العدد : ١٧٤١٠ - السبت ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤١٠ - السبت ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

واكتشفت أنني معتل

نعم،‭ ‬اكتشفت‭ ‬أنني‭ ‬معلول‭ ‬أي‭ ‬أعاني‭ ‬وتحديدا‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬نفسي‭ ‬لا‭ ‬شفاء‭ ‬منه،‭ ‬ولا‭ ‬عزاء‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬المرض،‭ ‬لأنني‭ ‬لست‭ ‬ممن‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الموت‭ ‬مع‭ ‬الجماعة‭ ‬عرس‮»‬،‭ ‬وأحسست‭ ‬بأعراض‭ ‬المرض‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬ولكنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬له‭ ‬اسما،‭ ‬بل‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬أنه‭ ‬مرض،‭ ‬حتى‭ ‬قرأت‭ ‬تقريرا‭ ‬للصحفي‭ ‬البريطاني‭ ‬مراد‭ ‬أحمد‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬تايمز‭ ‬عدد‭ ‬26‭ ‬أغسطس‭ ‬المنصرم،‭ ‬استند‭ ‬فيه‭ ‬الى‭ ‬مسح‭ ‬واستطلاع‭ ‬أجرته‭ ‬شركة‭ ‬ون‭ ‬بول‭ ‬OnePoll‭ ‬البريطانية‭ ‬كشف‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬نصف‭ ‬سكان‭ ‬بريطانيا‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬الوساوس‭ ‬والقلق،‭ ‬إذا‭ ‬فات‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يحملوا‭ ‬هواتفهم‭ ‬النقالة‭ ‬وهم‭ ‬خارج‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬مكان‭ ‬العمل،‭ ‬وأن‭ ‬82%‭ ‬منهم‭ ‬يفتحون‭ ‬تطبيق‭ ‬واتساب‭ ‬فور‭ ‬مغادرة‭ ‬السرير‭ ‬صباحا‭. ‬وأن‭ ‬26%‭ ‬منهم‭ ‬يتفقدون‭ ‬بريدهم‭ ‬الالكتروني‭ ‬الرسمي‭ ‬أي‭ ‬المتعلق‭ ‬بالعمل‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭ ‬وأن‭ ‬42%‭ ‬لا‭ ‬يطفئون‭ ‬المصابيح‭ ‬قبل‭ ‬النوم‭ ‬قبل‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬محتويات‭ ‬الموبايل‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬عبر‭ ‬الوسائط‭ ‬المعروفة‭ ‬وعبر‭ ‬البلاوي‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬مع‭ ‬الهواتف‭ ‬الذاكية‭ ‬مثل‭ ‬الواتساب‭ ‬والفايبر‭ ‬والتلغرام‭ ‬ومسنجر‭.‬

والمرض‭ ‬او‭ ‬القلق‭ ‬او‭ ‬الهلع‭ ‬الذي‭ ‬يلازم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬مفارقة‭ ‬هاتفه‭ ‬الجوال‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬نوموفوبيا‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬اختصار‭ ‬لعدة‭ ‬كلمات‭ ‬إنجليزية‭ ‬هي‭: ‬nomophobia‭ ‬وهي‭ ‬اختصار‭ ‬لـno‭ ‬mobile‭ ‬phone‭ ‬phobia‭ ‬

وتعني‭ ‬رهاب‭ ‬افتقاد‭ ‬التلفون‭. ‬ورغم‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬لحين‭ ‬من‭ ‬الدهر،‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬خصوم‭ ‬الموبايل‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬صار‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬حياتي‭ ‬بدرجة‭ ‬أنني‭ ‬احمله‭ ‬معي‭ ‬حتى‭ ‬إلى‭ ‬الحمام‭. ‬يعني‭ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تأهب‭ ‬قصوى‭ ‬لاتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬بضرب‭ ‬مفاعل‭ ‬نووي‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬أو‭ ‬التوسط‭ ‬بين‭ ‬بريطانيا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬لحل‭ ‬نزاعهم‭ ‬حول‭ ‬جبل‭ ‬طارق،‭ ‬أو‭ ‬لاتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬ببيع‭ ‬75‭ ‬سبيكة‭ ‬ذهب‭ ‬عيار‭ ‬95‭ ‬قيراطا‭ ‬مودعة‭ ‬في‭ ‬بنك‭ ‬لويدز‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬لأن‭ ‬البروكر‭ (‬الوسيط‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الأوراق‭ ‬المالية‭) ‬قد‭ ‬ينصحني‭ ‬بذلك‭. ‬والله‭ ‬اليوم‭ ‬فقط‭ ‬تركت‭ ‬هاتفي‭ ‬في‭ ‬المكتب،‭ ‬وتذكرت‭ ‬ذلك‭ ‬وأنا‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬أمتار‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬فقمت‭ ‬بحركة‭ ‬لـ‮«‬الخلف‭ ‬در‮»‬،‭ ‬وعدت‭ ‬الى‭ ‬المكتب‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬ذروة‭ ‬حركة‭ ‬المرور،‭ ‬وضممت‭ ‬الهاتف‭ ‬الى‭ ‬صدري‭ ‬ثم‭ ‬تصفحت‭ ‬محتوياته‭ ‬واكتشفت‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬‮«‬عَبَّرني‮»‬‭ ‬بمكالمة‭ ‬او‭ ‬رسالة،‭ ‬ولم‭ ‬يحز‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬نفسي،‭ ‬بل‭ ‬يحز‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬أنني‭ ‬أصبت‭ ‬بالنوموفوبيا،‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬من‭ ‬أقل‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬استخداما‭ ‬للهواتف‭ ‬أرضية‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬جوالة‭.‬

والمصيبة‭ ‬هي‭ ‬أنني‭ ‬أعرف‭ ‬فقط‭ ‬نحو‭ ‬20%‭ ‬من‭ ‬استخدامات‭ ‬الآيفون‭ ‬الذي‭ ‬أحمله،‭ ‬فـ«إيش‭ ‬حال‮»‬‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬‮«‬فاهم‭ ‬وبلبل‮»‬‭ ‬في‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وأعرف‭ ‬كما‭ ‬أسلفت‭ ‬أن‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬حولي‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬النوموفوبيا،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬عزاء‭ ‬لي،‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬التعود‭ ‬على‭ ‬أشياء‭ ‬ليست‭ ‬ذات‭ ‬نفع‭ ‬شديد‭. ‬الشاي‭ ‬مثلا،‭ ‬أحبه‭ ‬جدا،‭ ‬ولا‭ ‬يعجبني‭ ‬شاي‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬يدي،‭ ‬ولكنني‭ ‬لا‭ ‬أحرص‭ ‬على‭ ‬شربه‭ ‬في‭ ‬مواعيد‭ ‬معلومة‭ ‬ومحددة،‭ ‬وقد‭ ‬أشرب‭ ‬شاي‭ ‬الصباح‭ ‬في‭ ‬السادسة‭ ‬أو‭ ‬العاشرة‭ ‬صباحا،‭ ‬ثم‭ ‬أشرب‭ ‬قبل‭ ‬الغداء‭ ‬كوبين‭ ‬منه‭ ‬بحسب‭ ‬التساهيل،‭ ‬وكأي‭ ‬سوداني‭ ‬أصيل‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬‮«‬شاي‭ ‬العصرية‮»‬،‭ ‬ويكون‭ ‬عادة‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬المساء،‭ ‬ولكنني‭ ‬قد‭ ‬أشربه‭ ‬في‭ ‬الرابعة‭ ‬والنصف‭ ‬أو‭ ‬السادسة‭ ‬والنصف‭ ‬مساء،‭ ‬تفاديا‭ ‬لما‭ ‬سمعت‭ ‬آخرين‭ ‬يشكون‭ ‬منه‭ ‬بسبب‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬الشاي‭: ‬الصداع‭ ‬والزهج‭ ‬والنرفزة‭. ‬ولأنني‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يشرب‭ ‬القهوة‭ ‬بانتظام‭ ‬يدمنها‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أشرب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أكواب‭ ‬قهوة‭ ‬في‭ ‬السنة‭ (‬ليس‭ ‬بينها‭ ‬القهوة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬يذكرني‭ ‬طعمها‭ ‬بدواء‭ ‬السعال‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬المستوصف‭ ‬الطبي‭ ‬البائس‭ ‬في‭ ‬بلدتنا‭ ‬على‭ ‬أيام‭ ‬طفولتي‭).‬

وبما‭ ‬أن‭ ‬الشفاء‭ ‬من‭ ‬النوموفوبيا‭ ‬يتطلب‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الموبايل‭ ‬فمعنى‭ ‬ذلك‭ ‬أنني‭ ‬سأظل‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬المرض‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أفارق‭ ‬الدنيا‭ ‬أو‭ ‬أصاب‭ ‬بالخرف‭ ‬المبكر‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا