عالم يتغير

فوزية رشيد
جعلوه عالما من الفانتازيا والكابوسية!
{ ما تعيشه البشرية اليوم غريب بالفعل، كل شيء فيه يتسارع ويتدهور بشكل جنوني! الزمن، التطور التكنولوجي، تغيرات الأفكار والمفاهيم، التساقط القيمي والأخلاقي، تهافت النظام الدولي أو العالمي، الذكاء الاصطناعي كمهدد للبشرية باعتراف صانعيه! انحدار الثقافة والمعرفة رغم مجمل التطورات وكثرة المعلومات! تهديد بعض القوى بكل وقاحة بالاستيلاء على جغرافيا دول أخرى، كما صرح «ترامب» وصرح «نتنياهو»، ومن دون أي وقفة أممية ضد ذلك وكأنه أمر طبيعي! تبنّي دول تدعي الرؤية المادية والعلمانية للخرافات والأساطير والنبوءات الزائفة بعد تحريف التوراة التي نزلت على موسى لتبرير أجندة استعمارية من نوع جديد! فوضى في المعايير الدولية، وإكسَاب إحدى القوى الكبرى لنفسها حق فرض العقوبات على دول كبرى أخرى وبالطبع على دول تعمل على النهوض، وليس هناك من يحاسب أو يردع أمميا! استهتار بالقانون الدولي والمبادئ التي تنظم العلاقات بين الدول! التهديد بحرب عالمية كبرى تقضي على أغلب البشرية! وهلم جرا من عجائب الفوضى التي تضرب العالم اليوم وهو في مسار متصاعد في الوقت ذاته من التطور العلمي والتكنولوجي! وتراجع القيم الروحية والأخلاقية والدينية الصحيحة وصعود إيديولوجية التطرف!
{ إنه عالم من الفانتازيا والخيال الكابوسي غير المتوقع الذي تعيشه البشرية اليوم، وحيث إضافة إلى كل ما سبق أصبحت جرائم الحرب الكبرى والإبادة الجماعية المنقولة على الشاشات مجرد وجهة نظر! وتنفيذ لمعتقدات موضوعة توراتية وتلمودية وإنجيلية، يحتكرها كيان مارق عن البشرية ومعه مافيا صهيونية عالمية! وترعى تلك الرؤى الخرافية أقوى دولة في العالم كما تسمي نفسها، ومعها قائمة من بعض القوى الغربية الاستعمارية الأخرى، التي تثور شعوبها ضدها اليوم بسبب دعمها أو صمتها على الإبادة!
{الغريب أن مرآة غزّة وأحداثها المستمرة والمتحولة منذ ما يقارب العامين تشهد تحولات وتطورات في داخلها كل فترة، ومرآتها تعكس أيضاً تحولات عالمية سواء على مستوى الوعي الشعبي العالمي أو على مستوى الدول! وقد يعتقد البعض أن ما يتم تناوله عن غزة هي مقالات «مكررة»، من دون أن يلاحظ هذا البعض (زوايا التغيير والتحولات المختلفة والمتشعبة لما يحدث على المستوى العربي والإسلامي والدولي)، وفي أغلبها تحولات سلبية للأسف يتم تناولها في تلك المقالات! ومنذ أن قرر الكيان الصهيوني الرد على 7 أكتوبر 2023، بحسب سرديته، فإذا بذلك الرد يشهد بدوره تحولات دراماتيكية بدأت بالتبرير له بأنه «انتقامي» من «حركة حماس»، ولكنه تجاوز ذلك كثيراً، ليتحول الرد إلى نقلات جيواستراتيجية، وبدعاوى دينية توراتية في ظل الصمت الدولي على الإبادة!
{ في البدء وحتى الآن، لم يتوقف الكيان عن الإبادة الجماعية والتجويع والحصار والتطهير العرقي والعمل الدؤوب بكل ذلك، على تهجير الشعب الفلسطيني، وأغلب من تمت إبادتهم من الأطفال والنساء وليس حماس! ثم انتقل المتطرف «نتنياهو» بدعم أمريكي إلى تجسيد فكرة ترامب حول، «ريفييرا الشرق»، ثم وصلت الفكرة إلى احتلال كامل القطاع، ويتم تنفيذ ذلك بمزيد من العدوان! ثم تدحرجت الرؤية الصهيونية المتطرفة إلى تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، وإقامة عدد كبير من المستوطنات الجديدة! وزير المالية الصهيونية «سموتريتش» ومعه الحكومة المتطرفة، يكرر ويكررون أن (الضفة جزء من إسرائيل، ونحن نقيم المستوطنات حتى نقضي على فكرة الدولة الفلسطينية)! وقال معه «نتنياهو» (دولة فلسطينية يعني انتحار إسرائيل)! يكررون ذلك وغيره في حالة تحدٍ أممي لغالبية دول العالم من دون مبالاة! وحين صرح مجرم الحرب «نتنياهو» في 13/8 من هذا الشهر عن النوايا التوسعية الاستعمارية له ولحكومته الإرهابية التي تمثل «الصهيونية الدينية» فإنه لم يكن ليصرح عبثاً، بل يقول علناً إنه في (مهمة روحية وتاريخية دينية)!
{ أخيراً يتضح أن كل ما كنا نحذّر منه عبر سنوات بل عقود، ويحسبه البعض أنه «نظرية مؤامرة» ويحاول البعض الآخر التهوين من حقيقة التصريحات الصهيونية، هو اليوم تهديد وجودي وحقيقي خطير للأمن القومي العربي برمته، كما خصصنا لذلك مقالات عدة، وأن هذا التصريح يعكس نوايا توسعية وعدوانية للعقلية والذهنية الإرهابية المتطرفة! التي تعيش بدعم أمريكي مطلق، في استعادة الرؤى الاستعمارية الجديدة، من خلال تحويل الأساطير والنبوءات إلى إيديولوجية سياسية واستراتيجية للعدوان على سيادة دول عربية مستقلة، تبحث عن السلام والاستقرار، فإذا بها وفي عالم فانتازي وكابوسي تجد نفسها تحت التهديد الوجودي المباشر، من ذات الكيان الذي روج «ترامب» له بأنه يريد السلام وعقد الاتفاقيات الإبراهيمية مع العرب والمسلمين دفعة واحدة وفي مسار زمني متسارع! كيف يتم الدمج بين هذه الرؤى؟ لا أحد يعرف! *ومع انهيار المعايير وتبدلات القيم وانقلاب المنطق الدولي، ومعه انقلاب النظام الدولي، ليتحول إلى غلبة معيار القوة وحده على كل ما عداه! فإن البشرية تعيش اليوم كابوسا تتلاحق فصوله، عنوانه الأساسي غلبة الفكر الأسطوري والخرافي على السياسة الدولية، التي تريد أن تفرضها الولايات المتحدة وربيبتها الصهيونية على المنطقة والعالم كله، في مشهد فانتازي من الاستبداد والدكتاتورية الاستعمارية الجديدة! إنه عالم اليوم يا سادة، وكل شيء حتى الخرافات يتم فرضها بالقوة!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك