عالم يتغير

فوزية رشيد
فيلم «صوت هند رجب»: صرخة الضمير العالمي!
{ لطالما وعبر عقود طويلة، أنتجت الصهيونية العالمية، سردية درامية وبحثية وتاريخية بوثائق مفبركة وأفلام مصورة عن «المظلومية اليهودية». والهولوكست، المشكوك في تفاصيله! تداخل فيها كسردية الكثير من التلفيق والخيال والرأي المنحاز، ليكتسب التأثير المطلوب في العقل والوعي الغربي والعالمي!
وليمزج ذلك كله بالأساطير التي تأسس الكيان الصهيوني على أساسها! وحول ذلك أفلام كثيرة أيضاً، أغلبها هوليودية، لصناعة «سردية عالمية» حول الأرض الموعودة، وشعب الله المختار، الأمر الذي لا يقره الحاخامات اليهود الحقيقيون وغير الصهاينة.
{ منذ 8 أكتوبر 2023، بدأت السردية الصهيونية تنهار بالتدريج حين استيقظ العالم وشعوبه عبر عامين على التوحش منقطع النظير، والحرب الوحشية التي استندت على أرضية الإبادة والتطهير العرقي والعنصرية والتهجير! لتسجل شعوب العالم يقظتها وهي ترى حكاية الظلم الكبير الواقع على الشعب الفلسطيني وأطفاله ونسائه، بأم عينيها! ومنقولة مباشرة وكل يوم على الشاشات، وعلى توثيق الهواتف من داخل غزة، لتنتشر عبر الوسائل الإلكترونية إلى العالم كله! وليستيقظ الضمير العالمي الشعبي على أحداث دموية حقيقية ومجازر وجرائم حرب، لم يسبق لها مثيل، فتنهار مع تلك اليقظة العالمية كل ما بنته السردية الصهيونية الكاذبة عبر عشرات السنين! لأن شرارة الحق تطفى نيران الكذب والباطل مهما تعالت!
{ أمام هذه الصحوة الشعبية العالمية جاء فيلم (صوت هند رجب) ليهز «مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي»، ولتتحول صرخات هند الغزية البريئة والمحاصرة في سيارة، بعد أن قتل الجيش الصهيوني كل عائلتها، ثم تم الإجهاز عليها وحدها بـ 35 رصاصة، ليسجل التاريخ مجزرة مروعة، كانت رمزاً لمجازر كثيرة أخرى ضد الأطفال!
وليتحول الصوت إلى عمل سينمائي، هو (صوت هند رجب) وليصفق له أكبر نجوم العالم، الذين وقفوا مدة 24 دقيقة متواصلة من التصفيق! لصوت هند الذي جسد معاناة كل أطفال غزة الأبرياء! وحين الحضور لم يقتصر على الصحفيين والإعلاميين والجمهور، بل أيضاً على مشاركة أكبر الفنانين كأسماء عالمية مثل (براد بيت، و«خواكين فينيكس» الحائز الأوسكار عن فيلم «الجوكر» و«روني مارا») وغيرهم الكثير من مشاهير السينما العالمية!
{ في 29 يناير 2024، تحولت حياة «هند رجب» الطفلة ذات الـ 6 سنين، من حي «تل» الهوى إلى مأساة إنسانية، ونموذجاً لضحايا حرب الإبادة
من الأطفال والأهالي، لتهز مأساتها الإنسانية ضمير العالم أولاً عبر الحدث ثم عبر توثيقه في فيلم! هند وهي تراقب الحياة وحلمها فيها من نافذة سيارة تم استهدافها بنيران الدبابات الصهيونية! فيستشهد كل من بداخلها من عائلتها لتبقى وحيدة وسط الجثث ساعات إضافية، قبل أن يتم تفريغ رصاص الحقد الصهيوني في جسدها الصغير، وليسكت الصوت الذي يستنجد الإنقاذ!
وبصوت مرتجف تقول هند للمسعفين عبر الهاتف في السيارة، (أمانة، تعالوا خذوني، أنا خائفة) ولتكرر هذا النداء على مدار 3 ساعات، قبل أن يتم استهدافها وسيارة المسعفين!
{ بعد 12 يوما تم العثور على جثة هند وجثث عائلتها وطاقم الإسعاف داخل سيارتين محطمتين في مكان الحادث! تحقيقات صحفية من «واشنطن بوست»، كشفت أن السيارة أصيبت بـ 72 طلقة في 6 ثوان!
أي حقد هذا الذي يتحرك به الصهاينة، ليفرغوا بعد المجزرة الأولى عشرات الرصاصات في جسد طفلة نجت وحتى لا يبقى لها مع الجميع أثر!
دراسة (FORENSIC Architure) أوضحت أن الدبابة الصهيونية، كانت ترى بوضوح السيارة المدنية وطاقم الإنقاذ من المسعفين أو بناء على ذلك رفعت ما تم تشكيله باسم (مؤسسة هند رجب) شكوى للمحكمة الجنائية الدولية ضد قائد اللواء المدرع 401 نبيل أهارون!
ولكن كم من أطفال غزة وبعشرات الآلاف استشهدوا تحت القصف المتعمد لمدارس وملاجئ ومستشفيات، مما تحكي مآسي إنسانية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، ولم يتم توثيقها في فيلم أو عمل درامي؟!
{ القصة التي تحولت إلى فيلم وإلى رمز عالمي لمعاناة أطفال غزة، تمكنت المخرجة التونسية (كوثر بن هنية) من توثيقها كمأساة عبر فيلم استخدمت فيه التسجيلات الصوتية الحقيقية، لتثير بفيلمها الواقعي الموثق موجة من البكاء والتصفيق المستمر 24 دقيقة! وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ مهرجان فينيسيا السينمائي! مؤكدة بذلك أن ما جرى لـ«هند» الطفلة يتجاوز حدود المأساة المحلية ليصبح صرخة إنسانية عالمية، وليرى العالم حقيقة ما يرتكبه الكيان من مجازر، ليست من خيال هوليوودي أو توجه سينمائي صهيوني منحاز وزائف وإنما ليوثق ما عرفه العالم كله وتابعه ورآه بعينيه عبر فن سينمائي، اختار الانحياز إلى الحق والحقيقة، وإلى صوت عشرات الآلاف من أطفال فلسطين في غزة! الذين مثلهم صوت هند رجب وهم يبحثون عن الذي ينقذهم من التوحش الصهيوني!
حالمين بالحياة والكرامة التي هي حق شرعي لكل إنسان وأكثر لكل طفل، حين يتوسل من أجل الوجود والحياة!
{ للأفلام تأثيرها الساحر، لأن الدراما المتقنة تكشف الأحداث خاصة المأساوية والإنسانية بشكل درامي يمس الوعي والشعور مباشرة! فماذا لو كان الفيلم قائماً على أصوات حقيقية وتوثيق أحداث جرت أمام أعين العالم كله عبر الشاشات وعلى مدى عامين، ولقضية قاربت الثمانين عاماً، من التعرض للظلم والإجحاف والنكران ولوي الحقائق بسرديات وروايات صهيونية تقلب كل الحقائق!
{ ومثلما فعلت المخرجة التونسية (كوثر بن هنية) فإن السؤال مطروح على المخرجين والمنتجين العرب الذين يطالبهم الضمير الشعبي العالمي على الأقل بتوثيق درامي لحرب الإبادة في غزة، بدلا من أفلام التفاهة التي تملاً الأسواق العربية السينمائية! وإذا كان فنانون من مشاهير السينما العالمية، قد أنتجوا فيلم (صوت هند رجب) فمن المفترض أن يتحرك المنتجون والمخرجون والفنانون العرب، لعرض بشاعة الأحداث التي مرت ولا تزال مستمرة!
فهل يتحرك الضمير الفني العربي؟! السؤال مطروح عليهم!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك