زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
واكتشفت أنني معتل
نعم، اكتشفت أنني معلول أي أعاني وتحديدا من مرض نفسي لا شفاء منه، ولا عزاء لي في أن هناك مئات الملايين من البشر يعانون من نفس المرض، لأنني لست ممن يعتقدون أن «الموت مع الجماعة عرس»، وأحسست بأعراض المرض منذ سنوات، ولكنني لم أكن أعرف له اسما، بل لم أكن أعرف أنه مرض، حتى قرأت تقريرا للصحفي البريطاني مراد أحمد في جريدة تايمز عدد 26 أغسطس المنصرم، استند فيه الى مسح واستطلاع أجرته شركة ون بول OnePoll البريطانية كشف عن أن نصف سكان بريطانيا يعانون من الوساوس والقلق، إذا فات عليهم أن يحملوا هواتفهم النقالة وهم خارج البيت أو مكان العمل، وأن 82% منهم يفتحون تطبيق واتساب فور مغادرة السرير صباحا. وأن 26% منهم يتفقدون بريدهم الالكتروني الرسمي أي المتعلق بالعمل وهم في بيوتهم وأن 42% لا يطفئون المصابيح قبل النوم قبل الاطلاع على محتويات الموبايل من رسائل عبر الوسائط المعروفة وعبر البلاوي الجديدة التي ظهرت مع الهواتف الذاكية مثل الواتساب والفايبر والتلغرام ومسنجر.
والمرض او القلق او الهلع الذي يلازم كل من لا يستطيع مفارقة هاتفه الجوال يحمل اسم نوموفوبيا ، وهي اختصار لعدة كلمات إنجليزية هي: nomophobia وهي اختصار لـno mobile phone phobia
وتعني رهاب افتقاد التلفون. ورغم أنني كنت لحين من الدهر، من أشد خصوم الموبايل إلا أنه صار جزءا من حياتي بدرجة أنني احمله معي حتى إلى الحمام. يعني ما شاء الله أبو الجعافر يجب أن يبقى في حالة تأهب قصوى لاتخاذ قرار بضرب مفاعل نووي في إيران، أو التوسط بين بريطانيا وإسبانيا لحل نزاعهم حول جبل طارق، أو لاتخاذ قرار ببيع 75 سبيكة ذهب عيار 95 قيراطا مودعة في بنك لويدز في لندن، لأن البروكر (الوسيط في سوق الأوراق المالية) قد ينصحني بذلك. والله اليوم فقط تركت هاتفي في المكتب، وتذكرت ذلك وأنا على بعد أمتار من البيت فقمت بحركة لـ«الخلف در»، وعدت الى المكتب في ساعة ذروة حركة المرور، وضممت الهاتف الى صدري ثم تصفحت محتوياته واكتشفت أنه ما من شخص «عَبَّرني» بمكالمة او رسالة، ولم يحز ذلك في نفسي، بل يحز في نفسي أنني أصبت بالنوموفوبيا، رغم أنني من أقل خلق الله استخداما للهواتف أرضية كانت أم جوالة.
والمصيبة هي أنني أعرف فقط نحو 20% من استخدامات الآيفون الذي أحمله، فـ«إيش حال» لو كنت «فاهم وبلبل» في التكنولوجيا، وأعرف كما أسلفت أن الملايين من حولي يعانون من النوموفوبيا، ولكن ذلك لا يمثل عزاء لي، لأنني لا أحب التعود على أشياء ليست ذات نفع شديد. الشاي مثلا، أحبه جدا، ولا يعجبني شاي إلا من صنع يدي، ولكنني لا أحرص على شربه في مواعيد معلومة ومحددة، وقد أشرب شاي الصباح في السادسة أو العاشرة صباحا، ثم أشرب قبل الغداء كوبين منه بحسب التساهيل، وكأي سوداني أصيل فلابد من «شاي العصرية»، ويكون عادة في أول المساء، ولكنني قد أشربه في الرابعة والنصف أو السادسة والنصف مساء، تفاديا لما سمعت آخرين يشكون منه بسبب الحرمان من الشاي: الصداع والزهج والنرفزة. ولأنني أعرف أن من يشرب القهوة بانتظام يدمنها فإنني لا أشرب أكثر من ثلاثة أكواب قهوة في السنة (ليس بينها القهوة العربية التي يذكرني طعمها بدواء السعال الذي كان المستوصف الطبي البائس في بلدتنا على أيام طفولتي).
وبما أن الشفاء من النوموفوبيا يتطلب التخلص من الموبايل فمعنى ذلك أنني سأظل أعاني من المرض إلى أن أفارق الدنيا أو أصاب بالخرف المبكر.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك