العدد : ١٧٤١٠ - السبت ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤١٠ - السبت ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الكسول لا يصبح مليونيرا

لن‭ ‬تجد‭ ‬الطرف‭ ‬والنكات‭ ‬عن‭ ‬كسل‭ ‬السودانيين‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬ان‭ ‬الخليجيين‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬فبركوا‭ ‬تلك‭ ‬النكات،‭ ‬وربما‭ ‬هي‭ ‬وليدة‭ ‬تنافس‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجاليات‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬الوظائف‭ ‬في‭ ‬الخليج،‭ ‬اي‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬سبب‭ ‬الغيرة‭ ‬على‭ ‬الوجود‭ ‬‮«‬التاريخي‮»‬‭ ‬للسودانيين‭ ‬في‭ ‬وظائف‭ ‬تعتبر‭ ‬‮«‬عالية‮»‬‭. ‬المهم،‭ ‬صار‭ ‬الكسل‭ ‬تهمة‭ ‬‮«‬لابسة‮»‬‭ ‬فينا‭ ‬نحن‭ ‬السودانيين‭ ‬والله‭ ‬يجازي‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬السبب،‭ (‬قل‭ ‬لمن‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬ضايقك‭: ‬الله‭ ‬يجازي‭ ‬اللي‭ ‬كان‭ ‬السبب‭! ‬وسيغضب،‭ ‬مع‭ ‬أنك‭ ‬لم‭ ‬تدع‭ ‬عليه،‭ ‬فالدعاء‭ ‬بذلك‭ ‬النص‭ ‬قد‭ ‬يعني‭ ‬‮«‬يجازيه‭ ‬خيرا‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬تفعل‭ ‬مع‭ ‬العقول‭ ‬التي‭ ‬تختزن‭ ‬معاني‭ ‬معلبة‭ ‬لمفردات‭ ‬وعبارات‭ ‬ذات‭ ‬معان‭ ‬كثيرة‭. ‬قل‭ ‬لصاحبك‭ ‬أثناء‭ ‬الدردشة‭: ‬أبوك‭ ‬الله‭ ‬يرحمه‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭.. ‬وسيقاطعك‭ ‬غاضبا‭: ‬حرام‭ ‬عليك‭ ‬أبوي‭ ‬حي‭ ‬وبألف‭ ‬خير‭!! ‬وهل‭ ‬طلب‭ ‬الرحمة‭ ‬لمن‭ ‬هو‭ ‬حي‭ ‬حرام؟‭ ‬ثم‭ ‬جرب‭ ‬معي‭ ‬اختبار‭ ‬عقلية‭ ‬المعلبات‭ ‬واسأل‭ ‬الجالس‭ ‬قربك‭: ‬يا‭ ‬فلان‭.. ‬أول‭ ‬آية‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬النازعات‭: ‬والنازعات‭ ‬نزعٌ‭ ‬أم‭ ‬نزعا؟‭ ‬في‭ ‬98‭%‬‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬سيأتيك‭ ‬الجواب‭ ‬السريع‭: ‬النازعات‭ ‬نزعا‭!! ‬وبما‭ ‬أنك‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ‭ ‬من‭ ‬ضحايا‭ ‬المعلبات‭ ‬والمصطلحات‭ ‬الجاهزة‭ ‬فإنني‭ ‬أنبهك‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬والنازعات‭ ‬غرقا‮»‬‭).‬

المهم‭: ‬محمد‭ ‬ابراهيم‭ ‬سوداني‭ ‬يقيم‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬حيث‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬مو‭ ‬إبراهيم‭ ‬وهو‭ ‬نوبي‭ ‬مثلي،‭ ‬ذهب‭ ‬محمد‭ ‬الى‭ ‬بريطانيا‭ ‬للدراسات‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬الهندسة‭ ‬الكهربائية،‭ ‬ثم‭ ‬التحق‭ ‬بشركة‭ ‬الاتصالات‭ ‬البريطانية‭ ‬كمهندس‭ ‬ثم‭ ‬صار‭ ‬صاحب‭ ‬عدة‭ ‬شركات‭ ‬اتصالات،‭ ‬ولديه‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القارات،‭ ‬وكان‭ ‬مو‭ ‬قد‭ ‬أثار‭ ‬غضبي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2007،‭ ‬عندما‭ ‬خصص‭ ‬جائزة‭ ‬مالية‭ ‬قدرها‭ ‬5‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭ ‬للرئيس‭ ‬الإفريقي‭ ‬الذي‭ ‬يترك‭ ‬الكرسي‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬ولايته‭ ‬بدون‭ ‬حركات‭ ‬قرعة‭ ‬وبدون‭ ‬أن‭ ‬يهبش‭ ‬ويخمش‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬حكمة‭!! ‬غضبت‭ ‬لأنني‭ ‬كنت‭ ‬أولى‭ ‬بتلك‭ ‬الملايين،‭ ‬ومنذ‭ ‬طرح‭ ‬الجائزة‭ ‬قبل‭ ‬4‭ ‬سنوات‭ ‬لم‭ ‬يفز‭ ‬بها‭ ‬سوى‭ ‬رئيس‭ ‬موزمبيق‭ ‬الأسبق،‭ ‬وفستوس‭ ‬موجاي‭ ‬رئيس‭ ‬بوتسوانا‭ ‬الأسبق‭. ‬وأنا‭ ‬متأكد‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬ينالها‭ ‬رئيس‭ ‬إفريقي‭ ‬آخر‭ ‬خلال‭ ‬العشرين‭ ‬سنة‭ ‬التالية‭: ‬معقولة‭ ‬زعيم‭ ‬إفريقي‭ ‬عنده‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬وأزواج‭ ‬بناته‭ ‬يتحكمون‭ ‬في‭ ‬الصادرات‭ ‬والواردات،‭ ‬وعشيقته‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬إيرادات‭ ‬الجمارك‭ ‬يضع‭ ‬عينه‭ ‬على‭ ‬ملايينك‭ ‬الخمسة‭ ‬يا‭ ‬محمد‭ ‬ويضحي‭ ‬بكل‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬الخير»؟‭ ‬غضبت‭ ‬لأنه‭ ‬لو‭ ‬أعطاني‭ ‬بلدياتي‭ ‬مو‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬فقط‭ ‬لا‭ ‬غير‭.... ‬كنت‭ ‬سويت‭ ‬الهوايل‭.‬

المهم‭ ‬بارك‭ ‬الله‭ ‬لمحمد‭ ‬في‭ ‬ماله‭ ‬فقد‭ ‬جمعه‭ ‬باستخدام‭ ‬عقله‭ ‬الاستشرافي‭ ‬حيث‭ ‬انتبه‭ ‬لكون‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرة‭ ‬أكثر‭ ‬حاجة‭ ‬من‭ ‬الغنية‭ ‬الى‭ ‬شبكة‭ ‬الهواتف‭ ‬النقالة‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬أصلا‭ ‬بنى‭ ‬تحتية‭ ‬للهواتف‭ ‬الأرضية‭ ‬ولأن‭ ‬الشبكات‭ ‬النقالة‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬الى‭ ‬تمديدات‭ ‬او‭ ‬بطيخ‭: ‬فقط‭ ‬بدالات‭ ‬مركزية‭ ‬وأبراج‭.. ‬وقامت‭ ‬شركته‭ ‬بتزويد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬بشبكات‭ ‬الهواتف‭ ‬الجوالة‭ ‬ويشهد‭ ‬له‭ ‬الجميع‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬استغلاليا‭ ‬بل‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬التنموية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬تبرعا‭ ‬من‭ ‬حر‭ ‬ماله‭.. ‬فكان‭ ‬طبيعيا‭ ‬ان‭ ‬ينضم‭ ‬الى‭ ‬قائمة‭ ‬أغنى‭ ‬أغنياء‭ ‬العالم‭ ‬وأن‭ ‬يحتل‭ ‬المركز‭ ‬الـ15‭ ‬بين‭ ‬الأثرياء‭ ‬العرب‭!! ‬شخص‭ ‬كسلان‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬ان‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭.‬

ولكن‭ ‬بيني‭ ‬وبينكم‭ ‬‭ ‬وبدون‭ ‬زعل‭ ‬وحساسيات‭ ‬يا‭ ‬سودانيين‭ ‬‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬محمد‭ ‬ابراهيم‭ (‬مو‭) ‬سينجح‭ ‬في‭ ‬دنيا‭ ‬المال‭ ‬والأعمال‭ ‬لو‭ ‬ظل‭ ‬سودانيا‭ ‬و«بس»؟‭ ‬أقصد‭ ‬أن‭ ‬مو‭ ‬صار‭ ‬بريطانيا‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬ومارس‭ ‬نشاطه‭ ‬التجاري‭ ‬والهندسي‭ ‬كبريطاني،‭ ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬يتمتع‭ ‬بروح‭ ‬ابن‭ ‬البلد‭ ‬الأصيل‭ ‬وشديد‭ ‬الاعتزاز‭ ‬بجذوره‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬خواجة‮»‬‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬جوانب‭ ‬حياته‭ ‬خاصة‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالانضباط‭ ‬والترتيب‭ ‬واستثمار‭ ‬الوقت‭!! ‬هل‭ ‬كان‭ ‬سيدخل‭ ‬قائمة‭ ‬الأثرياء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬لو‭ ‬جاء‭ ‬بملايينه‭ ‬الى‭ ‬السودان‭ ‬‭ ‬مثلا‭ ‬‭ ‬قبل‭ ‬25‭ ‬سنة‭ ‬لاستثمارها؟‭ ‬أشك‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬تجربة،‭ ‬فبعد‭ ‬ان‭ ‬أصبحت‭ ‬‮«‬شخصيا‮»‬‭ ‬مليونيرا‭ ‬عندما‭ ‬صار‭ ‬الدولار‭ ‬يساوي‭ ‬نحو‭ ‬6000‭ ‬جنيه‭ ‬سوداني‭ ‬ذهبت‭ ‬الى‭ ‬السودان‭ ‬بملاييني‭ ‬وبعد‭ ‬شهر‭ ‬واحد‭ ‬عدت‭ ‬‮«‬مديونا‮»‬‭.. ‬وبحمد‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬مليونيرا‭ ‬بالجنيه‭ ‬السوداني‭ ‬وأظن‭ ‬ان‭ ‬ترتيبي‭ ‬بين‭ ‬أثرياء‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬العشرة‭ ‬الأوائل‭ ‬‭ ‬العشرة‭ ‬ملايين‭ ‬الأوائل‭!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا