العدد : ١٧٣٤٦ - الجمعة ١٩ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٤٦ - الجمعة ١٩ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

أين الإنسانية؟! أين الضمير العالمي؟!

{‭ ‬أين‭ ‬الإنسانية؟‭ ‬أين‭ ‬الضمير‭ ‬العالمي؟‭!‬

هذا‭ ‬السؤال‭ ‬سألناه‭ ‬مراراً‭ ‬وتكراراً‭ ‬طوال‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬والتي‭ ‬أرهقت‭ ‬ضمائر‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬إنساني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭! ‬لأنه‭ ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬مرآة‭ ‬غزة‭ ‬كشفت‭ ‬أنماطاً‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬يقفون‭ ‬أمامها‭ ‬ولكنهم‭ ‬لا‭ ‬يحملون‭ ‬من‭ ‬الإنسانية‭ ‬تجاه‭ ‬الإبادة‭ ‬بالتجويع‭ ‬والتعطيش‭ ‬أي‭ ‬شيء‭! ‬أي‭ ‬شعور‭! ‬وسنبقى‭ ‬نكتب‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬الإنسانية‭ ‬طالما‭ ‬هي‭ ‬مستمرة،‭ ‬بل‭ ‬وتتفاقم‭ ‬مشاهدها‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭! ‬وحيث‭ ‬كل‭ ‬موضوع‭ ‬آخر‭ ‬يقف‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬الملحمية،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تختبر‭ ‬البشرية‭ ‬مثلها‭ ‬قط،‭ ‬نقول‭ ‬كل‭ ‬موضوع‭ ‬آخر‭ ‬يقف‭ ‬متوارياً‭ ‬في‭ ‬الخلف‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الأهمية‭! ‬ولذلك‭ ‬مشاركة‭ ‬ضحايا‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬المستمرة،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬بالكتابة‭ ‬والشعور،‭ ‬هو‭ ‬أضعف‭ ‬الأيمان،‭ ‬وكنا‭ ‬نتمنى‭ ‬لو‭ ‬باليد‭ ‬فعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭ ‬يوقف‭ ‬هذه‭ ‬المقتلة‭ ‬اليومية‭! ‬التي‭ ‬نرى‭ ‬فيها‭ ‬صوراً‭ ‬لأطفال‭ ‬مقطعة‭ ‬أجسادهم،‭ ‬وضامرة‭ ‬حتى‭ ‬العظام،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬نرَ‭ ‬قط‭!‬

{‭ ‬أين‭ ‬الإنسانية؟‭! ‬أين‭ ‬الضمير‭ ‬العالمي؟‭! ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬من‭ ‬يصرخ‭ ‬بالسؤالين‭ ‬هو‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬أنطونيو‭ ‬جوتيريش‮»‬‭! ‬الذي‭ ‬عبر‭ ‬عن‭ ‬صدمته‭ ‬الجمعة‭ ‬الماضية‭ ‬فيما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬واصفاً‭ ‬إياها‭ ‬بالأزمة‭ ‬‮«‬الأخلاقية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تتحدى‭ ‬الضمير‭ ‬العالمي‭! ‬مبديا‭ ‬دهشته‭ ‬واستغرابه‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬عبر‭ ‬الفيديو‭ ‬لمنظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬تفسير‭ ‬مدى‭ ‬اللامبالاة‭ ‬والتقاعس‭ ‬الذي‭ ‬نراه‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬وانعدام‭ ‬التعاطف،‭ ‬انعدام‭ ‬الحقيقة،‭ ‬انعدام‭ ‬الإنسانية‮»‬‭!‬

مستشارة‭ ‬‮«‬الاستجابة‭ ‬الإنسانية‭ ‬والسياسات‭ ‬بمنظمة‭ ‬أوكسفام‮»‬‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬‮«‬نور‭ ‬شواف‮»‬‭ ‬عبرت‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬الجمعة‭ ‬الماضية‭ ‬عن‭ ‬صدمتها‭ ‬تجاه‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬مؤداها‭ ‬أن‭ (‬المنظومة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الدولية‭ ‬انهارت‭ ‬بأكملها‭ ‬في‭ ‬غزة‭) ‬ونقول‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭!‬

برنامج‭ ‬الغذاء‭ ‬العالمي‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬له‭ ‬صدر‭ ‬بدوره‭ ‬الجمعة‭ ‬الماضية‭: (‬إن‭ ‬ثلث‭ ‬سكان‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬لم‭ ‬يتناولوا‭ ‬وجبة‭ ‬طعام‭ ‬واحدة‭ ‬عدة‭ ‬أيام‭ ‬متتالية‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬العدد‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭ ‬ممن‭ ‬يموتون‭ ‬جوعاً‭ ‬وعطشاً،‭ ‬ومعظمهم‭ ‬أطفال‭ ‬ورُضع‭ ‬ونساء‭ ‬حوامل‭! ‬والفيديوهات‭ ‬والبيانات‭ ‬الموثقة‭ ‬لا‭ ‬تكذب‭ ‬بل‭ ‬تكشف‭ ‬حجم‭ ‬الفظائع‭!‬

{‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬المأساوي‭ ‬الكارثي‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يُحرك‭ ‬شعرة‭ ‬في‭ ‬من‭ ‬يتبنى‭ ‬الرواية‭ ‬الصهيونية‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الرواة‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬تخلوا‭ ‬عن‭ ‬مشاعرهم‭ ‬تجاه‭ ‬كارثة‭ ‬غزة،‭ ‬ويرددون‭ ‬أن‭ ‬سبب‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬هو‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬وفقط‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬تجاوز‭ ‬خلال‭ ‬العامين‭ ‬المنصرمين‭ ‬أي‭ ‬تبرير‭ ‬للوحشية‭ ‬غير‭ ‬الإنسانية‭ ‬وغير‭ ‬المسبوقة‭!‬

وللهمجية‭ ‬التي‭ ‬مارس‭ ‬فيها‭ ‬الكيان‭ ‬حرب‭ ‬إبادته‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬ومعهم‭ ‬فلسطينيو‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬التي‭ ‬أقرّ‭ ‬‮«‬الكنيست‭ ‬الصهيوني‮»‬‭ ‬مؤخراً‭ ‬سيادة‭ ‬‮«‬الكيان‮»‬‭ ‬عليها‭ ‬وتوسيع‭ ‬رقعة‭ ‬الاستيطان‭ ‬فيها‭ ‬لضمها‭ ‬بالكامل‭! ‬فهل‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬توجد‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬أيضاً،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬فعل‭ ‬التطهير‭ ‬العِرقي‭ ‬ومخطط‭ ‬التهويد‭ ‬الكامل‭ ‬لكل‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬بإبادة‭ ‬شعبها‭ ‬هو‭ ‬الخط‭ ‬المنهجي‭ ‬الذي‭ ‬يسير‭ ‬عليه‭ ‬الكيان‭ ‬منذ‭ ‬77‭ ‬عاماً‭ ‬وقبل‭ ‬أي‭ ‬وجود‭ ‬لحماس؟‭! ‬والمفارقة‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬المتصهينين‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الصهيونجية‭ ‬الجديدة‮»‬‭! ‬يرددون‭ ‬ذات‭ ‬الأسطوانة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬التي‭ ‬ملأ‭ ‬الكيان‭ ‬بها‭ ‬أسماع‭ ‬السذج‭ ‬وأصحاب‭ ‬‮«‬الغباء‭ ‬الأخلاقي‮»‬‭. ‬كما‭ ‬وصفه‭ ‬مؤرخ‭ ‬‮«‬إسرائيلي‮»‬‭ ‬هو‭ ‬‮«‬إيلان‭ ‬بابيه‮»‬‭! ‬

تخيلوا‭ ‬حين‭ ‬يتفوق‭ ‬يهود‭ ‬ضد‭ ‬ممارسات‭ ‬الإبادة‭ ‬أخلاقياً‭ ‬ومن‭ ‬داخل‭ ‬الكيان‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬المفكرين‭ ‬والمثقفين‭ ‬أو‭ ‬المتثاقفين‭ ‬العرب؟‭!‬

وقد‭ ‬تكون‭ ‬لنا‭ ‬وقفة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬هذا‭ ‬المفكر‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬حول‭ ‬الغباء‭ ‬الأخلاقي‮»‬‭ ‬في‭ ‬فيديو‭ ‬مصور‭!‬

{‭ ‬العالم‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬سقط‭ ‬كله‭ ‬أمام‭ ‬مرآة‭ ‬غزة‭ ‬الكاشفة‭ ‬لكل‭ ‬الزوايا‭ ‬والخبايا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬المهترئ‭ ‬بكل‭ ‬مؤسساته‭ ‬ومنظماته‭ ‬وقادته‭! ‬دخل‭ ‬اليوم‭ ‬مع‭ ‬التجويع‭ ‬كسلاح‭ ‬إبادة،‭ ‬هُوة‭ ‬عميقة‭ ‬وانحداراً‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬التاريخ،‭ ‬في‭ ‬أطول‭ ‬حصار‭ ‬وإبادة‭ ‬دامت‭ ‬22‭ ‬شهراً‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬تاريخياً‭ ‬قط‭! ‬ليشاهد‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬أزمته‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تتحدى‭ ‬الضمير‭ ‬العالمي،‭ ‬وحيث‭ ‬بات‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬عارياً‭ ‬أمام‭ ‬الحقيقة‭ ‬المفزعة‭: ‬أنه‭ ‬فقد‭ ‬إنسانيته‭! ‬وأصبحت‭ ‬الحقيقة‭ ‬المؤلمة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬علكة‭ ‬في‭ ‬فم‭ ‬العديد‭ ‬بل‭ ‬والغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬العالم‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬الذين‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬فقدوا‭ ‬إنسانيتهم،‭ ‬بل‭ ‬إنهم‭ ‬يمارسون‭ ‬ذلك‭ ‬الفقد‭ ‬بكل‭ ‬وحشية‭ ‬شيطانية،‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يدعمون‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬بالسلاح‭ ‬والمال‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬والإعلام‭!‬

ويرددون‭ ‬كالببغاوات‭ ‬تبريرات‭ ‬سخيفة‭ ‬وسمجة‭ ‬لوحشية‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بأنه‭ ‬دفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬وعن‭ ‬أمنه‭!‬

ولذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لدى‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬غير‭ ‬إحساسه‭ ‬بالصدمة‭ ‬والدهشة‭ ‬من‭ ‬انعدام‭ ‬الإنسانية‭! ‬وانعدام‭ ‬الضمير‭ ‬العالمي‭ ‬انعدام‭ ‬الحقيقة‭! ‬ولكن‭ ‬للأسف‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الشهادات‭ ‬والتصريحات‭ ‬لا‭ ‬تحرك‭ ‬البحيرة‭ ‬الدولية‭ ‬الآسنة‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬إلى‭ ‬حجارة‭ ‬ثقيلة‭ ‬يتم‭ ‬قذفها‭ ‬فيها‭ ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬من‭ ‬يسبحون‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬العالم‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا