العدد : ١٧٢٤٥ - الثلاثاء ١٠ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٤ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٥ - الثلاثاء ١٠ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٤ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الجيل المضطرب!

{ عن‭ ‬الدار‭ ‬العربية‭ ‬للعلوم‭ ‬تم‭ ‬ترجمة‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الجيل‭ ‬المضطرب‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المترجمة‭ ‬‮«‬د‭. ‬عائشة‭ ‬يكن‮»‬‭ ‬للعام‭ ‬2024،‭ ‬وحيث‭ ‬يشكل‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬التعريف‭ ‬به‭ ‬بحثا‭ ‬استقصائيا‭ ‬أساسيا،‭ ‬حول‭ ‬أسباب‭ ‬تدهور‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬للمراهقين‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬العقد‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭! ‬إذ‭ ‬ارتفعت‭ ‬معدلات‭ ‬الاكتئاب‭ ‬والقلق‭ ‬وإيذاء‭ ‬النفس‭ ‬والانتحار‭ ‬ارتفاعاً‭ ‬حاداً‭ ‬تجاوز‭ ‬الضعف‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المقاييس‭ ‬فما‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬ذلك؟‭! ‬

{‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬‮«‬الجيل‭ ‬المضطرب‮»‬‭ ‬يعرض‭ ‬عالم‭ ‬النفس‭ ‬الاجتماعي‭ ‬‮«‬جوناثان‭ ‬هايدت‮»‬‭ ‬الحقائق‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتفشي‭ ‬الامراض‭ ‬النفسية‭ ‬بين‭ ‬المراهقين‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬عينه‭! ‬ثم‭ ‬يجري‭ ‬‮«‬جوناثان‭ ‬هايدت‮»‬‭ ‬تحقيقاً‭ ‬حول‭ ‬طبيعة‭ ‬الطفولة‭ ‬والأسباب‭ ‬الكامنة‭ ‬وراء‭ ‬حاجة‭ ‬الأطفال‭ ‬إلى‭ ‬اللعب‭ ‬والاستكشاف‭ ‬المستقل‭ ‬ليصبحوا‭ ‬أناسا‭ ‬بالغين‭ ‬طبيعيين‭ ‬يمتلكون‭ ‬الكفاءة‭ ‬ومقومات‭ ‬النجاح،‭ ‬ويوضح‭ ‬‮«‬هايدت‮»‬‭ ‬كيف‭ ‬بدأت‭ ‬الطفولة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬اللعب‭ ‬بالتراجع‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وكيف‭ ‬تم‭ ‬القضاء‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬بوصول‭ ‬الطفولة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الهاتف‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭!‬

{‭ ‬كما‭ ‬يعرف‭ ‬الكاتب‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬اثنتي‭ ‬عشرة‭ ‬آلية‭ ‬عرقلت‭ ‬إعادة‭ ‬البرمجة‭ ‬الكبرى‭ ‬للنمو‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والعصبي‭ ‬للنمو‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والعصبي‭ ‬لدى‭ ‬الأطفال

وهي‭ ‬تغطي‭ ‬كل‭ ‬الجوانب‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬النوم،‭ ‬الى‭ ‬تشتت‭ ‬الانتباه،‭ ‬والإدمان‭ ‬الإلكتروني‭ ‬والشعور‭ ‬بالوحدة‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬العدوى‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمقارنة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والنزعة‭ ‬إلى‭ ‬الكمال‭ ‬الافتراضي،‭ ‬ويشرح‭ ‬سبب‭ ‬إلحاق‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الضرر‭ ‬بالفتيات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الفتيان‭ ‬وسبب‭ ‬انسحاب‭ ‬المراهقين‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الواقعي‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬عواقب‭ ‬وخيمة‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬وعائلاتهم‭ ‬ومجتمعاتهم‭! ‬وحيث‭ ‬هناك‭ ‬مشكلات‭ ‬معاصرة‭ ‬نشأت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التوجه‭ ‬الجماعي‭ ‬للمراهقين‭ ‬والاطفال‭ ‬باتت‭ ‬تحاصر‭ ‬أغلب‭ ‬المجتمعات‭ ‬في‭ ‬العالم‭! ‬حتى‭ ‬ليبدو‭ ‬أن‭ ‬دور‭ ‬الآباء‭ ‬والمعلمين‭ ‬والمدارس‭ ‬وشركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والحكومات‭ ‬ضعيف‭ ‬أمام‭ ‬الأخطار‭ ‬المتفاقمة‭ ‬والخطوات‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬ترجمتها‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬حقيقية،‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬ظاهرة‭ ‬الأمراض‭ ‬النفسية‭ ‬وإعادة‭ ‬الانسانية‭ ‬إلى‭ ‬الطفولة‭ ‬والحياة‭ ‬الطبيعية‭!‬

{ إن‭ ‬تأثير‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والثقافة‭ ‬الحديثة‭ ‬وحشر‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬جهاز‭ ‬صغير‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الطبيعة‭ ‬والعلاقة‭ ‬بها،‭ ‬وبعيداً‭ ‬عن‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الطبيعية،‭ ‬تركت‭ ‬تأثيراً‭ ‬كبيراً‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الغارقين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬ومن‭ ‬كافة‭ ‬الأعمار،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬التأثير‭ ‬البالغ‭ ‬والأخطر‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد،‭ ‬حيث‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬أوساطهم‭ ‬معدلات‭ ‬مرتفعة‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬النفسية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتكنولوجيا‭ ‬حين‭ ‬يتم‭ ‬الإفراط‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬بها‭ ‬ومعها‭ ‬مثل‭ ‬القلق‭ ‬والاكتئاب‭ ‬والاضطراب‭ ‬النفسي‭ ‬والشعور‭ ‬بالضياع‭ ‬والانفصال‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬والحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الطبيعية،‭ ‬والاستغناء‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬ملكات‭ ‬الذكاء‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬التعلم،‭ ‬وإحالة‭ ‬غرف‭ ‬المعلومات‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وعبر‭ ‬الانترنت،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الانفصال‭ ‬المعرفي‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭ ‬العميقة‭ ‬ومراجعها‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬الكتب‭ ‬المعرفية‭ ‬المهمة،‭ ‬وصولا‭ ‬الى‭ ‬الانفصال‭ ‬العاطفي‭ ‬والسلوكي‭ ‬عن‭ ‬معايشة‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬للطفولة‭ ‬والمراهقة‭ ‬الطبيعية‭ ‬والتجانس‭ ‬الاجتماعي‭! ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يؤثر‭ ‬تأثيراته‭ ‬البالغة‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬بل‭ ‬والعقلية،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬اختزال‭ ‬الحياة‭ ‬والواقع‭ ‬بالعالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬والأصدقاء‭ ‬الافتراضين‭! ‬حتى‭ ‬يتحول‭ ‬الهاتف‭ ‬أو‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬آليات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬إلى‭ ‬سجن‭ ‬ضيق‭ ‬للنفس‭ ‬والروح‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬اتساع‭ ‬العوالم‭ ‬الافتراضية‭ ‬التي‭ ‬يتجول‭ ‬فيها‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭!‬

{‭ ‬العالم‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬جوناثان‭ ‬هايدت‮»‬‭ ‬يشرح‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬إذًا‭ ‬تداعيات‭ ‬وتأثيرات‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬البشرية،‭ ‬وإخراجها‭ ‬من‭ ‬طفولتها‭ ‬ومراهقتها‭ ‬الطبيعية،‭ ‬لينشأ‭ ‬جيل‭ ‬مضطرب‭ ‬محشور‭ ‬في‭ ‬آلة‭ ‬تترك‭ ‬آثارها‭ ‬الخطيرة‭ ‬على‭ ‬صحته‭ ‬النفسية‭ ‬كما‭ ‬لن‭ ‬تعدها‭ ‬الاجيال‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وحيث‭ ‬أصبح‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬‮«‬التطرف‭ ‬الإلكتروني‮»‬‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬ونظام‭ ‬التفاهة،‭ ‬وضحالة‭ ‬المعرفة‭ ‬رغم‭ ‬كثرة‭ ‬المعلومات‭! ‬والتراخي‭ ‬العقلي‭ ‬في‭ ‬التعلم‭ ‬والتعليم،‭ ‬وتراجع‭ ‬التطور‭ ‬العقلي‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬توفره‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬من‭ ‬إجابات‭ ‬جاهزة‭ ‬ومقولبة‭ ‬على‭ ‬أسئلة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬اكتشاف‭ ‬واستكشاف‭ ‬عقلي‭ ‬طبيعي‭!‬

ولذلك‭ ‬لا‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬تتراجع‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬والقوة‭ ‬الذهنية‭ ‬لدى‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬والأجيال‭ ‬القادمة‭! ‬فالآلات‭ ‬والروبوتات‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬الفائق،‭ ‬يحلّ‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬مكان‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجال‭ ‬ويصيبه‭ ‬بالاضطراب‭ ‬والضياع‭ ‬والحرمان‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية،‭ ‬كلما‭ ‬سيطرت‭ ‬هذه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬الإنسانية‭! ‬

هو‭ ‬جرس‭ ‬إنذار‭ ‬يطلقه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والمهتمين‭ ‬بعلم‭ ‬النفس‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وبمصير‭ ‬البشرية،‭ ‬فهل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يستجيب،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الغرق‭ ‬في‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ضبط‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬سيتصاعد‭ ‬وتتصاعد‭ ‬معه‭ ‬تأثيراته‭ ‬على‭ ‬أجيالنا‭ ‬القادمة؟‭! ‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا