عالم يتغير

فوزية رشيد
الحرب على إيران: الدوافع والتأثيرات!
{ استكمالاً للمقال السابق الذي كان مجرد مقدمة لما سيلحق به من تحليل، فإني أود الإشارة إلى أن فهم الدوافع لما يحدث الآن بين الكيان الصهيوني وإيران يستدعي العودة إلى الوراء، لإدراك الخلفيات التاريخية والدينية المعتقدية والسياسية لكل منهما، وعلاقة كل ذلك بالمنطقة العربية، التي لطالما دفعت أثمانًا باهظة بسبب المشروع الإيراني والمشروع الصهيوني! وما أنتجه كلا المشروعين من أجندات ومخططات رسمت حدود المصالح الشريرة والتخادم وحدود النزاع بينهما، أو بين رؤية كل منهما! وما أنتجه ذلك من فتن وصراعات وانقسامات في المنطقة!
{ لا شك أن جغرافيا المنطقة العربية الأكثر تجانسًا في المشترك التاريخي واللغوي والديني والحضاري أكثر من أي منطقة أخرى في العالم، رغم الحدود الفاصلة بين بلدانها! هذه المنطقة بكل تلك الأبعاد من حيث أهمية الموقع الجغرافي والثروات والطاقات البشرية، وتداخلها مع حضارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، تأثرًا، وتجارًة، منذ زمن بعيد، وصولًا إلى تنوع الروابط والمصالح، هذه المنطقة العربية لطالما كانت منذ القِدم ملتقى أطماع العديد من القوى العالمية، والامبراطوريات القديمة، الرومانية والفارسية والإغريقية، وصولًا إلى الحملات الصليبية والاستعمار الغربي الحديث!
{ وهذه المنطقة التي هي منبع الأديان والحضارات القديمة هي ذاتها وللأسباب السالفة منبع الأطماع ومحطة الأجندات، ودوافع المخططات، من أجل السيطرة عليها والهيمنة على مقدراتها ومصائرها! وفاتحة شهية القوى الكبرى قديمًا وحديثًا لغزوها واحتلالها وإضعافها لضمان السيطرة عليها!
{ قد يقول قائل وما علاقة هذا بما يحدث الآن من حرب بين الكيان الصهيوني وإيران؟! ونرد أن العلاقة وطيدة وسنوضح ذلك! ففي بدايات القرن الماضي ومنتصفه ومع صعود الصهيونية العالمية والماسون العالمي، كان المخطط هو لإضعاف دول المنطقة العربية، الذي بدأ قبله بالحملات الصليبية وصراع الغرب الاستعماري مع الامبراطورية العثمانية! وأنتج انتزاع فلسطين من شعبها وإحلال شتات اليهود من كل دول العالم فيها، وحيث الانتداب البريطاني الذي قطع على نفسه من خلال وعد بلفور إنشاء وطن قومي لليهود هو من عمل على سرقة فلسطين من أهلها عام 1948، ليبدأ النزاع الكبير وأم القضايا العربية في تقسيم المنطقة أكثر فأكثر بعد «سايكس – بيكو» وإضعاف دولها، وتفرقتهم بأساليب استعمارية مختلفة في ظل «المشروع الصهيوني» المتلبس بالحقد اليهودي القديم على العرب والإسلام، واعتبار أنفسهم سادة البشرية وليس العرب وحدهم، وحيث التلفيق والتزوير التاريخي وصل إلى محطته الأولى في فلسطين، والقطار الصهيوني بالرداء التوراتي الملفق يريد الوصول إلى محطات عربية أخرى، لتحقيق (الحكومة التوراتية العالمية) ومجيء المسيخ الدجال! الذي لن يظهر إلا في ذروة الفوضى والفتن والدموية والحروب والنزاعات.
و«نتنياهو» يعتبر نفسه هو الموعود بتنفيذ النبوءات التوراتية الوهمية ونبوءة «أشعيا» للسيطرة على المنطقة العربية! مرة أخرى ما علاقة ذلك بالحرب الراهنة على إيران؟! سنوضح!
{ في عز تراكم المخططات الغربية للسيطرة على المنطقة العربية، وخاصة بعد أفول موسم «الاستعمارات الغربية الكولونيالية»، اهتدى الصهاينة إلى إحداث الفتنة المذهبية من داخل الاختلافات العقائدية في المنطقة، ولذلك بعد ظهور «الجهاديين» العرب في أفغانستان أو «القاعدة» أو التنظيم الإسلامي السني، التي أسستها الاستخبارات الأمريكية لمواجهة وإسقاط «الاتحاد السوفيتي»، لمعت الفكرة الاستخباراتية الغربية (الأمريكية والبريطانية والفرنسية) بإسقاط حكم الشاه، الذي اكتمل دوره كشرطي المنطقة، وجاؤوا بالخميني الذي نجح في إجهاض نتائج الثورة الإيرانية آنذاك لإسقاط الشاه ليبدأ النظام الإسلاموي الشيعي! وليقوم بتأسيس «نظام ولاية الفقيه» باسم «الجمهورية الإيرانية الإسلامية»! وكغطاء للمشروع الفارسي الذي بدأ سريعًا بفلسفة «تصدير الثورة» لتحقيق حلم استعادة «الإمبراطورية الفارسية القديمة»، ممزوجًا بالحقد التاريخي المعروف ضد العرب، الذين أسقطوا إمبراطوريتهم عبر الفتوحات الإسلامية! وبذلك التقت المصالح الغربية الاستعمارية مع المصالح الإيرانية تحت حكم الملالي، وتخادم الطرفان في إضعاف الدول والشعوب العربية وتقسيمها وتجزئتها وبث الفتن الطائفية في أوصالها، وجعل الاختلاف المذهبي بين السنة والشيعة منبعًا لكل أشكال النزاعات، بخلفية تاريخية مليئة بالحقد والكراهية للعرب، وبما أنتج داخل الدول العربية الأذرع والمليشيات الإرهابية والقتل على الهوية!
{ ولأن التقاء المصالح هو سبب وجود «نظام الملالي» بالأساس، وإعطائه الضوء الأخضر بعد احتلال العراق، لكي يتمدد ويهيمن ويثير النزاعات والفتن والكراهية، اعتقد «نظام الملالي» أنه قادر، بل وله الحق، في تحقيق مشروعه الإمبراطوري الخاص، والخروج عن أجندة الصهيونية العالمية في أداء الدور المطلوب إيرانيًا بل والاستمرار فيه! بعد 46 عامًا من مخططات تنفيذ المشروع الإيراني، وجد «الملالي» أنفسهم فجأة في مواجهة الصهيونية العالمية وبؤرتها الأساسية في المنطقة وهو الكيان الصهيوني!
{ هنا تتضح الدوافع الحقيقية للحرب على إيران، بل والإصرار «الإسرائيلي» على تدميرها، وليس فقط تدمير مشروعها النووي! شعر الكيان الصهيوني ومن وراءه الغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة أن الوقت قد حان لبروز المشروع الصهيوني وظهوره في العلن، ودعس طموحات ومطامع إيران في مشروعها الكبير بدوره وهو مشروع «الدولة المهدوية العالمية»، بعد إدراك مخاطر هذا المشروع الإيراني وتنافسه الحقيقي خارج الخطوط الحمراء مع المشروع الصهيوني في المنطقة، الذي يريد سريعًا تحقيق «إسرائيل الكبرى» بدون وجود أي منافس آخر! حتى لو أنه استفاد كثيرًا بما قام به هذا الآخر في تمزيق الشعوب العربية في ظل الحقد التاريخي والاختلاف العقائدي الطائفي! إنه صراع الأحقاد في المنطقة وعلى المنطقة!
{ حاولنا في هذا المقال القصير وضع اليد على الدوافع التاريخية والدينية والسياسية وإن باختصار، لنوضح أن التنافس الذي كان قائمًا بين مشروع «الحكومة التوراتية العالمية» ومشروع «الدولة المهدوية العالمية» قررت الصهيونية العالمية أخيرًا وبواجهاتها الكبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أن تنتصر بشكل حقيقي لمشروع «الكيان الصهيوني» التوسعي، بدون وجود منافس إقليمي له هو الآخر مشروعه الكبير، ولكن المشروع الذي انتهت صلاحيته بالنسبة إليهم! ولذلك كانت الحرب على إيران بعد تمزيق وإضعاف أذرعها هي النهاية الحتمية لدور «نظام الملالي»! ولهذا نجد إصرار الكيان على إسقاط النظام وليس فقط مشروعه النووي! ولا يهم ما يجره ذلك من كوارث على الخليج والمنطقة!
هنا تحدثنا عن الدوافع وفي المقال القادم نتحدث عن التداعيات والآثار!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك