعبت دور الوسيط لإبرام اتفاقية حول غزة، والجميع يعرف تفاصيل سيناريوهاتها وتدرجاتها منذ عامين، أي منذ 7 أكتوبر وما تلاها من حرب الإبادة، حيث كانت الدوحة هي الحليف للولايات المتحدة!
{ كل ذلك وغيره من تفاصيل التوجه الخليجي في إرساء قواعد السلام وفق المنظور الخليجي، يبدو أنه وبالهجوم «الإسرائيلي» على الدوحة، جعل دول الخليج في مرمى الطيش والعنجهية الصهيونية مباشرة! باعتبار أن الهجوم هو هجوم ليس فقط على السيادة القطرية، وإنما على سيادة كل دول الخليج بحسب مبادئ مجلس التعاون، إلى جانب كونه انتهاكا صارخا لمبادئ القانون الدولي، بل وصلت الوقاحة بالكيان إلى التصريح بعد الهجوم، بأنه هجوم (قابل للتكرار) ليس على قطر وحدها، وإنما على أي دولة بها عناصر أو قيادات لحماس، رغم أنه من المعروف وكما صرح مرة وزير الخارجية القطري، بأن استضافة «حماس» في قطر جاء بطلب أمريكي!
{ في مجلس الأمن الأسبوع الماضي ندّد المجلس بالهجوم على قطر من دون تسمية، «إسرائيل» التي قامت بذلك الهجوم! وهي تعد سابقة في مجلس الأمن من حيث التنديد بالاعتداء دون تسمية المعتدي! وحيث ذلك يجعل الكيان الصهيوني بالمعيار القانوني وكأنه ليس هو مرتكب الجريمة!
{ الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني رئيس الوزراء القطري وصف العدوان بأنه (هجوم غادر وأنه يضع المجتمع الدولي أمام اختبار كبير!
وأن «إسرائيل» تجاوزت المتطرفين المتعطشين للدماء، وأن عجز المجتمع الدولي تسبب بزيادة الغطرسة الإسرائيلية، وأن القادة الإسرائيليين مصابون بغرور القوة لأنهم أمنوا العقاب)!
تصريحات قطر ومواقف دول الخليج العربي من الهجوم الآثم على قطر، وعقد القمة العربية الإسلامية الطارئة، وتمادي الكيان الصهيوني في العنجهية والغطرسة وغرور قادته، يجعل دول الخليج والعرب والدول الإسلامية في اختبار كبير بدورها!
فالتصريحات الصهيونية المتواصلة بنت تحركاتها على رؤى وأساطير تلمودية زائفة، ترى أن جغرافيا العرب هي جغرافيا مستباحة لها! وأن الحكومة المتطرفة «تنفذ» على أرض الواقع تلك «الأساطير التلمودية» التي لا تستثني من مسطرتها رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط دعت وزير الخارجية القطري يتساءل في بيانه بعد الهجوم: (هل تصريحات نتنياهو حول إسرائيل الكبرى وتغيير الشرق الأوسط يشمل دول الخليج أيضاً؟!)!
{ الكل يعرف أن العنجهية «الإسرائيلية» ناتجة من عجز المجتمع الدولي ومجلس الأمن عن إيقاع أية عقوبات عليها ومن خلال سطوة القوة الأمريكية وصلفها، التي وصلت إلى تهديد محكمة العدل ومحكمة الجنايات الدولية وقمع الأصوات المعارضة لحرب الإبادة سواء داخل أمريكا أو خارجها!
ولكن السبب الآخر لهذه الوقاحة والغطرسة الصهيونية هي الاستكانة العربية وضعف الدور العربي ودولها في استخدام إمكانياتها المختلفة سواء تجاه الكيان الصهيوني أو تجاه الولايات المتحدة، التي «نظريًّا» تعتبر دول مجلس التعاون حلفاء لها، فيما «عمليًّا» انتهكت أصول ذلك التحالف مرات عديدة! ونذكر منها ما حدث تجاه البحرين عام 2011 حين دعمت أمريكا «الحراك الطائفي الانقلابي»! ومرة أخرى حين ضغطت على التحالف العربي لعدم حسم معركة «الحديدة» في اليمن! ومرة أخرى حين صمتت عن الهجوم الحوثي على المنشآت الاقتصادية في أرامكو!
واليوم حين أعطت الضوء الأخضر للهجوم الإسرائيلي على الدوحة والتي تعتبر من بين أقوى حلفائها في الخليج! فماذا سيحدث غداً؟!
{ القصة الحقيقية تتم صياغتها في واشنطن قبل «تل أبيب»! لأن ترامب «والمسيحية الإنجيلية» معه يتبنيان الرؤى والأساطير التلمودية الزائفة، التي من خلالها يُراد تهويد فلسطين كلها، ثم التوسع في الأرض العربية!
وهو من قال إن (إسرائيل صغيرة جداً)! وتحتاج إلى أن تكبر مساحة بمعنى آخر!
من هنا فإن عدم وقوع أي عقوبات على الكيان الصهيوني، بعد اختراقه سيادة قطر وسيادة دول الخليج بمعنى آخر، ومحاولته تغيير كل المعادلات الراسخة حول أمن الخليج! كان من المفترض أن تواجهه دولنا بقرارات حقيقية وإجراءات عملية في القمة العربية الإسلامية التي انعقدت مؤخرا في الدوحة، أقلها تجميد الاتفاقيات مع الكيان، وتقليل دول الخليج اعتمادها الأمني على الحماية الأمريكية بحسب سيناريوهاتها المعروفة! لأن من ينتهك الأمن الخليجي عبر وقائع متواترة هما في الحقيقة أمريكا والكيان الصهيوني! وحيث تم إضعاف الدور الإيراني مؤخراً، ليصبح اللاعب الأساس والمفرط في العدائية والغرور هو الكيان الصهيوني! الذي أصبح تهديده اليوم واضحاً ليس لفلسطين التاريخية وحدها، وإنما لعديد من الدول العربية ومنها دول الخليج العربي ومعها تركيا وإيران!
{ الشعب الخليجي كان ينتظر من القمة العربية الإسلامية مواقف عملية، لأن هذا الكيان العدائي، وغير القابل للسلام بسبب توجهاته التلمودية والتوراتية المحرّفة، يشكل اليوم أكبر تهديد لكل دول المنطقة! وحيث أطماعه أصبحت واضحة ومعلنة، لا يكفي لردعها «النيات الحسنة»! فإن كانت دول الخليج تبحث عن السلام والاستقرار والتنمية، فإن الوحش الصهيوني متربص بكل ذلك لتحقيق «خرافاته الدينية» التي يدّعي من خلالها أنه قادر على الوصول إلى أي مكان يريده! وإذا كانت الحجة اليوم «حماس» ففي جعبة هذا الوحش الصهيوني، حجج كثيرة أخرى يُخرجها وقت الحاجة! ومنها أن «المسيح الدجال» لن يخرج إلا بعد قيام إسرائيل الكبرى!
وفي مواجهة اللامنطق والصلف والغرور والآيديولوجية الخرافية المتطرفة، التي في حقيقتها استدعاء للأساطير ولنوايا احتلال الأرض العربية، فإنه لن ينفع أي منطق، إذا لم يكن مشفوعاً بإجراءات عملية للدفاع عن النفس والإجراءات تبدأ بتفعيل آليات الدفاع العربي المشترك وإعادة النظر في الاتفاقيات المبرمة، والشراكات الاقتصادية والتجارية وغيرها وخاصة مع العدّو المتعجرف، ولعل قادة الخليج يعرفون اليوم أكثر من أي وقت مضى طبيعة التحديات القائمة التي تهدّد أمنهم واستقرارهم ونموهم! فهل ما خرج عن هذه القمة الطارئة هو ما كان ينتظره الجميع؟!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك