عالم يتغير

فوزية رشيد
الجيل المضطرب!
{ عن الدار العربية للعلوم تم ترجمة كتاب «الجيل المضطرب» من خلال المترجمة «د. عائشة يكن» للعام 2024، وحيث يشكل هذا الكتاب، كما تم التعريف به بحثا استقصائيا أساسيا، حول أسباب تدهور الصحة النفسية للمراهقين في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين! إذ ارتفعت معدلات الاكتئاب والقلق وإيذاء النفس والانتحار ارتفاعاً حاداً تجاوز الضعف في العديد من المقاييس فما السبب في ذلك؟!
{ في كتابة «الجيل المضطرب» يعرض عالم النفس الاجتماعي «جوناثان هايدت» الحقائق المتعلقة بتفشي الامراض النفسية بين المراهقين في الكثير من البلدان في الوقت عينه! ثم يجري «جوناثان هايدت» تحقيقاً حول طبيعة الطفولة والأسباب الكامنة وراء حاجة الأطفال إلى اللعب والاستكشاف المستقل ليصبحوا أناسا بالغين طبيعيين يمتلكون الكفاءة ومقومات النجاح، ويوضح «هايدت» كيف بدأت الطفولة القائمة على اللعب بالتراجع في ثمانينيات القرن العشرين، وكيف تم القضاء عليها في نهاية المطاف بوصول الطفولة القائمة على الهاتف في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين!
{ كما يعرف الكاتب بأكثر من اثنتي عشرة آلية عرقلت إعادة البرمجة الكبرى للنمو الاجتماعي والعصبي للنمو الاجتماعي والعصبي لدى الأطفال
وهي تغطي كل الجوانب بدءاً من الحرمان من النوم، الى تشتت الانتباه، والإدمان الإلكتروني والشعور بالوحدة وصولاً إلى العدوى الاجتماعية والمقارنة الاجتماعية والنزعة إلى الكمال الافتراضي، ويشرح سبب إلحاق وسائل التواصل الاجتماعي الضرر بالفتيات أكثر من الفتيان وسبب انسحاب المراهقين من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على أنفسهم وعائلاتهم ومجتمعاتهم! وحيث هناك مشكلات معاصرة نشأت من خلال التوجه الجماعي للمراهقين والاطفال باتت تحاصر أغلب المجتمعات في العالم! حتى ليبدو أن دور الآباء والمعلمين والمدارس وشركات التكنولوجيا والحكومات ضعيف أمام الأخطار المتفاقمة والخطوات التي يجب ترجمتها إلى مواجهة حقيقية، للقضاء على ظاهرة الأمراض النفسية وإعادة الانسانية إلى الطفولة والحياة الطبيعية!
{ إن تأثير التكنولوجيا والثقافة الحديثة وحشر البشرية في جهاز صغير بعيداً عن الطبيعة والعلاقة بها، وبعيداً عن العلاقات الاجتماعية الطبيعية، تركت تأثيراً كبيراً على كل الغارقين في العالم الافتراضي ومن كافة الأعمار، ولكن على وجه الخصوص التأثير البالغ والأخطر هو على الجيل الجديد، حيث انتشرت في أوساطهم معدلات مرتفعة من الظواهر النفسية المرتبطة بالتكنولوجيا حين يتم الإفراط في التعامل بها ومعها مثل القلق والاكتئاب والاضطراب النفسي والشعور بالضياع والانفصال عن الواقع والحياة الاجتماعية الطبيعية، والاستغناء عن استخدام ملكات الذكاء الطبيعي في التعلم، وإحالة غرف المعلومات إلى وسائل التواصل الاجتماعي وعبر الانترنت، إلى جانب الانفصال المعرفي عن الثقافة العميقة ومراجعها المهمة في الكتب المعرفية المهمة، وصولا الى الانفصال العاطفي والسلوكي عن معايشة الجيل الجديد للطفولة والمراهقة الطبيعية والتجانس الاجتماعي! كل ذلك يؤثر تأثيراته البالغة على الصحة النفسية بل والعقلية، حيث يتم اختزال الحياة والواقع بالعالم الافتراضي والأصدقاء الافتراضين! حتى يتحول الهاتف أو الكمبيوتر أو كل آليات الذكاء الاصطناعي، إلى سجن ضيق للنفس والروح رغم ما يبدو فيها من اتساع العوالم الافتراضية التي يتجول فيها الجيل الجديد!
{ العالم الأمريكي «جوناثان هايدت» يشرح في كتابة إذًا تداعيات وتأثيرات كل ذلك على النفس البشرية، وإخراجها من طفولتها ومراهقتها الطبيعية، لينشأ جيل مضطرب محشور في آلة تترك آثارها الخطيرة على صحته النفسية كما لن تعدها الاجيال السابقة في القرن العشرين، وحيث أصبح القرن الحادي والعشرين يحمل في طياته المزيد من «التطرف الإلكتروني» والاعتماد على الذكاء الاصطناعي، ونظام التفاهة، وضحالة المعرفة رغم كثرة المعلومات! والتراخي العقلي في التعلم والتعليم، وتراجع التطور العقلي أمام ما توفره التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي من إجابات جاهزة ومقولبة على أسئلة تحتاج إلى اكتشاف واستكشاف عقلي طبيعي!
ولذلك لا عجب أن تتراجع الصحة النفسية والقوة الذهنية لدى الجيل الجديد والأجيال القادمة! فالآلات والروبوتات والذكاء الاصطناعي الفائق، يحلّ يوما بعد يوم مكان الإنسان في كل مجال ويصيبه بالاضطراب والضياع والحرمان من الحياة الطبيعية، كلما سيطرت هذه التكنولوجيا على كل شيء حتى على النفس الإنسانية!
هو جرس إنذار يطلقه العديد من العلماء والمهتمين بعلم النفس الاجتماعي وبمصير البشرية، فهل هناك من يستجيب، أم أن الغرق في التكنولوجيا من دون ضبط هو الذي سيتصاعد وتتصاعد معه تأثيراته على أجيالنا القادمة؟!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك