عالم يتغير

فوزية رشيد
متى تكفّر بريطانيا عن جريمتها التاريخية في فلسطين؟!
{ التاريخ لا ينسى، والشعوب لا تنسى، مهما تقادم الزمن أو تطاول! ولعل أكثر دولة تركت بصمات كارثية على دول العالم في حقبة توسعها الاستعماري القديم هي بريطانيا، التي كانت يوماً ما لا تغيب عنها الشمس لاتساع رقعة الجغرافيا العالمية، التي رضخت لاحتلالها! وأكثر لعبة استعمارية مارستها بريطانيا الاستعمارية هي نظرية (فرق تسد) وتقسيم الدول، ولذلك حتى بعد أن كانت تضطر للخروج من الدول المستعمَرة (بفتح الميم الثانية) كانت تترك الخلافات والانقسامات على الحدود!
{ ولكن أخبث وأخطر ما قامت به بريطانيا على الاطلاق هو بما يخص فلسطين التاريخية! موطن الكنعانيين العرب الأوائل قبل الميلاد بآلاف السنين، وموطن الأجيال العربية اللاحقة أو الفلسطينيين، رغم توافد أشكال مختلفة من الاستعمارات عليها! وما كان اليهود القلائل الذين وفدوا إليها إلا أحد أشكال تلك الاحتلالات! ومن المفترض أنها زالت كغيرها! إلا أن «الأساطير والخرافات الصهيونية» عملقت ذلك التواجد ومجدّته! واعتبرت بحسب (السردية التلمودية الصهيونية) أن فلسطين هي أرض الميعاد، وبما تداخل مع تلك السردية من تلفيق ديني وقومي (حيث اليهودية دين وليست قومية)! حتى جاءت بريطانيا 1917 لتتبنى تلك السردية المخادعة بوعد بلفور المعروف! ثم بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين 1948! وحيث في عام 1947 تبنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين التي كانت آنذاك تحت «الانتداب البريطاني» إلى دولتين مستقلتين، إحداهما يهودية والأخرى عربية! وفي العام التالي تم إعلان قيام دولة الكيان الصهيوني في ظل رفض عربي شامل!
{ منذ نهايات القرن التاسع عشر شجعت بريطانيا باحتيال الصهيونية على هجرة يهودية إلى فلسطين، وهم اليهود الهاربون من الاضطهاد الأوروبي في ظل «المسألة اليهودية» التي كانت تسبب الأرق في الدول الأوروبية، وأرادوا التخلص من اليهود بتصديرهم إلى فلسطين وبتشجيع من الوكالة اليهودية الصهيونية! وهذا ما شجع «بلفور» على إعطاء وعده الصهيوني كحل للمسألة المؤرقة عام 1917! وحين تم إصدار قرار التقسيم في 1947 وبعدها قيام دولة الكيان برعاية بريطانية – غربية، ارتكبت العصابات الصهيونية مثل عصابة «الهاجاناه» وعصابة «شتيرن» وغيرهما المجازر لإجبار الفلسطينيين على الخروج من وطنهم، وحيث لجأ بعضهم إلى لبنان وآخرون إلى سوريا والأردن وغيرها ومفاتيحهم معهم للعودة إلى بيوتهم بعد فترة، ليظل الأمل في العودة يراوح مخيلتهم حتى الوقت الراهن، أي منذ 77 عاماً!
{ بريطانيا الاستعمارية التي تسببت في اغتصاب فلسطين وتهجير أهلها، كانت طوال العقود الماضية أكبر داعم للكيان ولوجوده ولجرائمه سواء في فلسطين أو في المنطقة! وعلى مدى العقود السابقة أيدت الغالبية العظمى من المجتمع الدولي مبدأ «حل الدولتين» بعد استسلام العرب والفلسطينيين للأمر الواقع المفروض بمنطق القوة! وبعد فشل الحروب والمحاولات لاستعادة فلسطين كأرض عربية تم اغتصابها استعمارياً، وبأساطير ومرويات صهيونية تلمودية من جانب! وكقاعدة عسكرية متقدمة في المنطقة العربية، تخدم الأهداف الاستعمارية الغربية لمنع أي وحدة عربية، وإضعاف الدول العربية وصناعة الأزمات والصراعات والحروب، التي تستنزفها لتظل دائماً في حالة ضعف أمام هذا الكيان الصهيوني الغريب والنشاز على المنطقة وشعوبها!
{ الآن وقد تكشفت الصهيونية العالمية ومركزها الكيان الصهيوني، وأظهرت وجهها القبيح في حرب الإبادة في غزة، وهي الإبادة الجماعية غير المسبوقة تاريخياً والمنقولة على الهواء مباشرة! وفاقت كل الإيديولوجيات المتطرفة والارهابية كالنازية والفاشية، وتحت الضغط الشعبي في أوروبا وأمريكا ومنها في بريطانيا، فإن (الفرصة متاحة لكي تكفر بريطانية عن جريمتها التاريخية التي أتاحت لليهود حق إقامة دولة الاحتلال، ولو بجزء أولي من هذا التكفير وهو الاعتراف غير المشروط بإقامة دولة فلسطينية)، استنادا إلى قرارات الأمم المتحدة، ومنها قرار التقسيم الذي تبناه «الانتداب البريطاني» نفسه آنذاك! واعتماد الوثيقة الختامية لمؤتمر «حل الدولتين» الذي انعقد مؤخراً في نيويورك، حتى يقضي الله بعد ذلك أمراً كان مفعولاً!
{ خاصة أن العرب ومنذ المبادرة العربية 2002 قبلوا جماعياً بالتسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين! وعلى رئيس الوزراء البريطاني (كير ستارمر) أن يدرك أن الصحوة الغربية والعالمية تجاه الإبادة الجماعية، التي يمارسها الكيان اللقيط، الذي أوجدته بريطانيا وأوجده الغرب، هذه الصحوة لن تتوقف! بل وصلت إلى حدّ نبذ كل سلوكيات الكيان الإجرامية ونبذ الإيديولوجية الصهيونية نفسها وعلى رأسها «التلمودية» المفبركة، التي تعمل على ابتلاع كامل فلسطين هذه المرة! وهي الجريمة الكبرى التي نشأت على أرضية ما ارتكبته بريطانيا من جريمة في حق سرقة فلسطين من شعبها بمنطق قوة الانتداب البريطاني والغربي! أما أن يقول (ستارمر) ان الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجب أن يكون (جزءاً من خطة أكثر شمولاً) فعليه أن يراجع
موقف بلده الاستعماري تاريخياً، الذي قام بتأسيس الكيان الصهيوني على أساس التقسيم في 1947 إلى دولتين مستقلتين إحداهما يهودية والأخرى عربية!
{ والعرب والفلسطينيون الذين دارت بهم دوائر الخداع الغربي وعلى رأسه البريطاني منذ قرن التاسع عشر ومنذ الثورة العربية الكبرى لإسقاط الدولة العثمانية! ثم وعد بلفور، وبعده اتفاقية سايكس - بيكو، ثم كل الأزمات والصراعات والحروب، التي عملت عليها المخابرات البريطانية والأمريكية والموساد! ارتأوا كدول عربية أخيراً الرضوخ للأمر الواقع بوجود الكيان الصهيوني الغريب في الأرض العربية، والغريب أن بريطانيا مثلما أعطت «وعد بلفور» وأقامت الكيان، بإمكانها اليوم أن تقبل كبداية بالحلّ العربي الدولي ومن دون شروط بتأسيس دولة فلسطينية، علّها تكفر عن «بعض» جرائمها في فلسطين والمنطقة!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك