عالم يتغير

فوزية رشيد
التدخل الأمريكي وغموض الضربة على «فوردو»!
{ كان إعلان الولايات المتحدة فجر يوم 22 الأحد الماضي الانتهاء من ضربة قاصمة على ثلاثة مراكز نووية هي «فوردو ونطنز وأصفهان» إعلانا غير متوقع ربما لكل الإعلام العالمي والمجتمع الدولي! رغم أن من يعرف الرئيس ترامب تاجر الصفقات بما فيها السياسية يدرك أن ما يقوله خطابا سرعان ما يناقضه على أرض الواقع! فهو الذي وفي عز الضربات العسكرية المتبادلة بين طهران وتل أبيب أعطى مهلة أسبوعين ليقرر الضربة على فوردو بالقنابل الخارقة B2 ولكنه سرعان ما اختزل الأسبوعين في يومين! لتتضارب بعدها التحليلات حول تبعات تلك الضربة وخاصة على موقع فوردو النووي الواقع تحت الصخور الجبلية بمسافة قدّرها البعض بنحو 800 متر تحت الأرض وهناك تقديرات متضاربة بشأن ذلك ولذلك قيل أنها تحتاج إلى جانب قنابل B2 الخارقة والمخترقة للصخور إلى قنبلة نووية تكتيكية لكي تصل إلى أعماق المفاعل النووي! ولذلك ما أن تم إعلان إتمام الضربة بشكل مفاجئ وعلى لسان الرئيس الأمريكي حتى حبس الجميع أنفاسه خوفا من أي تسرب إشعاعي للدول المحيطة بإيران ومنها دول الخليج والخوف من ردات الفعل الإيرانية وضرب المصالح العالمية ولكن مع توالي الساعات تكشف الأمر عن وجود غموض ما أحاط بما حدث!
{ الغموض بدأ مع ردة الفعل الإيرانية على نجاح الضربة وتبادل التهنئة بين ترامب ونتنياهو، ليقول الجانب الإيراني إن اليورانيوم المخصب لم يكن موجودا في المواقع الثلاثة! وأن تدمير المنشآت تلك لم يلحق أي ضرر ببرنامجها النووي! بل إن عراقجي وزير الخارجية الإيراني صرح من إسطنبول بأن إيران لن تتخلى عن برنامجها النووي هذا، بل هو من حقها وأن العدوان الصهيوني للكيان ومثله الدخول الأمريكي هو مجرد خرق للقانون الدولي ولبنود الوكالة الدولية النووية والتي التزمت بها إيران، وأن الولايات المتحدة خرقت الخطوط الحمراء بالنسبة إلى إيران، وأن الحرب قد بدأت الآن! وهدد الحرس الثوري الإيراني باستهداف المصالح والقواعد الأمريكية في أي مكان توجد فيها!
{ إلى جانب التصريح الإيراني بسلامة اليورانيوم المخصب وتهريبه قبل يومين من الضربة جاءت صور الأقمار الصناعية لتبين وكأن الأضرار التي لحقت بموقع فوردو النووي وهو الأكبر والأهم لتبدو وكأنها إصابات بالإمكان إصلاحها وهو ما صرح به الجانب الإيراني أيضا! بل إن شهود عيان في قم وقريبا من موقع فوردو قالوا إن ما حدث لم يكن كما يصوره الإعلام العالمي والجانبان الأمريكي والإسرائيلي! وهنا تتشابك خيوط اللغز! كيف تم تسريب اليورانيوم المخصب قبل يومين والأقمار الصناعية بدورها رصدت قبل يومين من الضربة شاحنات قيل إنها نقلت ذلك اليورانيوم إلى مواقع مجهولة! فيما الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الذي استباح السماء الإيرانية لم يكتشف ذلك!
{ وسواء كانت الضربة حقيقية وبجهل الطرف الأمريكي من خلو المواقع التي تم ضربها من اليورانيوم أو كانت صفقة أمريكية – إيرانية بضرب تلك المواقع بعد إخلائها من اليورانيوم لدرء المخاطر الكبرى في المنطقة فإن النتيجة جاءت لصالح الشعب الإيراني وشعوب المنطقة وخاصة الخليج العربي ودوله، وحيث كانت المخاوف تتصاعد من «تشرنوبل» آخر لتعيش المنطقة بعدها مأساة بيئية نووية تقضي على الحياة لعقود قادمة!
{ ولكن السؤال الآن هل انتهت المخاطر والتداعيات الخطيرة هنا؟! والجواب لا بالطبع لأن التصريحات الإيرانية تتصاعد بالتهديد باستهداف المصالح الأمريكية في الخليج والمنطقة ومثلها التهديدات الأمريكية بتدخل عسكري أمريكي لم تشهد مثله إيران قط! إلى جانب استمرار تبادل الضربات بين الطائرات الإسرائيلية للمواقع الإيرانية والصواريخ الإيرانية على منشآت الكيان الصهيوني، مما يجعل الدعوة إلى عودة المفاوضات التي يدعو إليها الجانب الأمريكي والأوروبي تبدو دعوة من دون مصداقية أو أرضية واقعيةّ! فهل التفاوض سيكون على اليورانيوم المخصب الذي هربته إيران إلى مواقع مجهولة في أراضيها؟! أم هو التفاوض على الاستسلام الذي ترفضه إيران! أم على الإبقاء على النظام الإيراني ومرشده! أم أن الأمور ستتصاعد مع دخول أمريكا طرف مباشر في الحرب إلى جر دول أخرى في الحرب القائمة لتصبح بداية حرب شاملة ومفتوحة على كل الاحتمالات! بعد أن كانت حربا بين طرفين؟!
{ من الواضح أن ما يهم الولايات المتحدة وكما تعلن دائما هو أمن الكيان الصهيوني ودعمه ليكون كيانا مهيمنا ومسيطرا على المنطقة! إلى جانب الحفاظ على سلامة قواعدها العسكرية التي تحولت إلى مصدر تهديد للدول التي تستضيفها في المنطقة وفي العالم وإلى جانب عامل خطر أكثر مما يتصوره البعض وخاصة أن الولايات المتحدة بلد قائم على منهجية الحروب بشكل دائم واقتصادها وشركاتها قائمة على ذلك أيضا! ولذلك تتحول قواعدها ومصالحها العسكرية في أي منطقة توجد فيها، إلى بؤرة جذب لردات الفعل ضدها على أرض حلفائها الذين يدفعون وشعوبهم الثمن الباهظ لوجود تلك القواعد!
{ ولذلك يبرز الشرخ الكبير بين الرؤية التنموية الخليجية مثلا ورؤية الكيان وأبيه الروحي الأمريكي «الشغوفين» بالصراعات والحروب والأزمات، كمداخل للسيطرة والهيمنة! حتى لو كانت دول المنطقة وشعوبها ودول العالم كبش فداء لتلك الرؤية الجنوبية التي لا يهمها في شيء أمن وسلامة الشعوب! ومثلهما تبنت إيران الرؤية ذاتها العدائية والتدخلية في المنطقة لتضمن نجاح واستمرار مشروعها التوسعي في الهيمنة! وها هما يتصارعان اليوم من أجل ذلك!
حفظ الله بلدنا وخليجنا ومنطقتنا وشعوبنا وجعل الغلبة للرؤية الخليجية العربية التي تنشد الأمن والسلام والاستقرار والتنمية بعيدا عن الحروب ومآسيها وجشع الطامعين وأجنداتهم!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك