عالم يتغير

فوزية رشيد
حرب الاثني عشر يوما ودروس المستقبل!
{ كما بدأت الحرب بعدوان مفاجئ من جانب الكيان الصهيوني على إيران فجر 13/6 الجاري، فإنها انتهت بإعلان مفاجئ فجر 25/6 من الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»! في هذه الحرب لا يهم كثرة التفاصيل والأوصاف والمسميات التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام بشكل عام! لا يهمني شخصيا إن كان ما حدث مسرحية أو عبثية أو سريالية أو خدعة! المهم هو حجم تأثيرها على أمن واستقرار الخليج والمنطقة، بل وعلى العالم، في حال لو كانت قد انفلتت بتداعياتها أو توسعت بأدواتها العسكرية، أو استمرت في انعكاسها على شعوب الخليج والإقليم وهم الذين لا ناقة لهم ولا جمل في كل ما حدث! فلماذا يدفعون ثمن مخططات أو مواجهات تكشف بعضها على ألسنة قيادات صهيونية لتبرير الحرب ويبقى بعضها في الخفاء خلف الدهاليز المظلمة!
{ ما حدث في حرب الـ12 يوما هو حدث غير عادي ومفاجئ وكشف الكثير من خفايا الصراع الجيوستراتيجي على المستوى الإقليمي والدولي! مثلما كشف المنطلقات العقدية والتاريخية المريضة! كما كشف الثغرات في الدفاع الإسرائيلي والدفاع الإيراني وقوة الجانبين وهشاشة استعراضات تلك القوة بين النظرية والواقع.
وبالمقابل كشف ثغرات غياب المشروع الخليجي العربي الموحد حين يتعرض الخليج أو تتعرض المنطقة لعبث العابثين ونزوات المؤزّمين واللاعبين على إثارة الصراعات والمخاطر الاستراتيجية حين يتم حشرنا فيها من دون إرادتنا ومن دون قرار منا في الدخول في الحرب من عدمه! وكأن المنطقة مرتهنة لصراعات الآخرين من دون وضع حساب لنتائجها الكارثية علينا! أو لكأن المنطقة ساحة مفتوحة لإرادات الآخرين!
{ وحتى لا نضيع في الجزئيات والهوامش، وما تداخل مع هذه الحرب القصيرة من مشاهد بدت أقرب إلى الحرب الممسرحة! فلننظر إلى المشهد في الخليج والمنطقة بمنظار يكبر الصورة ولو قليلا، بعيدا عن الخلافات الدائرة حول مدى نجاح ضرب المشروع النووي الإيراني من عدمه، وحول توقعات سقوط «نظام الملالي» بعد أن تراجع إلى الخلف قرار إسقاطه كهدف! وحول غموض ضرب المنشآت النووية وتسريب اليورانيوم المخصب إلى منطقة آمنة أو دولة أخرى! وحول عدم مشروعية العدوان على إيران سواء من الكيان أو أمريكا! وحول عدم تحقق النوايا الإيرانية بضرب المصالح والقواعد في المنطقة أو الدول الأخرى، وخاصة مع الضربة الهزلية على قاعدة العديد في قطر، وما أثير حولها من تساؤلات ولغط ووساطة قطرية بمجرد انتهاء الضربة لقبول إيران بوقف الحرب بحسب العرض الأمريكي! إلى جانب ما تم رصده من خسائر في الأرواح والمنشآت والمباني في الكيان الصهيوني وفي إيران.. إلى آخر تلك التفاصيل التي فجرتها الحرب الغرائبية ذات الاثني عشر يوما ومنها من انتصر ومن انهزم وكلا الطرفين احتفلا بالنصر!
{ في اعتقادي أن المواجهة بين المشروع الصهيوني ومشروع الملالي لم ينته بعد بمجرد وقف إطلاق النار الذي أعلنه ترامب! اللعبة الاستراتيجية الجديدة والمعلنة على لسان قادة الكيان وقادة الولايات المتحدة الأمريكية هي رسم جديد لخارطة الشرق الأوسط ككل، بحيث تكون الغلبة الكلية والنهائية فيها لسيادة الكيان الصهيوني! وهذا ما لم تكتمل خطوطه التنفيذية بعد! وخارطة نتنياهو التي حملها في يديه في الأمم المتحدة وتصريحاته وتصريحات أعضاء إرهابيين ومتطرفين في حكومته والنبوءات التوراتية التي يتغنون بها ليل نهار تدلل على ذلك!
{ هو انتهاء جولة وهناك بعد جولات أخرى لا يعرف أحد كيف سيتم تنفيذيها لاحقا لتبقى المنطقة على كف العفريت الدموي!
عجائبية المشهد تدلل أيضا على أن المسألة ليست محكومة أو ملتزمة بأي منطق أو حتى بأي احترام لأي قانون دولي وخلافه من المبادئ الدولية! بل بكيان يفاجئ العالم ببدء حرب كان أحد سيناريوهاتها أن تصبح حربا كبرى أو شاملة ومفتوحة! وبين رئيس دولة كبرى يدعم العدوان ثم يُنهي الحرب بإعلان!
{ العالم الذي لم يخرج بعد من صدمة الإبادة الجماعية الطويلة في غزة تم إدخاله فجأة في صدمة العدوان على إيران بما حمله من تداعيات خطيرة على الخليج والمنطقة، وحيث تم إقحام دولنا في انعكاساته على أمنها واستقرارها وكأن لا أهمية لموقفها الرافض والمضاد لهذه الحرب إلا بقدر ما يقرر الكيان الصهيوني أو الرئيس الأمريكي ارتهانا لتضرر مصالحه في المنطقة!
{ هذا يعيد إلى الأذهان أهمية الاتحاد الخليجي والإسراع به، وأهمية تفعيل «الدفاع العربي المشترك» لأن المصيرين الخليجي والعربي هما واحد في ظل مخاطر الحلف العسكري والاستراتيجي بين أمريكا والغرب وبين الكيان الذي هو في حقيقته قاعدة متقدمة ووظيفية لأجندات الاستعمار الغربي!
هذا وبعد ما اتضح من نزوات القائمين على حرب الـ12 يوما، لا بد من تفكير خليجي عربي جاد ليكون مستعدا بشكل (ذاتي) لأي طارئ مستقبلي آخر، وليكون موازيا للحلف الذي يهدد منطقتنا ويعبث بها متى ما شاء وكيفما شاء! وإلا فما هو قادم قد يغير خرائطنا أيضا!
{ إذًا السؤال المهم نعيده وهو هل انتهت المخاطر والتداعيات الخطيرة لعبثية الحروب المفاجئة وأنماطها المستقبلية؟! الجواب بالطبع لا! هل تم القضاء الفعلي على المشروع النووي الإيراني عالي التخصيب؟ وعلى المشروع العقدي الذي هو جزء من دستور إيران؟! وهل صراع الكيان الصهيوني وسعيه لتحقيق «الحكومة التلمودية العالية» مع سعي إيران لتحقيق «الدولة المهدوية العالمية» انتهى؟! أم أن حرب المستقبل بدعم الغرب وأمريكا تسير وفق تصورات ونبوءات وخرافات عقدية يؤمن بها الكيان والصهاينة والمسيحية الإنجيلية؟! لا بد من وضع الخليج والعرب تصوراتهم في مواجهة كيان يعمل على ابتلاع جغرافيتهم استنادا إلى خرافاتهم العقدية! وهذا هو المهم في دروس حرب الـ12 يوما!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك