عالم يتغير

فوزية رشيد
العالم والمخاض الصعب!
{ منذ أكثر من عقدين أو مع دخول العالم الألفية الجديدة وهناك تراكمات كثيرة وخطيرة من الأزمات العالمية، بدأت مع أحداث سبتمبر التي أكد عديد من المحللين الأمريكيين أنفسهم والغربيين أنها كانت مفتعلة! لتدشين الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للدولة العميقة القائمة على الاستمرار في أمركة العالم عبر الحروب، وإضعاف الدول التي تعتبر الممر الأساس في الشرق الأوسط تمهيدا للمواجهة الكبرى مع المنافس الرئيس لها وهو الصين! وما كانت الحروب في أفغانستان والعراق واحتلالهما إلا البداية! وفي الطريق احتدمت الأوضاع ضد المسلمين والإسلام في الوقت الذي عملت فيه إدارة أوباما بعد ذلك وكما انكشف في الوثيقة السرية PSD11 على المحاولة الجادة مع أحداث الخريف العربي على استبدال الأنظمة العربية بالإخوان من جهة وبالموالين للنظام الإيراني من جهة أخرى! وهو ما فشل تحقيقه مع انكشاف المخطط وإسقاط الإخوان في مصر أو حكم مرسي ومع دخول الشريك الإيراني في مسار أطماعه وطموحاته الخاصة في المنطقة بعيدا عن الخط الأحمر المرسوم له! مما أدى إلى العمل على تحجيم النفوذ الإيراني وخاصة بعد ضرب المليشيات التابعة له وأهمها مليشيا حزب لبنان الإيراني وهو الأمر الذي لم يصل إلى نهايته بعد!
{ تغيرت الخارطة السياسية الأمريكية مع دخول الساحة العالمية رئيسها الجديد في ولايتين وهو ترامب، كما تغيرت المعادلة الإقليمية مع اكتساب الخليج ثقلا دوليا وخاصة ببروز الثقل السعودي الذي اكتسب في ميزان ثقله وتأثيره، أثقالا جديدة في السنوات الأخيرة سواء على المستوى الخليجي والعربي أو على المستويين الإقليمي والدولي، ومحاولة الخليج تنويع تحالفاته والتوازن بينه وبين القوى الدولية الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وغيرها من الدول ذات التأثير الدولي، ليتجسد التململ الدولي بشكل واضح متجها إلى الانتقال من السطوة الأمريكية المطلقة إلى التعددية القطبية رغم محاولات الولايات المتحدة عرقلة هذا المسار العالمي ولكن دون أن تسجل نجاحا كبيرا لأن موازين القوى في العالم لم تعد في صالحها في مجالات كثيرة ولم تعد حتى الحرب التجارية التي أعلنتها على العالم وعلى الصين تحديدا قادرة على لجم الصين من ناحية، وعلى لجم التطلع العالمي إلى التغيير والاستقرار من ناحية أخرى، وعلى الوقوف في وجه المتغير العربي والإقليمي من ناحية ثالثة.
{ بعد 7 أكتوبر 2023 ورغم الرواية الصهيونية التي أشاعتها لتبرير جرائم الحرب والإبادة التي يقوم بها الكيان الصهيوني إلا أن العالم كله استيقظ على ما لا يستطيع الضمير الشعبي العالمي ابتلاعه وخاصة مع طول مدة ممارسات الإبادة مما جعل العالم كله يتململ بقوة وخاصة مع انكشاف حقيقة النظام الدولي الغربي والاستعماري القائم على الهيمنة الجائرة وحيث إسقاط القانون الدولي والمؤسسات الدولية والإنسانية والحقوقية في مستنقع التبرير للجرائم الكبرى التي لا يمكن تبريرها وزيادة ضغط الشعوب الغربية والعالمية لإيقاف الحرب ومنع ممارسات الكيان لتجويع أهل غزة والتطهير العرقي ضدهم لكي يهاجروا من أرضهم عبر القتل الممنهج والتدمير المتواصل وقتل الأطفال جعل كل ذلك وغيره أن تعيش الرواية الصهيونية في أقسى لحظاتها بل حاليا تعاني من سقوطها وخاصة مع تزايد ضغط حتى الدول الكبرى التي هي أكبر داعم لها مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا، ليدخل إلى قائمة الضغوط دول أخرى غربية غير تلك الدول التي كانت رافضة لجرائم الحرب وعلى رأسها جنوب إفريقيا!
{ العالم يعيش اليوم مخاضه الصعب ضد الصهيونية العالمية التي أثقلت قبضتها على العالم سواء بالحروب العسكرية الصلبة أو بالحروب الناعمة والتلاعب بتاريخ البشرية والقيم الإنسانية والأخلاقية والتي تواجهها اليوم الأجيال الجديدة في الغرب نفسه وبينهم يهود ضد الصهيونية! ومع التصعيد في إبادة غزة تصاعدت الضغوط الدولية حتى صرح المسؤولون الصهاينة في الكيان بأن هناك تسونامي من الضغط يواجهنا! وفي تصريح آخر (العالم كله ضدنا)! إلى آخر تلك التصريحات التي لم يعد مقبولا فيها استثناء الكيان الصهيوني عالميا باستمرار ارتكابه الإبادة دون محاسبة قانونية أو عقاب! وحيث الدول الغربية الكبرى الداعمة للكيان بشكل مطلق تجد نفسها في حرج ومأزق كبير أمام شعوبها ودول العالم بعد دعمها المطلق لجرائم الحرب منذ ما يقارب العامين وصمتها عن الممارسات اللاأخلاقية واللاإنسانية في هواية قتل الأطفال والمدنيين وبالمئات يوميا مما يجعلها شريكا كاملا في كل ذلك!
{ إنه الانكشاف الكبير للنظام الدولي القائم والانحياز غير المبرر وغير المنطقي للجرائم والحروب ونسف كل ما قام عليه هذا النظام الدولي على المستوى القانوني والمؤسساتي الأممي وعلى المستوى السياسي والأخلاقي والإنساني فيما العالم يبحث عن السلام والأمن والاستقرار والتعايش بين الشعوب والتكامل التنموي بعيدا عن نموذج القبح المستشري وأيقونة هذا القبح يتجسد بشكل كامل في الكيان الصهيوني وحرب الإبادة التي يقوم بها!
ولعل غزة التي كشفت الكثير من الأقنعة وتساقطت في ساحتها كل المرويات الصهيونية التي تم تأسيسها منذ ما يقارب الـ200 عام! هي ذاتها التي حركت كل المآزق والأزمات التي يعيشها العالم تحت سطوة الغرب الذي اعتبر نفسه يوما إلها يعبده الآخرون!
هو المخاض الصعب على المستوى البشري حضاريا وإنسانيا وحتما ما بعد المخاض ولادة لطفل سيغير وجه العالم كله حين يكبر، وبعيدا عن الاستفراد الغربي بالعالم!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك