عالم يتغير

فوزية رشيد
مصر والخليج وإدارة الأزمات والمخاطر!
{ كتبنا سابقاً حول الفوضى ومنها السياسية التي تسود العالم في هذه المرحلة، وتم تتويجها حرب الإبادة على غزة والعدوان «الإسرائيلي» على إيران! في الوقت الذي تتصاعد فيه الخشية الخليجية والعربية من معاودة الكيان الصهيوني للحرب، بما تمتدّ آثاره وتبعاته على الخليج العربي والمنطقة سواءً في جوانبها العسكرية أو البيئية أو الاقتصادية بل وعلى العالم! ولذلك كانت إدانة دول الخليج العربي واضحة ضد هذه الحرب، في الوقت الذي تنشد فيه دول المنطقة وشعوب العالم وقف حرب الإبادة في غزة والوصول إلى حلّ للقضية الفلسطينية وهو ما يعارضه الكيان الصهيوني!
{ في ندوة التجمع الوطني مع عدد من المشاركين طرحت جزءًا من رؤيتي حول أحداث المنطقة والسلوكيات الاحتلالية والعدائية للكيان الصهيوني، باعتباره القاعدة المتقدمة للغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة بالأمس واليوم، والتي تتماهى إدارتها مع المنظور الصهيوني حول «الشرق الأوسط الجديد»! وتمارس من خلاله كافة أشكال الضغوط، لإحداث التغيير المطلوب الذي من خلاله يهيمن الكيان الصهيوني على المنطقة، وليس على فلسطين وحدها! وسواء عبر حروب جديدة في المنطقة، أو عبر تطبيع يتم فرضه بصيغة «اتفاقيات تطبيع» جديدة التي تختلف حولها الرؤى الخليجية والعربية عن الرؤى التي يريد تجسيدها الكيان الصهيوني! وسواء بما يخص إثارة حرب أو حروب جديدة في المنطقة بدفع من الكيان والمجمّع الصناعي العسكري الأمريكي والغربي، أو عبر فرض السلام بالصيغة التي يريدها الكيان، ويؤيدها «ترامب»! فإن الهدف في النهاية هو الهيمنة وتحقيق سيادة الكيان على مجمل المنطقة، كما يحلم الصهاينة!
{ في هذا المخاض الصعب الذي تواجهه دول الخليج ومصر باعتبارهما (الناجيتان) من المخططات السابقة للفوضى، والتي بدأت باحتلال العراق وما تبعه، ثم «الخريف العربي» وما أنتجه، فإن هدف خلخلة الاستقرار والتنمية وعرقلة الخروج من بوتقة الأزمات والصراعات السائدة، وبالتالي مواصلة إضعاف الدول العربية، هو الهدف الذي تسعى إليه المنظومة الصهيونية والكيان اللقيط! خاصة أن مشروع الإضعاف لدول المنطقة قديم وبدأ منذ بدايات القرن الماضي في مؤتمر لندن 1907، وتواصل من سايكس بيكو الأول إلى احتلال فلسطين 1948، ثم تعرّض المنطقة لمشاريع ثلاثة (الإخوان، إيران، الكيان الصهيوني)، لينتج صراع المشاريع إلى هدف استفراد مشروع واحد هو مشروع الهيمنة والتوسع الصهيوني، في ظل حروب فكرية ومعنوية ودينية وتاريخية وسياسية مستمرة!
{ الخليج العربي ومصر، أكثر من غيرهما من دول المنطقة العربية مطالبتان بوضع استراتيجية لإدارة الأزمات والمخاطر المستجدة، بعد إضعاف إيران، التي كما يبدو واضحاً، انتهى دور نظام «الملالي» فيها وفي المنطقة، ولذلك التهديد من الحرب القادمة عليها، ليس فقط لاستكمال الضربات على المواقع النووية، وإنما لإسقاط النظام الإيراني! وهي محاولة للغرب الصهيوني بإعادة تدوير بؤرة الأزمات والصراع والخلخلة لاستقرار الخليج بثوب جديد!
وكل ذلك استعدادًا للحرب الكبرى التي يتم الترويج لها بين أمريكا والصين عام 2027، خاصة إذا قامت الصين بضم «تايوان» في ذلك العام كما يقول الأمريكيون!
{ من أسس إدارة المخاطر الجديدة هو التأكيد الخليجي والمصري على الحياد بين القوى الكبرى، وهو ما شرعت فيه دولنا قبل فترة، ولعل التحالف الإقليمي بشكل تكتيكي بين الخليج ومصر من جهة وإيران من جهة أخرى، بإمكانه أن يُفشل مخططات إثارة الصراع الطائفي وهذه المرة بين الدول وليس الشعوب كما هي رغبة الكيان!
ولعل الموقف السعودي من التطبيع وربطه اشتراطيا بحل الدولتين هو موقف مهم، خاصة لما للسعودية من ثِقل خليجي وعربي وإقليمي ودولي، إلى جانب ثقلها المعروف دينياً، خاصة أيضاً أن التطبيع مع عدو استراتيجي ثبت أنه هو الأبرز في خطورته بالأمس والآن في ظل رؤيته التوراتية التوسعية، لن تكون نتائجه مثمرة كما يتصور البعض!
{ إن إرباك الحسابات الصهيونية في المنطقة والتي تقودها الولايات المتحدة، رغم الادعاءات «الترامبية» هي من أسس إدارة الأزمات الخطيرة الراهنة، وحيث إدارة المال والاستثمار الخليجي كعامل ضغط على الشراهة المالية الأمريكية، إن تم إدارتها جيداً قد تثمر عرقلة للمخططات الصهيونية، خاصة أن المنطقة على وشك تحوّل استراتيجي، يحتاج إلى رؤية خليجية عربية سواء لمواجهة المخاطر أو لكيفية إدارة تلك المخاطر! والهدف الحقيقي هو الاستقرار الإقليمي والاستقرار الداخلي لدولنا، والذي لن يتحقق إلا بتعديل إيران لرؤيتها السابقة! ولجم الكيان الصهيوني عن تطلعاته التوسعية! والبناء العربي للذات والاعتماد عليها في كل المناحي، هو ما يجب أن تتجه إليه قوى التفكير الخليجي! فلا أحد سيحمي دولها والمنطقة إلا بالاعتماد على النفس أولاً وأخيراً! خاصة أن العالم الجديد الذي يتشكل نحو التعددية ومجموعة «بريكس» مجرد خطوة أولى نحوه، لا يحترم إلا الدول القوية بكل معايير القوة، لتشكل مسارها الجديد ضدّ سيطرة نظام دولي أخذت ملامح تدهوره تتضح في جوانب كثيرة!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك