العدد : ١٧٢٢٨ - السبت ٢٤ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٦ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٢٨ - السبت ٢٤ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٦ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

العالم والمخاض الصعب!

{‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقدين‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬دخول‭ ‬العالم‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة‭ ‬وهناك‭ ‬تراكمات‭ ‬كثيرة‭ ‬وخطيرة‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬العالمية،‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬أحداث‭ ‬سبتمبر‭ ‬التي‭ ‬أكد‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬أنفسهم‭ ‬والغربيين‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬مفتعلة‭! ‬لتدشين‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬الجديدة‭ ‬للدولة‭ ‬العميقة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬أمركة‭ ‬العالم‭ ‬عبر‭ ‬الحروب،‭ ‬وإضعاف‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬الممر‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تمهيدا‭ ‬للمواجهة‭ ‬الكبرى‭ ‬مع‭ ‬المنافس‭ ‬الرئيس‭ ‬لها‭ ‬وهو‭ ‬الصين‭! ‬وما‭ ‬كانت‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬والعراق‭ ‬واحتلالهما‭ ‬إلا‭ ‬البداية‭! ‬وفي‭ ‬الطريق‭ ‬احتدمت‭ ‬الأوضاع‭ ‬ضد‭ ‬المسلمين‭ ‬والإسلام‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬عملت‭ ‬فيه‭ ‬إدارة‭ ‬أوباما‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وكما‭ ‬انكشف‭ ‬في‭ ‬الوثيقة‭ ‬السرية‭ ‬PSD11‭ ‬على‭ ‬المحاولة‭ ‬الجادة‭ ‬مع‭ ‬أحداث‭ ‬الخريف‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬استبدال‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬بالإخوان‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وبالموالين‭ ‬للنظام‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭! ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فشل‭ ‬تحقيقه‭ ‬مع‭ ‬انكشاف‭ ‬المخطط‭ ‬وإسقاط‭ ‬الإخوان‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬أو‭ ‬حكم‭ ‬مرسي‭ ‬ومع‭ ‬دخول‭ ‬الشريك‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬أطماعه‭ ‬وطموحاته‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الخط‭ ‬الأحمر‭ ‬المرسوم‭ ‬له‭! ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تحجيم‭ ‬النفوذ‭ ‬الإيراني‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬ضرب‭ ‬المليشيات‭ ‬التابعة‭ ‬له‭ ‬وأهمها‭ ‬مليشيا‭ ‬حزب‭ ‬لبنان‭ ‬الإيراني‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬نهايته‭ ‬بعد‭!‬

{‭ ‬تغيرت‭ ‬الخارطة‭ ‬السياسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬مع‭ ‬دخول‭ ‬الساحة‭ ‬العالمية‭ ‬رئيسها‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬ولايتين‭ ‬وهو‭ ‬ترامب،‭ ‬كما‭ ‬تغيرت‭ ‬المعادلة‭ ‬الإقليمية‭ ‬مع‭ ‬اكتساب‭ ‬الخليج‭ ‬ثقلا‭ ‬دوليا‭ ‬وخاصة‭ ‬ببروز‭ ‬الثقل‭ ‬السعودي‭ ‬الذي‭ ‬اكتسب‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬ثقله‭ ‬وتأثيره،‭ ‬أثقالا‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الخليجي‭ ‬والعربي‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي،‭ ‬ومحاولة‭ ‬الخليج‭ ‬تنويع‭ ‬تحالفاته‭ ‬والتوازن‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬وروسيا‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬التأثير‭ ‬الدولي،‭ ‬ليتجسد‭ ‬التململ‭ ‬الدولي‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬متجها‭ ‬إلى‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬السطوة‭ ‬الأمريكية‭ ‬المطلقة‭ ‬إلى‭ ‬التعددية‭ ‬القطبية‭ ‬رغم‭ ‬محاولات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عرقلة‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬العالمي‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تسجل‭ ‬نجاحا‭ ‬كبيرا‭ ‬لأن‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬في‭ ‬صالحها‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬كثيرة‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬حتى‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬أعلنتها‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬وعلى‭ ‬الصين‭ ‬تحديدا‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬لجم‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وعلى‭ ‬لجم‭ ‬التطلع‭ ‬العالمي‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭ ‬والاستقرار‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬وعلى‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬المتغير‭ ‬العربي‭ ‬والإقليمي‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ثالثة‭.‬

{‭ ‬بعد‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬ورغم‭ ‬الرواية‭ ‬الصهيونية‭ ‬التي‭ ‬أشاعتها‭ ‬لتبرير‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬والإبادة‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬استيقظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الضمير‭ ‬الشعبي‭ ‬العالمي‭ ‬ابتلاعه‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬طول‭ ‬مدة‭ ‬ممارسات‭ ‬الإبادة‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬يتململ‭ ‬بقوة‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬انكشاف‭ ‬حقيقة‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الغربي‭ ‬والاستعماري‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬الجائرة‭ ‬وحيث‭ ‬إسقاط‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والحقوقية‭ ‬في‭ ‬مستنقع‭ ‬التبرير‭ ‬للجرائم‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تبريرها‭ ‬وزيادة‭ ‬ضغط‭ ‬الشعوب‭ ‬الغربية‭ ‬والعالمية‭ ‬لإيقاف‭ ‬الحرب‭ ‬ومنع‭ ‬ممارسات‭ ‬الكيان‭ ‬لتجويع‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬ضدهم‭ ‬لكي‭ ‬يهاجروا‭ ‬من‭ ‬أرضهم‭ ‬عبر‭ ‬القتل‭ ‬الممنهج‭ ‬والتدمير‭ ‬المتواصل‭ ‬وقتل‭ ‬الأطفال‭ ‬جعل‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وغيره‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬الرواية‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬أقسى‭ ‬لحظاتها‭ ‬بل‭ ‬حاليا‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬سقوطها‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬ضغط‭ ‬حتى‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أكبر‭ ‬داعم‭ ‬لها‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وكندا،‭ ‬ليدخل‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬الضغوط‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬غربية‭ ‬غير‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬رافضة‭ ‬لجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭!‬

{‭ ‬العالم‭ ‬يعيش‭ ‬اليوم‭ ‬مخاضه‭ ‬الصعب‭ ‬ضد‭ ‬الصهيونية‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬أثقلت‭ ‬قبضتها‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬سواء‭ ‬بالحروب‭ ‬العسكرية‭ ‬الصلبة‭ ‬أو‭ ‬بالحروب‭ ‬الناعمة‭ ‬والتلاعب‭ ‬بتاريخ‭ ‬البشرية‭ ‬والقيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬والتي‭ ‬تواجهها‭ ‬اليوم‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬نفسه‭ ‬وبينهم‭ ‬يهود‭ ‬ضد‭ ‬الصهيونية‭! ‬ومع‭ ‬التصعيد‭ ‬في‭ ‬إبادة‭ ‬غزة‭ ‬تصاعدت‭ ‬الضغوط‭ ‬الدولية‭ ‬حتى‭ ‬صرح‭ ‬المسؤولون‭ ‬الصهاينة‭ ‬في‭ ‬الكيان‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬تسونامي‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬يواجهنا‭! ‬وفي‭ ‬تصريح‭ ‬آخر‭ (‬العالم‭ ‬كله‭ ‬ضدنا‭)! ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬تلك‭ ‬التصريحات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مقبولا‭ ‬فيها‭ ‬استثناء‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬عالميا‭ ‬باستمرار‭ ‬ارتكابه‭ ‬الإبادة‭ ‬دون‭ ‬محاسبة‭ ‬قانونية‭ ‬أو‭ ‬عقاب‭! ‬وحيث‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الكبرى‭ ‬الداعمة‭ ‬للكيان‭ ‬بشكل‭ ‬مطلق‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬حرج‭ ‬ومأزق‭ ‬كبير‭ ‬أمام‭ ‬شعوبها‭ ‬ودول‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬دعمها‭ ‬المطلق‭ ‬لجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬العامين‭ ‬وصمتها‭ ‬عن‭ ‬الممارسات‭ ‬اللاأخلاقية‭ ‬واللاإنسانية‭ ‬في‭ ‬هواية‭ ‬قتل‭ ‬الأطفال‭ ‬والمدنيين‭ ‬وبالمئات‭ ‬يوميا‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬شريكا‭ ‬كاملا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭!‬

{‭ ‬إنه‭ ‬الانكشاف‭ ‬الكبير‭ ‬للنظام‭ ‬الدولي‭ ‬القائم‭ ‬والانحياز‭ ‬غير‭ ‬المبرر‭ ‬وغير‭ ‬المنطقي‭ ‬للجرائم‭ ‬والحروب‭ ‬ونسف‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬عليه‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬القانوني‭ ‬والمؤسساتي‭ ‬الأممي‭ ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬والأخلاقي‭ ‬والإنساني‭ ‬فيما‭ ‬العالم‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والتعايش‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬والتكامل‭ ‬التنموي‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬نموذج‭ ‬القبح‭ ‬المستشري‭ ‬وأيقونة‭ ‬هذا‭ ‬القبح‭ ‬يتجسد‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭!‬

ولعل‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬كشفت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأقنعة‭ ‬وتساقطت‭ ‬في‭ ‬ساحتها‭ ‬كل‭ ‬المرويات‭ ‬الصهيونية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تأسيسها‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الـ200‭ ‬عام‭! ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬حركت‭ ‬كل‭ ‬المآزق‭ ‬والأزمات‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬العالم‭ ‬تحت‭ ‬سطوة‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬اعتبر‭ ‬نفسه‭ ‬يوما‭ ‬إلها‭ ‬يعبده‭ ‬الآخرون‭!‬

هو‭ ‬المخاض‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬البشري‭ ‬حضاريا‭ ‬وإنسانيا‭ ‬وحتما‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬المخاض‭ ‬ولادة‭ ‬لطفل‭ ‬سيغير‭ ‬وجه‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬حين‭ ‬يكبر،‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬الاستفراد‭ ‬الغربي‭ ‬بالعالم‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا