عالم يتغير

فوزية رشيد
هل نحن فعلا في القرن الحادي والعشرين؟
{ لكأننا أمام مشهد خرافي أو سريالي ينزلق فيه العالم كله، بما يحمله من بشر نحو هاوية سحيقة! البشر الذين أقاموا الحضارات الإنسانية الكبرى! والذين أبدعوا في كل مجالات الإبداع، ووثقوّا في آثارهم الشعر والمرويات والأساطير، ونقشوا على الجدران أسرار الحقب الزمنية التي عاشوها! وبرعوا في ترك آثار لا تزال تحتفظ بعظمة ألغازها في البناء والعمران والفنون والصناعة والري والطب والهندسة، وبل وفي الفيزياء والفلك وعلوم الكونيات! وفي أساليب الإدارة وتنظيم حياة البشر في حضاراتها الكبرى، وسطروا المعارف والوصايا والتعاليم الدينية، واحتفوا باللغة والشعر، وجابوا الأرض المحفوفة بالغموض والأسرار، التي نقشوها في الكتب القديمة، والتي تمّ حرق أغلبها أو كلها في مكتبة الإسكندرية! البشر الذين أجابوا عن كثير من الأسئلة الحائرة، ربما ما تركوه من آثار ومعابد ومعارف تتجلى فيها الأسئلة الميتافيزيقية والروحية! والأساطير المفعمة بالشعر والنصوص الرائعة، وبما يدل على من يفكّ لغتها من العرب أنها ذات أصول ترتبط باللغة العربية القديمة، على عكس قراءات المستشرقين و«شامبليون» الذي قال إنه فكّ ألغاز اللغة الهيروغليفية!
البشر الذين رصدوا بمعارفهم المتقدمة منذ آلاف السنين التحولات الكونية وسرّ الوجود، مرتبطين بالمعارف الأولى الحقيقية التي تعلمها «آدم» من خالقه الذي علمه الأسماء كلها وليس كما جاء في نظرية التطور حول تطور الإنسان تحديدًا والأديان والحضارات!، وحيث الآثار الجديدة والقراءات الجديدة لها، تدّل على الفطرة في توحيد الله والإنسان العاقل ومعارفه الدينية، رغم أن قراءات المستشرقين حوّلت تجاربهم الروحية إلى الوثنية، التي كانت مجرد انحراف زمني جزئي في بعض الحضارات القديمة ولكن ليس عنوانًا لها! والترانيم الدينية والطقوس والأناشيد في الحضارة السومرية والفرعونية وما بعدهما، تدّل على أن تاريخ الحضارة البشرية هي حضارات ذات توجهات دينية توحيدية، وذات قيم إنسانية وفكرية راقية! وذات ملامح تعبرّ عن نضج الفلسفات الأولى حول الوجود والإنسان، والعالم وماهية الحياة ورحلة ما بعد الموت في نصوص أدبية روحية كان يزخر بها العالم القديم! وأن المرأة كانت شريكا حقيقيًا في إدارة الأمم، ومثالها «بلقيس» وزنوبيا وغيرهما ممن يريد أن يبحث عن وجه المرأة الحاكمة في كل الحضارات القديمة العربية وغير العربية!
{ إن الرؤى والفلسفات والتصورات التي زخرت بها الألواح الأثرية القديمة، تدّل على ذلك الانهماك الثريّ في وضع التصوّرات الفلسفية والروحية الدينية حول الحياة والموت والبحث عن الخلود، وكل قضايا الإنسان المعيشة وصراعاته الدنيوية وأحواله ومصائره الأخروية بعد الموت! وهم منذ ذلك التاريخ القديم أسسّوا لكل التفاسير الفكرية والفلسفية والفنية والثقافية وحتى السياسية، بعيدًا عن ذلك الاجتزاء في التاريخ الذي أراد ترسيخ فكرة التأسيس الأول في كل شيء للحضارة الإغريقية!، التي في حقيقتها تأثرت بالحضارات العربية القديمة وليس العكس!
{ اليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين يعتقد البعض أن البشرية وصلت إلى أعلى مدارج التطوّر العلمي والذهني والوجداني والروحي، وأنه اخترع النظام الذي به ينتهي التاريخ!
وإن تجلياته في الفكر والفلسفة والفنون والثقافة والسياسة وإدارة الحياة، هي وثبة تطورّية عن عصور ما قبل التاريخ، التي تمّ تصويرها أنها كانت متخلفة! بل إن الإنسان كان مجرد قرد! رغم أن هناك دلائل ومكتشفات لا يتمّ إعلانها رسميا تثبت أن الحضارات القديمة كانت الأكثر تطورًا حتى في مجال المكتشفات العلمية! وأن السبق في الوعي في كل المجالات بدأت هناك!
{ ولكن السؤال الجوهري في كل ما سردناه: هل فعلا نحن نعيش القرن الحادي والعشرين باعتباره نقطة التطور البشري الحضاري في كل المجالات؟! أم أننا نعيش أسوأ العصور التي تدهور فيها العالم نحو الحضيض في كل المجالات؟! وحيث تراجعت مع طفرة التطوّر العلمي، كل ما هو روحي وديني ووجداني وفكري وفلسفي وحقوقي!، رغم الادعاء بأن كل ذلك انتقل إلى البشرية في زمنها الراهن من الحضارة الغربية، التي أثبتت اليوم سقوطها في كل تلك المضامير بعد آلاف من مراحل الحضارات القديمة التي أنشأت نموذجها الحضاري بالتكامل بين التطوّر العلمي والروحي والفكري، وهو ما فشلت فيه حضارة القرن الحادي والعشرين؟!
{ أين مبادئ حقوق الإنسان ونحن نشهد أقسى نماذج «النازية الفاشية» التي تبيد البشر أمام أعين كل حكام الأرض، حصارًا وقتلاً وتجويعًا! ولا أحد يمتلك قوة الفِعل لإيقاف هذا النموذج المتمثل في كيان مصطنع وضع العالم والبشرية كلها أمام حقيقة الانحطاط الحضاري الذي نعيشه! أين النظام الدولي؟! وأين حقوق الانسان؟ وأين القيم الإنسانية؟! وأين القيم الحضارية المتطوّرة التي من المفترض أنها طورتها البشرية عبر آلاف السنوات؟!
أين الإنسانية وأين الرحمة؟ وأين المبادئ الدولية والقانونية؟
وأين العقائد والأفكار والفلسفات والتجليات الروحية؟!
أين الشعر والفنون والأدب؟ وأين الارتقاء الإنساني في القرن الحادي والعشرين؟! أين قضايا الإنسان والحياة؟! وأين مبادئ الحروب؟! وأين الحوار الفكري الدولي حول حقيقة النازية الفاشية الجديدة التي تمثلها همجية كيان مصطنع يتحدّى العالم كله بوحشيته؟! أين البشرية من كل ذلك؟!
{ أين كل تراكمات البشرية الحضارية في الفكر والروح والوجدان والعالم وكأنه يشهد نهايته في سقوط مدّوٍ لا مثيل له أمام غزة، وهو الذي يدَّعي أنه حارب النازية في حربين عالميتين، فإذا به يسقط في كل امتحانات الحضارات البشرية أمام النازية الفاشية الجديدة، لندرك أننا ليس فقط لا نعيش القرن الحادي والعشرين، بل إننا نعيش في غابة تديرها الوحوش!، والتي تدعيّ أن وحشيتها هي الحضارة ومن أجل الحفاظ على الحضارة! مثلما تدعيّ أنها تمثلّ إرادة «الإله الدموي» الذي تعبده والخاص بها، ولا صلة له بـ«الله ربّ العالمين» الذي دارت كل تصورات الحضارات القديمة ولا تزال حوله!
إن هؤلاء وحوش القرن الحادي والعشرين، يعملون على إسقاط كل ما بنته البشرية والإنسانية عبر آلاف السنين! فهل من جهة توقف تدحرج هذه البشرية نحو الهاوية؟!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك