عالم يتغير

فوزية رشيد
من الأمم المتحدة إلى الشعوب المتحدة!
{ تأسست الأمم المتحدة عام 1945 كمنظمة دولية تهدف إلى منع الصراعات وحفظ السلام الدولي بعد الحرب العالمة الثانية وتعود جذور الأمم المتحدة إلى وثيقة ميثاق الأطلسي عام 1941 التي وضعها رئيس الولايات المتحدة ورئيس وزراء بريطانيا وتحدثت عن إنشاء نظام أمن عام واسع ودائم، جاء في ميثاق الأمم المتحدة الذي تم توقيعه في 26 يونيو 1945 أن هدف إنشائها كمنظمة هو (منع اندلاع حرب عالمية أخرى وحماية حقوق الإنسان والقانون الدولي، والمساعدات الإنسانية والتنمية المستدامة)! عدد أعضاء الأمم المتحدة اليوم 193 دولة وهي التي بدأت بـ51 دولة عضوا مؤسسا، فهل نفذت المنظمة أهدافها خلال العقود الماضية؟!
{ هي إذاً المنظمة الدولية التي نشـأت بعد الحرب العالمية الثانية وفي ظروف دولية استثنائية، كان الصراع فيها محتدما بين الدول، وتأسست على خلفية «عصبة الأمم» لتتحول مع الوقت إلى منظمة تحمي مصالح وأجندة دول استعمارية بواجهة أممية! ولتتحول مع الوقت صلاحية استخدام «الفيتو» إلى صلاحية دكتاتورية تقهر الشعوب وقضاياها المشروعة، وخاصة أن الولايات المتحدة وحدها استخدمت هذه الصلاحية «الفيتو» مرارا لقمع كل قرارات مجلس الأمن الذي تحتكره خمس دول دائمة العضوية هي (أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين) وعشرة أعضاء غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة مدة عامين.
{ وفيما الجمعية العامة التي تضم كل الأعضاء (193 عضوا) هي بمثابة منتدى عالمي فقط لمناقشة كل المسائل الدولية التي يشملها ميثاق الأمم المتحدة، ولكن قراراتها غير ملزمة وإنما هي معنوية! مما يعني تضاؤل دورها الحاسم أيضا في القضايا الدولية وقضايا السلم والحرب، قياسا لمجلس الأمن الذي بدوره خاضع لسيطرة عدد قليل من القوى الكبرى، التي تنفذ من خلال المجلس مصالحها، وإن كانت على حساب الأمن العالمي والقانون الدولي وحقوق الإنسان!
{ ولذلك أصبحت الأمم المتحدة في مهب رياح النقد، وخاصة تلك التي تدعو إلى مراجعة كاملة لهيكلية الأمم المتحدة وميثاقها ونظامها الداخلي بعد مرور 80 عاما على تأسيسها، تغيرت من خلالها موازين القوى الدولية مثلما تغيرت تطلعات الشعوب إلى منظمة تمثلها بالعدالة والمساواة والقانون الدولي! ولعل أهم بنود الإصلاح المطلوبة هو منع احتكار مجلس الأمن بأعضاء جاءوا من ظروف الحرب العالمية الثانية، تحت بند (أعضاء دائمون للأبد)! إلى جانب إلغاء حق «الفيتو» الذي تم استخدامه بشكل مفرط ضد قضايا عادلة أهمها القضية الفلسطينية، التي استخدمت الولايات المتحدة ضدها ما يقارب الـ80 قرارا بعدد سنوات تأسيس الأمم المتحدة! وإذا كانت ظروف الحرب العالمية الثانية وما أنتجته في ذلك الوقت من إعلاء قوى دولية على حساب دول أخرى بعد هزيمتها في تلك الحرب، فإن الأمم المتحدة من المفترض أن تخرج اليوم من بوتقة تلك القوى الاستعمارية، لتتحول بمصداقية إلى تمثيل كل شعوب العالم! ولتحفظ السلام الدولي وحماية حقوق الإنسان والقانون الدولي والمساعدات الإنسانية! وهي المجالات التي فشلت الأمم المتحدة في حفظها! لتقع في مربع الانحياز غير المنطقي وغير القانوني مثلا للكيان الصهيوني وهو يرتكب جرائم الحرب والإبادة منذ 77 عاما لا لشيء إلا لأن الولايات المتحدة عبر صلاحية «الفيتو» ومعها بريطانيا وفرنسا وقفوا وقفتهم الإجرامية في بداية حرب الإبادة الجديدة ضد الفلسطينيين في غزة، كما وقفوا دائما ضد الحقوق الفلسطينية المشروعة منذ عقود!
{ طلال أبوغزالة نشر بحثا عنوانه (من الأمم المتحدة إلى الشعوب المتحدة) وتحدث عنه ككتاب لم نجده في البحث! ولكنه يدعو فيه بدوره إلى إصلاح الأمم المتحدة، وأعتقد أن هذا المطلب هو مطلب شعبي عالمي بعد أن دخلت المنظمة في إطارها الراهن في حالة الضعف والجمود وعدم القدرة على استخدام البند السابع ضد المجاعة التي أقرت بوجودها بنفسها في غزة وضد الكيان المحتل، وكأن أمينها العام وكل من معه من أصحاب الصلاحيات المؤسسية في تنفيذ القانون الدولي، وإدخال الغذاء إلى القطاع وكأنهم جميعا لا حول ولا قوة لهم!
{ هذا يستدعي وعيا عالميا دوليا وشعبيا لإصلاح منظمة الأمم المتحدة والضغط تجاه أن تكون تمثيلا حقيقيا للشعوب وليس ممثلا لإحدى القوى الكبرى أو بعضها! ولعل المجاعة والإبادة في غزة وهذا التخاذل الدولي والعالمي عن القيام بالدور المطلوب لإيقاف تلك الحرب يستدعي بين ما يستدعي صحوة عالمية ودولية وشعبية عن أسباب هذا الضعف المهين للأمم المتحدة ولكل المنظمات والمؤسسات الدولية التي تدور جميعها كما تدعي في دائرة الحفاظ على السلم الدولي والقانون الدولي وحقوق الإنسان! فإذا بها تقف عارية عاجزة عن فعل شيء أمام جبروت كيان يستهتر بكل ذلك ومن يدعمه في مجلس الأمن هو الولايات المتحدة، وأمام مجاعة وإبادة يتم نقلها على الشاشات!
{ آن لشعوب العالم كلها أن تقف وقفة حقيقية تجاه منظمات ومؤسسات تدعي تمثيل حقوقها وقضاياها، ولكن لا تفعل شيئا أو هي سقطت كما سقطت كل مواثيقها سياسيا وأخلاقيا وإنسانيا! إنه الأوان للانتقال من فكرة الأمم المتحدة الفاشلة إلى فكرة «الشعوب المتحدة» ولو كمنظمة بديلة أو موازية! حتى يتحقق التمثيل الحقيقي للدفاع عن السلم العالمي، وإيقاف الحروب الاستعمارية التي تقف في وجه ذلك السلم لتحقيق مصالح وأجندات استعمارية، وتستخدم الأمم المتحدة وبقية المنظمات كواجهة لتنفيذ تلك الأجندات الخبيثة ونهب ثروات العالم، وهو العالم الذي لم يعد بحاجة إلى واجهات أممية استعمارية!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك