العدد : ١٧٢٣٨ - الثلاثاء ٠٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٣٨ - الثلاثاء ٠٣ يونيو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ ذو الحجة ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

ما بين الخليج العربي ودول الآسيان والصين!

{‭ ‬مؤخرًا‭ ‬تم‭ ‬عقد‭ ‬قمتين‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬الأولى‭ ‬قمة‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬ودول‭ ‬الآسيان،‭ ‬والثانية‭ ‬قمة‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬والآسيان‭ ‬مع‭ ‬الصين‭.‬

خلال‭ ‬القمتين‭ ‬تمّ‭ ‬طرح‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأبعاد‭ ‬حول‭ ‬أهمية‭ ‬العلاقة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والشراكة‭ ‬سواء‭ ‬بين‭ ‬البحرين‭ ‬ودول‭ ‬الآسيان‭ ‬والصين‭. ‬أو‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬والصين‭ ‬والدول‭ ‬الآسيوية،‭ ‬خاصة‭ ‬نحو‭ ‬بلورة‭ ‬رؤية‭ ‬شراكة‭ ‬حقيقية،‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬يشهد‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬التحوّلات‭ ‬في‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬القائم‮»‬‭ ‬ويتجه‭ ‬نحو‭ ‬التعدّدية‭ ‬القطبية‭ ‬والتحالفات‭ ‬الجديدة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬لمست‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الآثار‭ ‬السلبية‭ ‬للعولمة‭ ‬المتوحشة،‭ ‬التي‭ ‬استفردت‭ ‬‮«‬الرأسمالية‭ ‬الغربية‮»‬‭ ‬طويلاً‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬بمصائر‭ ‬الدول،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ترسيخ‭ ‬وهيمنة‭ ‬القيم‭ ‬الغربية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتجارة‭ ‬والثورة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والاستهلاك‭ ‬وفي‭ ‬مجالات‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية،

دون‭ ‬مراعاة‭ ‬التباينات‭ ‬والاختلافات‭ ‬الحضارية‭ ‬والثقافية‭ ‬في‭ ‬العالم‭! ‬وحيث‭ ‬النموذج‭ ‬الغربي‭ ‬تمادى‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬ثقافات‭ ‬وقيم‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬إلى‭ ‬الحدّ‭ ‬الذي‭ ‬سعت‭ ‬فيه‭ ‬أكبر‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬السعي‭ ‬ليكون‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬قرنًا‭ ‬أمريكيًّا‭!‬

وكأن‭ ‬دول‭ ‬وشعوب‭ ‬العالم‭ ‬الأخرى‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬القرن‭ ‬الراهن‭!‬

{‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تتململ‭ ‬فيه‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬هذه‭ (‬الرؤية‭ ‬الاحتكارية‭) ‬للنموذج‭ ‬الغربي‭ ‬واستفرادها‭ ‬بالعالم‭ ‬كمحاولة‭ ‬مستمرة‭! ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬أرضية‭ ‬راسخة‭ ‬ومشتركة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬عامة‭ ‬والخليجية‭ ‬والدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬والصين،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المحمول‭ ‬الحضاري‭ ‬القديم،‭ ‬وحيث‭ ‬الحضارات‭ ‬العربية‭ ‬القديمة‭ ‬مثل‭ ‬حضارة‭ ‬دلمون‭ ‬والفرعونية‭ ‬والسومرية‭ ‬وحضارة‭ ‬أوغاريت‭ ‬والفينيقيين،‭ ‬والحضارات‭ ‬الآسيوية‭ ‬والحضارة‭ ‬الصينية،‭ ‬يجمعها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والأسس‭ ‬المشتركة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالنظرة‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬والإنسان‭ ‬والعالم،‭ ‬وبما‭ ‬يندرج‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والدينية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬بعض‭ ‬المنطلقات‭ ‬العقائدية‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬باستثناء‭ ‬المسلمين‭ ‬فيها،‭ ‬إلاّ‭ ‬أن‭ ‬خلاصتها‭ ‬القيمية‭ (‬من‭ ‬القيم‭) ‬هي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬مشتركة،‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬التي‭ ‬طرحناها‭ ‬أعلاه‭! ‬

{‭ ‬لذلك،‭ ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬أهمية‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬حول‭ ‬المصالح‭ ‬العامة‭ ‬كالاقتصاد‭ ‬والتجارة‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬وتطوير‭ ‬السياحة‭ ‬المستدامة،‭ ‬فإن‭ ‬الشراكة‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والبحوث‭ ‬وتطوير‭ ‬التبادل‭ ‬الثقافي‭ ‬العميق‭ ‬والجذري‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مرتكزات‭ ‬بناء‭ ‬العلاقات‭ ‬الشعبية‭ ‬وتنمية‭ ‬أعماقها‭ ‬الثقافية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬وتطوير‭ ‬أبعادها‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الإنسان‭ ‬ورؤيته‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬وعن‭ ‬العالم،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التبادل‭ ‬الراسخ‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬وحدها‭ ‬تبني‭ ‬العلاقات‭ ‬الأكثر‭ ‬عمقًا‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬المصالح‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المشتركة‭ ‬كدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬والدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬والصين‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬التعددية‭ ‬والتكاملية‭ ‬والتنمية‭ ‬الشمولية‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬الندوة‭ ‬التي‭ ‬أقيمت‭ ‬في‭ ‬‮«‬معهد‭ ‬الدراسات‭ ‬الاستراتيجية‮»‬‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وبدعوة‭ ‬صينية،‭ ‬حضرت‭ ‬الملتقى‭ ‬حول‭ ‬العلاقات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬البحرينية‭ ‬‭ ‬الصينية،‭ ‬وطرحت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري،‭ ‬حول‭ ‬أهمية‭ ‬التبادل‭ ‬الإعلامي‭ ‬والثقافي‭ ‬والبحثي،‭ ‬وترجمة‭ ‬الأدب‭ ‬الخليجي‭ ‬والبحريني‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الصينية،‭ ‬والعكس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مترجم‭ ‬عربيًا‭ ‬لآفاق‭ ‬الثقافة‭ ‬والأدب‭ ‬الصيني،‭ ‬وتداوله‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشعبي،‭ ‬وتخصيص‭ ‬ندوات‭ ‬ومنتديات‭ ‬لهذا‭ ‬الشأن،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الرؤية‭ ‬المستقبلية‭ ‬الحضارية‭ ‬والواعية‭ ‬للعلاقات‭ ‬المشتركة،‭ ‬تتطلب‭ ‬تنشيط‭ ‬الأدوار‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإعلامي‭ ‬المتبادل‭ ‬أو‭ ‬الفنيّ‭ ‬والثقافي‭ ‬أو‭ ‬الأهلي،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬القيم‭ ‬الثقافية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والسياسية‭ ‬المشتركة‭! ‬وحيث‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬والصين‭ ‬والعربية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الخليجية،‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬أكثر‭ ‬أمنا‭ ‬واستقرارًا‭ ‬وتكاملية،‭ ‬تسودها‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬وتكامل‭ ‬الحضارات،‭ ‬وليس‭ ‬سطوة‭ ‬نموذج‭ ‬بعينه‭ ‬على‭ ‬مجمل‭ ‬المنظومات‭ ‬الحضارية‭ ‬والثقافية‭ ‬الأخرى،‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬الغرب‭!‬

{‭ ‬ولتبيان‭ ‬أثر‭ ‬الجانب‭ ‬الثقافي‭ ‬والأدبي‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬سواء‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬أو‭ ‬الدول،‭ ‬كان‭ ‬لافتًا‭ ‬ترحيب‭ ‬أحد‭ ‬الحضور‭ ‬الصينيين‭ ‬في‭ ‬الملتقى،‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬سمع‭ ‬باسمي،‭ ‬حتى‭ ‬قال‭ ‬لي‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬قرأت‭ ‬لك‭ ‬قصصك‭ ‬وأعجبتني‭ ‬كثيرًا‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬القمر‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬مجموعاتي‭ ‬القصصية،‭ ‬وإذا‭ ‬بطالب‭ ‬صيني‭ ‬آخر،‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬قرأ‭ ‬القصة‭ ‬وأعجب‭ ‬بها،‭ ‬لأن‭ ‬الأستاذ‭ ‬‮«‬بسام‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬اسم‭ ‬المحاضر‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الجامعات‭ ‬الصينية‭ ‬ويدرّس‭ ‬كما‭ ‬فهمت‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬عرفّنا‭ ‬بقصصك‭! ‬بالطبع‭ ‬أسعدني‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬أسعدني‭ ‬أكثر‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الاحتفاء‭ ‬الثقافي،‭ ‬الذي‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬جعلنا‭ ‬نبدو‭ ‬كأصدقاء‭ ‬قدامى‭!‬

{‭ ‬وهنا‭ ‬يكمن‭ ‬التأثير‭ ‬الأدبي‭ ‬الذي‭ ‬يرسّخ‭ ‬اللغة‭ ‬الإنسانية‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭! ‬وكما‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬زاخرة‭ ‬بثقافاتها‭ ‬المتنوعة‭ ‬وتقاليدها‭ ‬وفنونها‭ ‬ومنطلقاتها‭ ‬الإنسانية،‭ ‬كذلك‭ ‬هي‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية‭ ‬والخليجية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬روح‭ ‬أبعادها‭ ‬الحضارية‭ ‬والثقافية‭ ‬والفنية‭ ‬القديمة‭ ‬والمستمرة،‭ ‬والساحة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنفتح‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الآسيوية‭ ‬الخليجية‭ ‬والعربية،‭ ‬ليحمل‭ ‬التبادل‭ ‬السياحي‭ ‬أبعاده‭ ‬المهمة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشعبي‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا