عالم يتغير

فوزية رشيد
تمّ توجيه البوصلة بنجاح بعيداً عن غزة!
{ لكأننا في حلم أو كابوس! أو أننا داخل لعبة افتراضية من أفلام الخيال العلمي، حيث هناك من أدخل الرعب في طفراته الخيالية وهو يصيغ أحداث المنطقة، تتلاحق الصور المرعبة في الحفل الدموي لحرب الإبادة في غزة، والمستمرة منذ أكثر من 20 شهراً، بين مجازر جماعية وتدمير كليّ للقطاع وصور الأطفال الجوعى الذين يأكلون التراب، والآخرين المشوهّة أجسادهم بفعل القتل اليومي المستمر، الذي يتراوح بين العشرات وأكثر كل يوم، فإذا بالشاشة فجأة تتوقف وتظهر صورة مشوشة، إيذاناً بمشهد آخر!
فقد انتقل الحدث فجأة إلى بدء الحرب على إيران! هكذا تلاشت كاميرات نقل الحدث عن غزة لتنتقل إلى الأكشن الجديد حول الحرب بين الكيان الصهيوني وإيران!
{ لكأن هناك من يمسك بالبوصلة في توجيه أحداث المنطقة! فما إن تصاعد الرأي العام العالمي ضدّ الإبادة في غزة، وتكاثرت مواقف وتصريحات مسؤولين في العالم وفنانين ومفكرين لتوضيح بشاعة ما يتم من قتل وصل حتى الآن إلى أكثر من «56 ألف» شهيد غالبيتهم العظمى من المدنيين والأطفال والنساء، بحسب وزارة الصحة في غزة، واعتبرتها الأمم المتحدة أرقاماً موثوقة، إلى جانب استخدام التجويع كسلاح والمساعدات الإنسانية لمصائد لطرائد الجوع، حيث تم قتل ما يقارب 550 جائعًا منذ أواخر مايو وحتى الآن، وأثناء محاولتهم الحصول على مساعدات قرب مراكز التوزيع!
إلى جانب تصاعد استهداف وقتل الصحفيين والإعلاميين والنازحين بأوامر الجيش الصهيوني! كل ذلك وفجأة وكأن الحدث «انتهى»، تم تغيير وجهة البوصلة عنه إلى الحرب بين الكيان وإيران، لينتقل الكادر الإعلامي العالمي والعربي بالكامل إلى ملاحقة وقائع الحدث الجديد، فيما استمرت الإبادة والقتل بالعشرات والمئات يومياً في غزة، ولكن هذه المرة بتجاهل إعلامي واضح وهذا هو الفارق الوحيد!
{ الغريب أن تصريحات قادة الكيان مستمرة حول مواصلة الإبادة في غزة وعدم وقف الحرب، رغم كل الصرخات الشعبية في العالم، بل إن العدوان على إيران جاء في توقيت تصاعد تلك الصرخات، وفي توقيت قرب بدء (مؤتمر دولي) كان من المقرر عقده، وتقوده السعودية وفرنسا للاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية وحل الدولتين! ما نتج عن حرب الـ12 يوماً ليس فقط ما انعكس على تبادل الضربات بين الكيان وإيران، وانكشاف حجم التوغل الاستخباراتي والتجسسي في إيران، وعدم القضاء على اليورانيوم المخصب بدرجة عالية، بل ما نتج عنه هو هذا التهميش لمكابدات وعذابات أهل غزة ومعهم الضفة، رغم استمرار المذابح والمجازر اليومية! وتراجع الطرح العالمي حول حل الدولتين!
{ والأغرب وفي ظل كل ما يقوم به الكيان الصهيوني من إبادة وتهديد أمن واستقرار المنطقة، فإن الحديث الأمريكي «الترامبي» أعاد إلى الواجهة «الاتفاقيات الإبراهيمية».
ودخول عدد آخر من الدول العربية في سجل التطبيع! وكأن الأحداث المتناقضة لا يُراد لها أن تتوقف، فالفيلم ساري المفعول من حيث النقلات الدراماتيكية من حدث إلى آخر، من دون ترك فرصة للعالم لكي يتنفس أو يفكر أو يتخذ موقفاً واضحاً مما يجرى حوله من أحداث! والسؤال: كيف يكون السلام بعد حرب الإبادة؟
{ الكيان الصهيوني لا يريد السلام ولا يريد إنهاء الحرب البشعة في غزة، بل هو جاهز طوال الوقت للتصعيد في ملفات المنطقة، وحيث ما إن توقف إطلاق النار المتبادل بينه وبين إيران سرعان ما وضع لبنان في صورة شن الغارات الكثيفة مجدداً، ومارس المزيد من القتل في غزة!
{ هكذا يتم التلاعب بالوعي العالمي، وهكذا يتم ترويضه لتقبُّل ما لا يمكن قبوله! وهكذا تُغير بوصلة الأحداث وجهتها كل مرة! وهكذا تصبح الإبادة المستمرة منذ أكثر من 20 شهراً مجرد حدث عادي وكأن لا شيء حدث أو يحدث! ولكأن لا أحد وبالعشرات والمئات وبينهم أطفال كثر، يموت يومياً! وكأن بمجرد تهميش الحدث على شاشات القنوات الدولية والعربية، فإن الحدث قد انتقل من كونه جرائم الحرب إلى مجرد تعداد روتيني لأرقام من استشهدوا! وهنا تكمن المأساة أيضاً!
إنها لعبة التلاعب بسيكولوجية الجماهير، وكيفية السيطرة عليها، وتوجيه وعيها، ليصبح المشهد عادياً مهما تخلله من رعب ووحشية، تماماً كما يدمن البعض أفلام الرعب ويدخل منطقة تخدير الإحساس والمشاعر الطبيعية من خلالها! عالم بالفعل غريب بل ومرعب ومخدّر!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك