زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
التطبيع مع كرة القدم
أمامي قصاصة من صحيفة أردنية لشهر يونيو من عام 2010، استوقفتني فيها حكاية منسوبة الى وكالة الأنباء الألمانية دي بي إيه، وتتعلق بالسجين الأردني الذي شرع والده في استكمال إجراءات كفالته ليخرج من السجن، (ربما) في انتظار النظر في استئناف حكم السجن الصادر بحقه، فإذا به يقول لأبيه ما معناه: العجلة من الشيطان.. والسجن للرجالة.. وأنا لا أستطيع أن أخون العُشرة وأترك ورائي رجالا صادقتهم في السجن. تساءل الأب ما إذا كان ابنه قد أصيب بخلل في قواه العقلية، إذ كيف يرفض شخص عاقل وبالغ وراشد الخروج من السجن والعودة الى بيت العائلة؟ فكان رد الابن: كل المطلوب يا والدي هو أن تؤجل خروجي من السجن لشهر واحد، وتساءل الأب مجددا: ولماذا بعد شهر؟ قال الابن: بصراحة يا أبي إدارة السجن رتبت لنا مشاهدة كافة منافسات كأس العالم في كرة القدم. وانت عارف أننا ما عندنا في البيت لا دِش للتلفزيون ولا دُش للاستحمام.
لا أظن انه مر أسبوع من دون ان أذكر بطريقة أو أخرى في مقالاتي حساسيتي الشديدة تجاه كرة القدم بالتحديد، ولكنني أعترف اليوم بأنني لم أكن محقا او مصيبا في عدائي لهذه اللعبة، فبكل بساطة لا يمكن ان يكون نحو 3 مليارات شخص مهووس بكرة القدم على خطأ وأنا على حق في كرهي لها! فهي أكثر نشاط إنساني يمارس في كل القارات (ولا يسبقه إلا مجالي الأكل والشرب)، وهي لعبة ديمقراطية، ليس فيها كبير وصغير، ولست بحاجة الى ترتيبات وتجهيزات معينة لتمارسها. تستطيع ان تلعب كرة القدم وانت ترتدي ما تشاء من الملابس (ما عدا العباءة النسائية).. بينما لا تستطيع ان تمارس ألعابا مثل التنس او البيسبول او الملاكمة او الغولف او الفوتبول الامريكي إلا وأنت تملك الملابس والعتاد اللازمين! لا يهم ان تكون أسود أو أبيض أو أصفر. ولا غنيا أو فقيرا.. أغنى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة لا يستطيع فريقها الوطني الصمود لدقائق أمام منتخب الكاميرون، إحدى أفقر دول العالم. وقد تصبح نجما لامعا في بطولات الكرة وطولك يقارب المترين أو فوق المتر بقليل (مارادونا الأرجنتيني.. لا يهم بأي دين تدين.. وهي ديمقراطية لأن كل من يحصل على شيء مكور او مستدير يستطيع الاستمتاع بها: لفافة بلاستيك أو جوارب قديمة أو علبة فارغة.. تتقاذفها الأرجل في ميدان معشب أو ساحة ترابية او ارض مسفلتة أو داخل غرفة (من وراء ظهر ماما).
ومتابعة معظم الألعاب الرياضية تتطلب ثقافة واسعة لأن قوانينها مركبة ومربكة ومعقدة، بينما قوانين كرة القدم في منتهى البساطة: لا تلمس الكرة بيدك ولا ترفس لاعبي الفريق الخصم (بالمناسبة لا أعرف ماذا يفعل معي حكم مباراة كرة لو – مثلا – ضربت لاعبا من فريقي: هل يعطيني الكرت الأحمر ويطردني).. ورغم انني قررت تطبيع العلاقات مع كرة القدم إلا أنني سأظل معارضا للهوس الكروي الذي يقود الى التشابك بالأيدي والسلاح، قبل سنوات تعرض اللاعب الكولمبي أندريه اسكوبار للاغتيال بعد ان سجل هدفا في مرمى فريقه عن طريق الخطأ. وما فعله الغوغائيون خلال لقائي فريقي مصر والجزائر في الخرطوم في عام 2009 جعلني أقول: إلى أي مدى كانت تلك الفئة ستتمادى في ممارساتها الجاهلية لو كان أي من الفريقين يملك متطلبات الصمود في الجولة النهائية من البطولة؟!!!
على كل حال إذا رأيت ولدك يكثر من ركل علبة البيبسي الفارغة داخل البيت، بادر بشراء كرة مطاطية واسمح له بجعل غرفة الجلوس ملعبا.. وإذا كبر وأهمل دروسه بسبب حبه للكرة لا تشتمه او تضربه فقد يأتي يوم يصير فيه راتبه في شهر أكثر من راتبك في ثلاثين سنة وتندم على العمر الذي ضيعته أنت في الفيزياء والمفعول به وخط الاستواء.. لاعب البرتغال كرستيانو رونالدو يكسب في شهر واحد ما يكسبه عشرة استشاريون طبيون في مائة سنة.
بلا طب بلا هندسة بلا بطيخ..

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك