عالم يتغير

فوزية رشيد
ما بين الخليج العربي ودول الآسيان والصين!
{ مؤخرًا تم عقد قمتين في البحرين الأولى قمة دول مجلس التعاون ودول الآسيان، والثانية قمة دول مجلس التعاون والآسيان مع الصين.
خلال القمتين تمّ طرح كثير من الأبعاد حول أهمية العلاقة الاستراتيجية والشراكة سواء بين البحرين ودول الآسيان والصين. أو بين دول الخليج العربي والصين والدول الآسيوية، خاصة نحو بلورة رؤية شراكة حقيقية، في عالم يشهد كثيرا من التحوّلات في «النظام الدولي القائم» ويتجه نحو التعدّدية القطبية والتحالفات الجديدة، بعد أن لمست دول العالم الآثار السلبية للعولمة المتوحشة، التي استفردت «الرأسمالية الغربية» طويلاً من خلالها بمصائر الدول، في ظل ترسيخ وهيمنة القيم الغربية سواء في الاقتصاد والتجارة والثورة الإلكترونية أو في السياسة والاستهلاك وفي مجالات القيم الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية،
دون مراعاة التباينات والاختلافات الحضارية والثقافية في العالم! وحيث النموذج الغربي تمادى في فرض نفسه على ثقافات وقيم الدول الأخرى، إلى الحدّ الذي سعت فيه أكبر الدول الغربية وهي «الولايات المتحدة» إلى السعي ليكون القرن الحادي والعشرين قرنًا أمريكيًّا!
وكأن دول وشعوب العالم الأخرى لا وجود لها في حسابات القرن الراهن!
{ وفي الوقت الذي تتململ فيه الدول من هذه (الرؤية الاحتكارية) للنموذج الغربي واستفرادها بالعالم كمحاولة مستمرة! فإن هناك أرضية راسخة ومشتركة بين الدول العربية عامة والخليجية والدول الآسيوية والصين، سواء من حيث المحمول الحضاري القديم، وحيث الحضارات العربية القديمة مثل حضارة دلمون والفرعونية والسومرية وحضارة أوغاريت والفينيقيين، والحضارات الآسيوية والحضارة الصينية، يجمعها كثير من القيم والأسس المشتركة المتعلقة بالنظرة إلى الحياة والإنسان والعالم، وبما يندرج فيها من القيم الاجتماعية والثقافية والدينية بالنسبة إلى الدول الآسيوية الإسلامية، وإن اختلفت بعض المنطلقات العقائدية في الصين باستثناء المسلمين فيها، إلاّ أن خلاصتها القيمية (من القيم) هي في النهاية مشتركة، في المجالات التي طرحناها أعلاه!
{ لذلك، وإلى جانب أهمية الشراكة الاستراتيجية حول المصالح العامة كالاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا والأمن الغذائي وتطوير السياحة المستدامة، فإن الشراكة في التعليم والبحوث وتطوير التبادل الثقافي العميق والجذري هو من أهم مرتكزات بناء العلاقات الشعبية وتنمية أعماقها الثقافية والإنسانية، وتطوير أبعادها في بناء الإنسان ورؤيته عن نفسه وعن العالم، من خلال التبادل الراسخ على المستويات الشعبية التي وحدها تبني العلاقات الأكثر عمقًا بين الدول ذات المصالح الاستراتيجية المشتركة كدول الخليج العربية والدول الآسيوية والصين في عالم يسعى إلى التعددية والتكاملية والتنمية الشمولية!
{ في الندوة التي أقيمت في «معهد الدراسات الاستراتيجية» في البحرين وبدعوة صينية، حضرت الملتقى حول العلاقات الاستراتيجية البحرينية – الصينية، وطرحت جزءًا من وجهة نظري، حول أهمية التبادل الإعلامي والثقافي والبحثي، وترجمة الأدب الخليجي والبحريني إلى اللغة الصينية، والعكس من خلال ما هو مترجم عربيًا لآفاق الثقافة والأدب الصيني، وتداوله على المستوى الشعبي، وتخصيص ندوات ومنتديات لهذا الشأن، خاصة أن الرؤية المستقبلية الحضارية والواعية للعلاقات المشتركة، تتطلب تنشيط الأدوار الشعبية في هذا المجال سواء على المستوى الإعلامي المتبادل أو الفنيّ والثقافي أو الأهلي، في ظل القيم الثقافية والإنسانية والسياسية المشتركة! وحيث الدول الآسيوية والصين والعربية بما فيها الخليجية، تبحث عن عالم أكثر أمنا واستقرارًا وتكاملية، تسودها القيم الإنسانية وتكامل الحضارات، وليس سطوة نموذج بعينه على مجمل المنظومات الحضارية والثقافية الأخرى، كما يفعل الغرب!
{ ولتبيان أثر الجانب الثقافي والأدبي في العلاقات الإنسانية سواء بين الأفراد أو الدول، كان لافتًا ترحيب أحد الحضور الصينيين في الملتقى، ما أن سمع باسمي، حتى قال لي: «أنا قرأت لك قصصك وأعجبتني كثيرًا قصة «القمر» وهي من إحدى مجموعاتي القصصية، وإذا بطالب صيني آخر، يقول إنه قرأ القصة وأعجب بها، لأن الأستاذ «بسام» وهو اسم المحاضر في إحدى الجامعات الصينية ويدرّس كما فهمت اللغة العربية، هو الذي عرفّنا بقصصك! بالطبع أسعدني ذلك، ولكن ما أسعدني أكثر هو ذلك الاحتفاء الثقافي، الذي سرعان ما جعلنا نبدو كأصدقاء قدامى!
{ وهنا يكمن التأثير الأدبي الذي يرسّخ اللغة الإنسانية بين الشعوب! وكما أن الصين زاخرة بثقافاتها المتنوعة وتقاليدها وفنونها ومنطلقاتها الإنسانية، كذلك هي منطقتنا العربية والخليجية التي تحمل روح أبعادها الحضارية والثقافية والفنية القديمة والمستمرة، والساحة يجب أن تنفتح على كل ذلك في العلاقات الاستراتيجية الآسيوية الخليجية والعربية، ليحمل التبادل السياحي أبعاده المهمة على المستوى الشعبي!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك