عالم يتغير

فوزية رشيد
الإعلام حين يكون مُضللا ومُراوغا!
{ كلنا نعرف تأثير الجانب الإعلامي على الوعي والرأي العام، بل هو تحديدا حين الأزمات الكبرى والحروب يعتبر عاملا حاسما في صناعة الرأي والتأثير على مجرى الأحداث، ويعتبر أحد أهم أسلحة القوة الناعمة، سواء في صياغة المفاهيم والمصطلحات، أو في التأثير الفكري والسيكولوجي! وفي الآونة الأخيرة وحيث المنطقة العربية التي خضعت لمصطلح مفاهيمي مراوغ هو عنونته بـ«الشرق الأوسط»! هذه المنطقة هي منذ عامين بؤرة الأزمة العالمية والدولية وعلى مستوى الشعوب، لأنها لا تزال تعيش تحت تأثيرات وتداعيات «حرب الإبادة الجماعية»! ورغم المآسي المتناسلة في هذه الحرب، لا يزال الإعلام الدولي والعربي منه يكرر المفاهيم والسياقات والسرديات التبريرية، لأنه في الأصل هو خاضع لذات القوى التي أسهمت في تمديد الكارثة التي وصلت إلى التجويع والحصار والتطهير العرقي!
{ في هذا المقال نحاول إلقاء الضوء على دور الإعلام الرسمي بشكل عام في العالم، بما يتعلق بهذه القضية تحديدا، ونفصله عن إعلام وسائل التواصل الإلكتروني الذي يطرح الموضوع بعمق حينا، وبسطحية وإسفاف حينا آخر! إن عنصر التركيز على كيفية طرح الموضوع وهنا موضوع الإبادة الجماعية كمثال يركز في أغلب البرامج الحوارية والإخبارية على التصريحات المراوغة والتضليلية لرؤساء أو مسؤولي الدول من دون الدخول في عمق خلفيات الحدث الكبير.. كيف حدث؟! ولماذا حدث؟! ولماذا هو مستمر حتى الآن؟!
{ الذي يركز عليه الإعلام: قال الرئيس الأمريكي، قال رئيس حكومة الكيان الصهيوني، قال بن غفير، قال سموتريتش، قال الرئيس الفرنسي، قال المسؤول البريطاني، قال المسؤول الألماني، قال فلان وعلان! فيبدأ التحليل لما يقوله هؤلاء يوميا ومن دون الحصول على نتيجة عملية لتأثير ما يتم قوله دبلوماسيا على جوهر الحدث! ولكأن التصريحات الرسمية في جهة وما يحدث على أرض الواقع في فلسطين المحتلة وفي المنطقة في جهة أخرى! ورغم ضجيج المواقف الدبلوماسية فإن الحدث الذي هو الإبادة مستمر ويتصاعد ويتطور، ليصل إلى طرح احتلال القطاع بالكامل! على أرضية ما يعانيه الإنسان طفلا أو امرأة أو شيخا أو شابا من معاناة استثنائية فأين تذهب كل تلك التصريحات؟! وأين تذهب كل تلك التحليلات والعناوين الإخبارية العاجلة وغيرها من فذلكات ضيوف القنوات في الإعلام العالمي والعربي على مدار الشهور الطويلة؟! تذهب في النهاية مع الريح! وقد استهلكت وقت ووعي المشاهدين لتدور القضية الأصلية أو الجوهرية في فراغ المراوغة والتضليل والنفاق الدبلوماسي وتكرار المفاهيم والمصطلحات التسطيحية وكفى الله المؤمنين بالحق والعدالة شرور «الوعي الحقيقي» بما يدور!
{ لا أحد في الإعلام الرسمي العالمي والعربي، إلا فيما ندر، يدخل الأبعاد التاريخية والدينية والأساطير المؤسسة لمجرم الإبادة الجماعية ولماذا هي مستمرة حتى اليوم؟! ولماذا هي خلف كل ما يحدث في المنطقة؟! لا إعلام يركز على عنصرية الفكر التلمودي الصهيوني المتطرف! ولماذا يقول نتنياهو ما يقوله، ولماذا يقول «بن غفير» وسموتريتش ما يقولانه، ولماذا هم مستمرون في فعل ما يريدون فرضه على العالم؟!
{ لا إعلام دولي يتحدث عن ماهية الشركات الكبرى التي أشارت إليها في تقريرها الأممي (فرانشيسكا البانيز) ولماذا تم الضغط عليها وتهديدها مثلما تم تهديد القضاة في محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية!
ما سر هذه الشركات؟! من يحكمها ومن يديرها؟! وكيف هي مستفيدة من استمرار حرب الإبادة والحروب الأخرى في المنطقة العربية وفي العالم؟!
{ الإعلام الدولي والعربي لا يعطي التركيز الكافي حول ما يثار عن رؤساء الولايات المتحدة والدولة العميقة! وحول حقيقة وضع رؤساء أوروبا ودول العالم الصامتة أو المتواطئة أو التي تدين على استحياء ما يقوم به الكيان! لا أحدث يتحدث عن جذور الأزمة التاريخية ودور الغرب الاستعماري واستخباراته في صياغة أزمات وصراعات المنطقة العربية والعالم! وإن تحدثوا في بعض القنوات فالحديث يتسم بالسطحية ومن دون الوصول إلى أعماق «الحكومة الخفية» التي تدير العالم المهترئ اليوم!
{ الإعلام المراوغ والتضليلي لا يركز الضوء على أهداف الماسونية والصهيونية الدولية! ولا عن تأثيرات الشركات الكبرى أيضا في صناعة السياسة الدولية والاقتصاد الدولي! لا أحد في هذا الإعلام يبحث عن الخيوط التي تربط كل أزمات العالم ببعضها بتأثيرات شركات السلاح وشركات الأدوية العالمية وشركات صناعة الأوبئة والفيروسات! لا أحد يعمل على توضيح حقائق «الأيدي الخفية» التي جلعت من العالم كله، وكأنه مسرح عرائس تمسك تلك الأيدي بخيوط حكام العالم والمنظمات الدولية والأممية! وبخيوط صناعة الذكاء الاصطناعي، والقوى الناعمة وكيفية إدارتها وصناعة تأثيراتها على البشرية! الإعلام الدولي أو العالمي لا يناقش لماذا زادت المعلومات وتدهورت المعرفة والثقافة والقيم والتعليم رغم كل التطورات الظاهرية في تلك المجالات!
{ هذه أسئلة من المهم طرحها على الإعلام العالمي ومنه العربي، لمعرفة أسباب التلاعب وآليات التضليل الإعلامي في العالم كله، ومن يتحكم بذلك! ولماذا؟! وكيف؟! ولولا أن هناك وسائل تواصل اجتماعي كان المراد منه المزيد من السيطرة على الوعي العالمي، إلا أن جزءا منه فلت ويفلت كل يوم من آليات صناعة الإعلام الرسمي على مستوى العالم كله! لتحوله الشعوب إلى سلاح جديد يبحث ويصنع الوعي المختلف عن السياقات الرسمية، التي تكرس التخلف أكثر مما تسهم في الوعي! إنها أسئلة تحتاج إلى تعميق أكبر يصلح لدراسة أو بحث مستفيض ليس إلى مجرد مقال!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك