العدد : ١٧٢٤٢ - السبت ٠٧ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٤٢ - السبت ٠٧ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

يوم عرفة وحّدوا الدعاء!

{‭ ‬اليوم‭ ‬يقف‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬المليوني‭ ‬حاج‭ ‬على‭ ‬جبل‭ ‬عرفة‭ ‬لأداء‭ ‬أهم‭ ‬مناسك‭ ‬الحج،‭ ‬فالحج‭ ‬عرفة‭ ‬والدعاء‭ ‬فيه‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬خالصا‭ ‬وبيقين‭ ‬فهو‭ ‬مستجاب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬المشحون‭ ‬بالروحانيات‭ ‬والقرب‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬والتضرع‭ ‬إليه،‭ ‬ولعل‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يشغل‭ ‬مسلمي‭ ‬العالم‭ ‬وأصحاب‭ ‬الضمير‭ ‬الحي‭ ‬من‭ ‬الديانات‭ ‬والمعتقدات‭ ‬الأخرى‭ ‬هو‭ ‬الوضع‭ ‬المأساوي‭ ‬والبالغ‭ ‬في‭ ‬الكارثية،‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬غزة‭ ‬ويعيشه‭ ‬أهلها‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬ثقل‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬على‭ ‬القلوب‭ ‬التي‭ ‬تشاهد‭ ‬يوميا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬كثقل‭ ‬الجبال،‭ ‬ولله‭ ‬حكمة‭ ‬فيما‭ ‬يجري‭ ‬تخفى‭ ‬علينا‭ ‬نحن‭ ‬البشر،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬الألم‭ ‬مستمر‭ ‬طالما‭ ‬بقيت‭ ‬الإبادة‭ ‬تشهر‭ ‬أدواتها‭ ‬الشيطانية‭ ‬هناك،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬الشيطان‭ ‬نفسه‭ ‬يتعلم‭ ‬من‭ ‬آليات‭ ‬الوحشية‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬الكيان‭ ‬البشع،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬دراكولا‭ ‬العصر‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يستفيق‭ ‬أبدا‭ ‬من‭ ‬نشوة‭ ‬القتل‭ ‬وشرب‭ ‬الدماء‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬نداءات‭ ‬الشعوب‭ ‬واحتجاجاتهم‭ ‬في‭ ‬العالم‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬الروحاني‭ ‬العظيم‭ ‬فإن‭ ‬للدعاء‭ ‬الموحد‭ ‬من‭ ‬كافة‭ ‬المسلمين‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الحج‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬عرفة،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭ ‬أينما‭ ‬كانوا،‭ ‬نقول‭ ‬‮«‬للدعاء‭ ‬الموحّد‮»‬‭ ‬وتفويض‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬واستوداع‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تضيع‭ ‬ودائعه،‭ ‬له‭ ‬الأثر‭ ‬البالغ‭ ‬وخاصة‭ ‬حين‭ ‬يصدر‭ ‬من‭ ‬قلوب‭ ‬أوكلت‭ ‬أمرها‭ ‬كله‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬وتوحّدت‭ ‬طاقات‭ ‬القلب‭ ‬المؤمن‭ ‬والذي‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬طهارته‭ ‬من‭ ‬رجس‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬وحشية‭ ‬تفوق‭ ‬كل‭ ‬وصف،‭ ‬فإن‭ ‬وحدة‭ ‬القلوب‭ ‬هذه‭ ‬وبثّ‭ ‬طاقاتها‭ ‬الروحية‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬مكان‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬عرفة،‭ ‬ولا‭ ‬زمان‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬عرفة،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬للغرابة‭ ‬يقف‭ ‬عاجزا‭ ‬أمام‭ ‬هولوكست‭ ‬العصر‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وحيث‭ ‬جثت‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والمدنيين‭ ‬المتفحمة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬المحارق‭ ‬المستمرة‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬العامين‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬المبارك‭ ‬الذي‭ ‬يليه‭ ‬عيد‭ ‬الأضحى،‭ ‬يتجرد‭ ‬المسلم‭ ‬المؤمن‭ ‬من‭ ‬رغبات‭ ‬الجسد‭ ‬وماديته،‭ ‬لتتغذى‭ ‬الروح‭ ‬وتصفو‭ ‬في‭ ‬تضرعها‭ ‬لخالقها،‭ ‬وهي‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬كله‭ ‬بيده،‭ ‬وأنه‭ ‬محيط‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬وأن‭ ‬عقبى‭ ‬الأمور‭ ‬كلها‭ ‬خيرا‭ ‬أو‭ ‬شرا‭ ‬هي‭ ‬له،‭ ‬وأنه‭ ‬السميع‭ ‬العليم‭ ‬والسميع‭ ‬البصير‭ ‬والعليم‭ ‬الحكيم،‭ ‬ولكل‭ ‬أمر‭ ‬حكمة‭ ‬إلهيّة‭ ‬لا‭ ‬يعلمها‭ ‬إلا‭ ‬هو،‭ ‬والدعاء‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬أهم‭ ‬العبادات‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬التوحيد،‭ ‬ولذلك‭ ‬ونحن‭ ‬المسلمون‭ ‬الذين‭ ‬أفرطنا‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬التقصير‭ ‬تجاه‭ ‬أشقائنا‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬فالجدير‭ ‬بنا‭ ‬ألا‭ ‬نحرمهم‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬دعاء‭ ‬خالص‭ ‬لوجه‭ ‬الله‭ ‬لهم،‭ ‬والدعاء‭ ‬باللطف‭ ‬الإلهي‭ ‬بهم،‭ ‬وقد‭ ‬تمادى‭ ‬الفساد‭ ‬والإفساد‭ ‬الوحشي‭ ‬في‭ ‬الفتك‭ ‬بهم‭ ‬حتى‭ ‬طغى‭ ‬حالهم‭ ‬وطغت‭ ‬مأساتهم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬لكأنه‭ ‬الامتحان‭ ‬الأصعب‭ ‬للبشرية‭ ‬كلها،‭ ‬فما‭ ‬بالنا‭ ‬بالمسلمين‭ ‬وقد‭ ‬عجزوا‭ ‬عن‭ ‬نجدتهم‭ ‬وتلبية‭ ‬استغاثاتهم‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬الطويل‭ ‬لجريان‭ ‬نهر‭ ‬الدماء‭ ‬على‭ ‬أرضهم‭ ‬ورغم‭ ‬تعاليم‭ ‬الله‭ ‬الواضحة‭ ‬في‭ ‬نجدة‭ ‬المسلم‭ ‬لأخيه‭ ‬المسلم‭!‬

{‭ ‬هل‭ ‬قمنا‭ ‬بالأسباب‭ ‬كلها‭ ‬لنجدة‭ ‬أهل‭ ‬غزة؟‭! ‬هل‭ ‬أخلصنا‭ ‬الدعاء‭ ‬لهم،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتقبله‭ ‬الله‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬قلوب‭ ‬أخلصت‭ ‬في‭ ‬دينها‭ ‬وإنسانيتها‭ ‬وفعلت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬بمقدورها،‭ ‬ثم‭ ‬دخلت‭ ‬بتوكل‭ ‬مطلق‭ ‬إلى‭ ‬محراب‭ ‬الدعاء،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬لاتزال‭ ‬واقفة‭ ‬في‭ ‬محراب‭ ‬الرغائب‭ ‬المادية‭ ‬والجسدية‭ ‬والدنيوية،‭ ‬وحين‭ ‬تتأثر‭ ‬بمشهد‭ ‬القتل‭ ‬اليومي‭ ‬ترفع‭ ‬يدها‭ ‬للدعاء؟‭!‬

{‭ ‬هل‭ ‬يدرك‭ ‬المسلمون‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬الفانية‭ ‬هي‭ ‬فانية‭ ‬بحكم‭ ‬القضاء‭ ‬والقدر‭ ‬الإلهي،‭ ‬وأن‭ ‬الروح‭ ‬وحدها‭ ‬خالدة‭ ‬وباقية،‭ ‬وبذلك‭ ‬تشهد‭ ‬كل‭ ‬الأديان‭ ‬والشرائع‭ ‬السماوية،‭ ‬كما‭ ‬يشهد‭ ‬العلم‭ ‬الحديث‭ ‬بأن‭ ‬الروح‭ ‬خالدة،‭ ‬فلماذا‭ ‬إذًا‭ ‬لا‭ ‬يتأمل‭ ‬مسلمو‭ ‬العصر‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬تقصيرهم‭ ‬وهم‭ ‬يرون‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬عذابات‭ ‬إخوان‭ ‬لهم،‭ ‬وهي‭ ‬العذابات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتحملها‭ ‬بشر،‭ ‬إلا‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬تركوا‭ ‬حطام‭ ‬أجسادهم‭ ‬وهم‭ ‬موقنون‭ ‬بخلود‭ ‬أرواحهم‭ ‬في‭ ‬جنات‭ ‬النعيم‭ ‬وهم‭ ‬يزفون‭ ‬شهداءهم‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬بالعشرات‭ ‬والمئات؟‭! ‬ماذا‭ ‬فعلنا‭ ‬لخلاص‭ ‬أرواحنا‭ ‬الخالدة؟‭!‬

{‭ ‬أقل‭ ‬الإيمان‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬نتجرد‭ ‬تماما‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬وقوتنا‭ ‬ونتوجه‭ ‬بقلب‭ ‬مخلص‭ ‬صاف‭ ‬إلى‭ ‬حول‭ ‬الله‭ ‬وقوته،‭ ‬علّ‭ ‬الله‭ ‬يغفر‭ ‬لنا‭ ‬كل‭ ‬تقصيرنا‭ ‬وعجزنا‭ ‬ولهونا‭ ‬ويستجيب‭ ‬لدعائنا‭! ‬وإن‭ ‬عجزت‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول‭ ‬والحكومات‭ ‬عن‭ ‬وقف‭ ‬حمام‭ ‬الدم‭ ‬اليومي‭ ‬الذي‭ ‬يستحم‭ ‬فيه‭ ‬قادة‭ ‬الطغيان‭ ‬والتجبر‭ ‬والجبروت‭ ‬الشيطاني‭ ‬الممتد‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب‭ ‬إلى‭ ‬الكيان،‭ ‬فإن‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬يعجزه‭ ‬شيء،‭ ‬لأنه‭ ‬محيط‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬وأكبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ويوم‭ ‬عرفة‭ ‬يوم‭ ‬الدعاء‭ ‬له‭ ‬بقلوب‭ ‬موّحدة‭ ‬ونوايا‭ ‬صادقة،‭ ‬علّ‭ ‬الله‭ ‬يُحدث‭ ‬أمرًا،‭ ‬فيرى‭ ‬المتغطرسون‭ ‬عاقبة‭ ‬أمرهم،‭ ‬وهي‭ ‬العاقبة‭ ‬القريبة‭ ‬بإذن‭ ‬الله،‭ ‬ومن‭ ‬ينصره‭ ‬الله‭ ‬فلا‭ ‬غالب‭ ‬له‭.‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا