عالم يتغير

فوزية رشيد
يوم عرفة وحّدوا الدعاء!
{ اليوم يقف ما يقارب المليوني حاج على جبل عرفة لأداء أهم مناسك الحج، فالحج عرفة والدعاء فيه إن كان خالصا وبيقين فهو مستجاب في هذا اليوم المشحون بالروحانيات والقرب من الله والتضرع إليه، ولعل أهم ما يشغل مسلمي العالم وأصحاب الضمير الحي من الديانات والمعتقدات الأخرى هو الوضع المأساوي والبالغ في الكارثية، الذي تعيشه غزة ويعيشه أهلها حتى أصبح ثقل هذه المأساة على القلوب التي تشاهد يوميا ما يحدث كثقل الجبال، ولله حكمة فيما يجري تخفى علينا نحن البشر، ولذلك فإن الألم مستمر طالما بقيت الإبادة تشهر أدواتها الشيطانية هناك، حتى أصبح الشيطان نفسه يتعلم من آليات الوحشية التي يستخدمها الكيان البشع، أو «دراكولا العصر» وهو لا يستفيق أبدا من نشوة القتل وشرب الدماء رغم كل نداءات الشعوب واحتجاجاتهم في العالم!
{ في مثل هذا اليوم الروحاني العظيم فإن للدعاء الموحد من كافة المسلمين سواء في الحج وهم في عرفة، أو في بيوتهم أينما كانوا، نقول «للدعاء الموحّد» وتفويض الأمر إلى الله واستوداع أهل غزة إليه وهو الذي لا تضيع ودائعه، له الأثر البالغ وخاصة حين يصدر من قلوب أوكلت أمرها كله إلى الله، وتوحّدت طاقات القلب المؤمن والذي يبحث عن طهارته من رجس ما يحدث من وحشية تفوق كل وصف، فإن وحدة القلوب هذه وبثّ طاقاتها الروحية ليس لها مكان أفضل من عرفة، ولا زمان أفضل من يوم عرفة، خاصة أن العالم كله للغرابة يقف عاجزا أمام هولوكست العصر الحقيقي، وحيث جثت الأطفال والنساء والمدنيين المتفحمة تدل على حجم المحارق المستمرة ما يقارب العامين!
{ في مثل هذا اليوم المبارك الذي يليه عيد الأضحى، يتجرد المسلم المؤمن من رغبات الجسد وماديته، لتتغذى الروح وتصفو في تضرعها لخالقها، وهي تدرك أن الأمر كله بيده، وأنه محيط بكل شيء وأن عقبى الأمور كلها خيرا أو شرا هي له، وأنه السميع العليم والسميع البصير والعليم الحكيم، ولكل أمر حكمة إلهيّة لا يعلمها إلا هو، والدعاء في مثل هذا اليوم أهم العبادات القائمة على التوحيد، ولذلك ونحن المسلمون الذين أفرطنا كثيرا في التقصير تجاه أشقائنا في غزة فالجدير بنا ألا نحرمهم في مثل هذا اليوم من دعاء خالص لوجه الله لهم، والدعاء باللطف الإلهي بهم، وقد تمادى الفساد والإفساد الوحشي في الفتك بهم حتى طغى حالهم وطغت مأساتهم على كل شيء، لكأنه الامتحان الأصعب للبشرية كلها، فما بالنا بالمسلمين وقد عجزوا عن نجدتهم وتلبية استغاثاتهم رغم مرور كل هذا الوقت الطويل لجريان نهر الدماء على أرضهم ورغم تعاليم الله الواضحة في نجدة المسلم لأخيه المسلم!
{ هل قمنا بالأسباب كلها لنجدة أهل غزة؟! هل أخلصنا الدعاء لهم، وهو الأمر الذي لا يتقبله الله إلا من قلوب أخلصت في دينها وإنسانيتها وفعلت كل ما بمقدورها، ثم دخلت بتوكل مطلق إلى محراب الدعاء، أم أن الغالبية العظمى من المسلمين لاتزال واقفة في محراب الرغائب المادية والجسدية والدنيوية، وحين تتأثر بمشهد القتل اليومي ترفع يدها للدعاء؟!
{ هل يدرك المسلمون أن هذه الحياة الفانية هي فانية بحكم القضاء والقدر الإلهي، وأن الروح وحدها خالدة وباقية، وبذلك تشهد كل الأديان والشرائع السماوية، كما يشهد العلم الحديث بأن الروح خالدة، فلماذا إذًا لا يتأمل مسلمو العصر في حجم تقصيرهم وهم يرون كل يوم عذابات إخوان لهم، وهي العذابات التي لا يتحملها بشر، إلا هؤلاء الذين تركوا حطام أجسادهم وهم موقنون بخلود أرواحهم في جنات النعيم وهم يزفون شهداءهم كل يوم بالعشرات والمئات؟! ماذا فعلنا لخلاص أرواحنا الخالدة؟!
{ أقل الإيمان في مثل هذا اليوم أن نتجرد تماما من حولنا وقوتنا ونتوجه بقلب مخلص صاف إلى حول الله وقوته، علّ الله يغفر لنا كل تقصيرنا وعجزنا ولهونا ويستجيب لدعائنا! وإن عجزت الشعوب والدول والحكومات عن وقف حمام الدم اليومي الذي يستحم فيه قادة الطغيان والتجبر والجبروت الشيطاني الممتد من أمريكا والغرب إلى الكيان، فإن الله لا يعجزه شيء، لأنه محيط بكل شيء وأكبر من كل شيء، ويوم عرفة يوم الدعاء له بقلوب موّحدة ونوايا صادقة، علّ الله يُحدث أمرًا، فيرى المتغطرسون عاقبة أمرهم، وهي العاقبة القريبة بإذن الله، ومن ينصره الله فلا غالب له.
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك