زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن الثراء الوهمي بالاقتراض
تنعم المملكة العربية السعودية بفضل من الله بخير عميم، فصارت دولة ذات رصيد مالي ونقدي يحصنها ضد عاديات الأزمات الاقتصادية العالمية، ويحصِّن أهلها من الفقر. ثم قرأت تقريرا في مجلة فوربس يقول إن إجمالي القروض الخاصة/ الشخصية في السعودية يبلغ نحو مائة وسبعين مليار ريال. هي إجمالي قروض حصل عليها الأفراد من البنوك. وهؤلاء الأشخاص المليارديرات أناس مثلي مثلك، لا تجد في سيماهم أثرا للنعمة، لسبب بديهي وهو ان لقب ملياردير ينطبق عليهم كـ«مجموعة» أما كأفراد فإن معظمهم يعيشون بعض أيام الشهر على الفول الذي قال عنه صديقي رحمه الله غازي القصيبي إنه قوت المفلسين، وقال عنه كارل ماركس إنه أفيون الشعوب النائمة. المهم أن المعلوم هو ان البنوك تقدم القروض للأفراد الطبيعيين بسخاء لأن معظمهم يحرص على سدادها ليحصل على المزيد منها، ولأنهم يرغمونهم على تقديم ضمانات تجعل استرداد الديون منهم ميسورا الى حدٍ ما. (بداهة فإن البنوك تتعامل بسخاء أكبر مع العملاء الاعتباريين وهي الشركات والمؤسسات). وحقيقة الأمر هي ان الاقتراض شديد الإغراء: يكون في جيبك عشرة ريالات وتدخل أحد البنوك وتخرج منه وقد ضاق جيبك بالنقود واضطررت الى حمل بعضه في كيس. والسداد على مدى سنتين او ثلاث او أربع، و... عيش يا حمار.. يمكن تفرج إذا أمطرت السماء ذهبا، ويمكن أموت قبل انقضاء مدة السداد وأهلي ما راح يقصرون، وحتى إذا عجزوا عن السداد، فعلى البنك ان يركب أعلى ما في خيله! (وفي معظم البنوك يصبح القرض كأن لم يكن بوفاة المقترض)
ولكن ماذا فعل الناس بتلك المليارات؟ أستطيع ان أخمن: بعضها استخدم في شراء سيارات من فصيلة بورش وبي ام دبليو او حتى فيراري، وهناك الإجازات الصيفية، حيث صار كثيرون يعتقدون ان السفر الى الخارج في الصيف «سنة مؤكدة»، (بينما قد لا يحفلون بـ«فروض العين» التي لا جدال حولها). وفي الخارج لابد ان يتصرف الانسان العربي بما يليق بسمعته كشخص غني «يلعب بالفلوس»، ويقول للجرسون: خلي الباقي معك. حتى لو كان الباقي يساوي ربع راتب دافع البقشيش. والمحزن ان مبلغا ضخما من تلك القروض يروح لإنعاش اقتصاديات دول معينة في آسيا تروج للسياحة «غير الشريفة». وهناك من يقترض كي يتزوج، ليس بالضرورة لغلاء المهور ولكن لأن «الأهل» يصرون ان تكون الزيجة حديث المجالس، فيرهقون كاهل أبنائهم بنفقات مالية تتبخر خلال 48 ساعة: مجوهرات بالشنطة وحفلات في أفخر القاعات يتم فيها توفير طعام لمئات أو آلاف الأشخاص، (وقد لا ينجح المدعوون في تناول لقمة واحدة بعد ان تشتعل معركة بسبب قيام ضيفة باستخدام كاميرا هاتفها الجوال لرصد وقائع الحفل) ويتزوج اثنان بقرض مصرفي ويبقيان «مرهونين» لدى البنك، فتكون حياتهما الزوجية من بدايتها توترا وكرا وفرا.
وقد عانيت في بداية حياتي العملية من ذل الاقتراض المصرفي، ولم أذق طعم النوم الهانئ إلا بعد ان أقسمت ألا اقترض فلسا من أي مصرف، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث منجيات «وعد منها» القصد «في الغنى والفقر». وعرفت معنى الحكمة السودانية التي تقول الـ«خالي من الدين غني»، بل وصرت أرفض بكل وقاحة أن أضمن شخصا ينوي الاقتراض من مصرف، بعد ان لسعت من ذلك الجحر مرتين. (نكاية بي لم تعد كثير من البنوك تطلب من المقترض أن يأتي بضامن شخصي).
وإذا كانت مواردك المالية محدودة فإني أنصحك بان تلقي ببطاقة الائتمان والاعتماد البلاستيكية في أقرب حفرة مجاري لأنها فخ للديون يقع فيه الناس وهم لا يشعرون.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك