العدد : ١٧٢٦٥ - الاثنين ٣٠ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٦٥ - الاثنين ٣٠ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ محرّم ١٤٤٧هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

تمّ توجيه البوصلة بنجاح بعيداً عن غزة!

{‭ ‬لكأننا‭ ‬في‭ ‬حلم‭ ‬أو‭ ‬كابوس‭! ‬أو‭ ‬أننا‭ ‬داخل‭ ‬لعبة‭ ‬افتراضية‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي،‭ ‬حيث‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬أدخل‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬طفراته‭ ‬الخيالية‭ ‬وهو‭ ‬يصيغ‭ ‬أحداث‭ ‬المنطقة،‭ ‬تتلاحق‭ ‬الصور‭ ‬المرعبة‭ ‬في‭ ‬الحفل‭ ‬الدموي‭ ‬لحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬والمستمرة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬شهراً،‭ ‬بين‭ ‬مجازر‭ ‬جماعية‭ ‬وتدمير‭ ‬كليّ‭ ‬للقطاع‭ ‬وصور‭ ‬الأطفال‭ ‬الجوعى‭ ‬الذين‭ ‬يأكلون‭ ‬التراب،‭ ‬والآخرين‭ ‬المشوهّة‭ ‬أجسادهم‭ ‬بفعل‭ ‬القتل‭ ‬اليومي‭ ‬المستمر،‭ ‬الذي‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬العشرات‭ ‬وأكثر‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬فإذا‭ ‬بالشاشة‭ ‬فجأة‭ ‬تتوقف‭ ‬وتظهر‭ ‬صورة‭ ‬مشوشة،‭ ‬إيذاناً‭ ‬بمشهد‭ ‬آخر‭!‬

فقد‭ ‬انتقل‭ ‬الحدث‭ ‬فجأة‭ ‬إلى‭ ‬بدء‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬إيران‭! ‬هكذا‭ ‬تلاشت‭ ‬كاميرات‭ ‬نقل‭ ‬الحدث‭ ‬عن‭ ‬غزة‭ ‬لتنتقل‭ ‬إلى‭ ‬الأكشن‭ ‬الجديد‭ ‬حول‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وإيران‭!‬

{‭ ‬لكأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يمسك‭ ‬بالبوصلة‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬أحداث‭ ‬المنطقة‭! ‬فما‭ ‬إن‭ ‬تصاعد‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬ضدّ‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وتكاثرت‭ ‬مواقف‭ ‬وتصريحات‭ ‬مسؤولين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وفنانين‭ ‬ومفكرين‭ ‬لتوضيح‭ ‬بشاعة‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬وصل‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬‮«‬56‭ ‬ألف‮»‬‭ ‬شهيد‭ ‬غالبيتهم‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬والأطفال‭ ‬والنساء،‭ ‬بحسب‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬واعتبرتها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أرقاماً‭ ‬موثوقة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬استخدام‭ ‬التجويع‭ ‬كسلاح‭ ‬والمساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬لمصائد‭ ‬لطرائد‭ ‬الجوع،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬قتل‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬550‭ ‬جائعًا‭ ‬منذ‭ ‬أواخر‭ ‬مايو‭ ‬وحتى‭ ‬الآن،‭ ‬وأثناء‭ ‬محاولتهم‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مساعدات‭ ‬قرب‭ ‬مراكز‭ ‬التوزيع‭!‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬تصاعد‭ ‬استهداف‭ ‬وقتل‭ ‬الصحفيين‭ ‬والإعلاميين‭ ‬والنازحين‭ ‬بأوامر‭ ‬الجيش‭ ‬الصهيوني‭! ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وفجأة‭ ‬وكأن‭ ‬الحدث‭ ‬‮«‬انتهى‮»‬،‭ ‬تم‭ ‬تغيير‭ ‬وجهة‭ ‬البوصلة‭ ‬عنه‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬الكيان‭ ‬وإيران،‭ ‬لينتقل‭ ‬الكادر‭ ‬الإعلامي‭ ‬العالمي‭ ‬والعربي‭ ‬بالكامل‭ ‬إلى‭ ‬ملاحقة‭ ‬وقائع‭ ‬الحدث‭ ‬الجديد،‭ ‬فيما‭ ‬استمرت‭ ‬الإبادة‭ ‬والقتل‭ ‬بالعشرات‭ ‬والمئات‭ ‬يومياً‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬بتجاهل‭ ‬إعلامي‭ ‬واضح‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الفارق‭ ‬الوحيد‭!‬

{‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬تصريحات‭ ‬قادة‭ ‬الكيان‭ ‬مستمرة‭ ‬حول‭ ‬مواصلة‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وعدم‭ ‬وقف‭ ‬الحرب،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الصرخات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬توقيت‭ ‬تصاعد‭ ‬تلك‭ ‬الصرخات،‭ ‬وفي‭ ‬توقيت‭ ‬قرب‭ ‬بدء‭ (‬مؤتمر‭ ‬دولي‭) ‬كان‭ ‬من‭ ‬المقرر‭ ‬عقده،‭ ‬وتقوده‭ ‬السعودية‭ ‬وفرنسا‭ ‬للاعتراف‭ ‬العالمي‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وحل‭ ‬الدولتين‭! ‬ما‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬حرب‭ ‬الـ12‭ ‬يوماً‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬تبادل‭ ‬الضربات‭ ‬بين‭ ‬الكيان‭ ‬وإيران،‭ ‬وانكشاف‭ ‬حجم‭ ‬التوغل‭ ‬الاستخباراتي‭ ‬والتجسسي‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬وعدم‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬اليورانيوم‭ ‬المخصب‭ ‬بدرجة‭ ‬عالية،‭ ‬بل‭ ‬ما‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬التهميش‭ ‬لمكابدات‭ ‬وعذابات‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬ومعهم‭ ‬الضفة،‭ ‬رغم‭ ‬استمرار‭ ‬المذابح‭ ‬والمجازر‭ ‬اليومية‭! ‬وتراجع‭ ‬الطرح‭ ‬العالمي‭ ‬حول‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭!‬

{‭ ‬والأغرب‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬من‭ ‬إبادة‭ ‬وتهديد‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬المنطقة،‭ ‬فإن‭ ‬الحديث‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬الترامبي‮»‬‭ ‬أعاد‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬‮«‬الاتفاقيات‭ ‬الإبراهيمية‮»‬‭.‬

ودخول‭ ‬عدد‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬سجل‭ ‬التطبيع‭! ‬وكأن‭ ‬الأحداث‭ ‬المتناقضة‭ ‬لا‭ ‬يُراد‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تتوقف،‭ ‬فالفيلم‭ ‬ساري‭ ‬المفعول‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬النقلات‭ ‬الدراماتيكية‭ ‬من‭ ‬حدث‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ترك‭ ‬فرصة‭ ‬للعالم‭ ‬لكي‭ ‬يتنفس‭ ‬أو‭ ‬يفكر‭ ‬أو‭ ‬يتخذ‭ ‬موقفاً‭ ‬واضحاً‭ ‬مما‭ ‬يجرى‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬أحداث‭! ‬والسؤال‭: ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬السلام‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة؟

{‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬السلام‭ ‬ولا‭ ‬يريد‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬البشعة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬جاهز‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬للتصعيد‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬المنطقة،‭ ‬وحيث‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬توقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬المتبادل‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬إيران‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬وضع‭ ‬لبنان‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬شن‭ ‬الغارات‭ ‬الكثيفة‭ ‬مجدداً،‭ ‬ومارس‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬القتل‭ ‬في‭ ‬غزة‭!‬

{‭ ‬هكذا‭ ‬يتم‭ ‬التلاعب‭ ‬بالوعي‭ ‬العالمي،‭ ‬وهكذا‭ ‬يتم‭ ‬ترويضه‭ ‬لتقبُّل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬قبوله‭! ‬وهكذا‭ ‬تُغير‭ ‬بوصلة‭ ‬الأحداث‭ ‬وجهتها‭ ‬كل‭ ‬مرة‭! ‬وهكذا‭ ‬تصبح‭ ‬الإبادة‭ ‬المستمرة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬شهراً‭ ‬مجرد‭ ‬حدث‭ ‬عادي‭ ‬وكأن‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬حدث‭ ‬أو‭ ‬يحدث‭! ‬ولكأن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬وبالعشرات‭ ‬والمئات‭ ‬وبينهم‭ ‬أطفال‭ ‬كثر،‭ ‬يموت‭ ‬يومياً‭! ‬وكأن‭ ‬بمجرد‭ ‬تهميش‭ ‬الحدث‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬القنوات‭ ‬الدولية‭ ‬والعربية،‭ ‬فإن‭ ‬الحدث‭ ‬قد‭ ‬انتقل‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬تعداد‭ ‬روتيني‭ ‬لأرقام‭ ‬من‭ ‬استشهدوا‭! ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬المأساة‭ ‬أيضاً‭!‬

إنها‭ ‬لعبة‭ ‬التلاعب‭ ‬بسيكولوجية‭ ‬الجماهير،‭ ‬وكيفية‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها،‭ ‬وتوجيه‭ ‬وعيها،‭ ‬ليصبح‭ ‬المشهد‭ ‬عادياً‭ ‬مهما‭ ‬تخلله‭ ‬من‭ ‬رعب‭ ‬ووحشية،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬يدمن‭ ‬البعض‭ ‬أفلام‭ ‬الرعب‭ ‬ويدخل‭ ‬منطقة‭ ‬تخدير‭ ‬الإحساس‭ ‬والمشاعر‭ ‬الطبيعية‭ ‬من‭ ‬خلالها‭! ‬عالم‭ ‬بالفعل‭ ‬غريب‭ ‬بل‭ ‬ومرعب‭ ‬ومخدّر‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا