عالم يتغير

فوزية رشيد
صمت الشعوب العربية: هل من تفسير؟!
{ أذكر ونحن، أي الشعوب العربية، الذين ترعرعنا منذ الطفولة والشباب وحتى قبل عقدين من الزمن، على التحرك للمبدئي والوجداني والسياسي والإنساني لمناصرة أي شعب عربي يتعرض لعدوان خارجي، فيما كانت فلسطين المحتلة وحدها تحتكر أغلب التحركات الشعبية العربية والإسلامية مناصرة لقضيتها والظلم الفادح الواقع عليها منذ 1948، فإن العقود الأخيرة أوضحت حجم التراجع في النزول إلى الشارع بالمظاهرات الاحتجاجية كما كانت عليه سابقًا ضد الكيان الصهيوني، رغم أن هذا الكيان بلغ مبلغا لا أخلاقيًّا ولا إنسانيًّا في مواجهة الشعب الفلسطيني بل والعربي الذي يقع تحت قبضة احتلاله ووحشيته، حتى لم تعد تشهد الشوارع العربية إلا ما هو قليل ونادر من الاحتجاجات الشعبية ضد جرائم الحرب المرتكبة التي يندى لها جبين الإنسانية! وكانت ذكرى النكبة لا تمر على شعوبنا مرور الكرام كما هو الآن ومنذ عدة عقود، بما يشير إلى أن الصمت العربي ضد حتى حرب الإبادة ودولة الإبادة الجماعية، لم يعد على نطاق الدول العربية، بل امتد ليشمل ردّات الفعل الشعبية العربية، التي تأتي ردود أفعالها منذ ما يقارب العامين (عام وسبعة أشهر) خجولة أو رمزية إلى أقصى حدّ!
{ فما سر هذا الصمت الشعبي العربي؟ في الوقت الذي تضج فيه مثلا شوارع الغرب والعالم بالمظاهرات وبشكل مستمر ضد وحشية الكيان؟! بل إنه في ذكرى النكبة وبسبب التجويع الممنهج وخطة «عربات جدعون» العسكرية ذات الخلفية الدينية الملفقة، حركت حتى دولا أوروبية داعمة لجرائم الكيان مثل بريطانيا وفرنسا وكندا، باتخاذ إجراءات ضده إذا لم تقبل بدخول المساعدات أو وقف التحركات العسكرية البرية! فيما وقف برلمانيون أوروبيون في رفح يطالبون بوقف مذبحة غزة وحظر تصدير السلاح إلى الكيان الصهيوني، وبذلك فقد تحركت ردود الأفعال الغربية على المستوى الرسمي والشعبي الضاغط على قيادات دوله، فيما «عربات جدعون» بعد كل الإبادة التي تمت منذ أكتوبر 2023، ولمواصلة الإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري بوصف التهجير الطوعي، لم تحرك ساكناً لدى الشعوب العربية حتى الآن! ولتعبّر عن رفضها القاطع والجماعي لاستمرار الإبادة حتى آخر فلسطيني!
{ هل السر هو تراجع الأحزاب السياسية العربية والمؤسسات المدنية والأهلية عن أداء دورها في قيادة المواقف الشعبية المشروعة بل حتى الإنسانية مما تقوم به دولة الإبادة الجماعية، بحيث لم يعد لتلك الأحزاب والمؤسسات أي دور شعبي حقيقي أو موقف واضح من التهديدات الأمنية سواء على مستوى الداخل أو على مستوى الأمن القومي الذي يصرح قادة الكيان الصهيوني بتهديده وبالتوسع كل يوم؟! هل السر هو في تراجع دور أغلب المثقفين والمفكرين العرب الذين يتصرفون تجاه الفواجع التي تحدث في غزة، وكأن لا شيء يحدث! وإذا تحدث أحدهم على الفضائيات فهو في إطار السياسات الإعلامية لتلك القنوات، بحيث تأتي تحليلاتهم باردة كمن يده في ماء بارد! فيما غزّة تُباد ومشاهد الإبادة أرهقت كل من لديه ضمير إنساني في العالم كله! فما بال الإخوة العرب من مثقفين ومفكرين وكتاب وصحفيين وأحزاب وكأن أهل غزة ليسوا إخوة في الدين والعروبة والإنسانية؟!
{ هل السر كما يقول البعض هو في توغل الرواية الصهيونية في العقل العربي حول وجودها وحق توسعها، بحسب التلفيق التوارتي، بما يجعل العقول العربية الفاعلة والمؤثرة واقعة في دائرة التصهين، سواء بعلم أو بغير علم؟!
أم أن السر كما يقول آخرون هو في موقف السلطات العربية من القضية الفلسطينية ومن الكيان الصهيوني، حيث القضاء على «حماس» يبرر القضاء على أهل غزة ولو في إطار الإبادة الجماعية؟! وأن الموقف الرسمي الداعي في أغلبه إلى السلام مع هذا الكيان رغم كل تهديداته بتهويد فلسطين بالكامل، والزحف التوسعي نحو دول عربية أخرى، قد يجعل من الشعوب العربية إذا نادت ضد هذا الكيان، أو تظاهرت، أو احتجت على الرؤى الرسمية العربية، تكون كمن يحتج على الأنظمة العربية نفسها، فتدخل بذلك في الصمت المشين الذي نراه اليوم لتتجنب المشاكل؟!
{ أم أن السر في الضعف العربي وتساقط العديد من دوله في الفوضى واللا استقرار وفي انقسامات الرؤى العربية من الكيان ومن القضية الفلسطينية، التي كانت توحِّدها يوماً ما؟! أم أن التفسير هو في تكالب أقوى الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، في الدعم المطلق عسكريا وماديا ولوجستيا، بحيث وبعد تراجع أي رغبة عربية في مواجهة عسكرية مع الكيان لهذا السبب، تراجعت بدورها عن ممارسة أي ضغوط على هذه القوى الغربية الداعمة له؟! وهل لكل تلك الأسباب وغيرها كثير، تراجع الدور الشعبي العربي عن نصرة إخوة لهم، يبادون أمام أعينهم كل يوم بأبشع أشكال القتل والمجازر والتدمير والتجويع والتطهير العرقي وبالبث المباشر يوميا؟!
{ في الواقع موقف الشعوب العربية غير الفاعل وغير المؤثر ضد حرب الإبادة يحتاج إلى مراجعة حقيقية وتدقيق عميق، لمعرفة ما حدث ويحدث في العقل الجمعي العربي! سواء على المستوى الرسمي أو على المستوى الشعبي، الذي نتحدث عنه هنا! فهل وقعت العقول العربية في حصار الرواية الصهيونية رغم ما بها من تلفيق وتزوير تاريخي وديني، ورغم ما ترتكبه باسم ذلك التلفيق من إبادة جماعية وتطهير عرقي، حتى قال عضو كنيست «إسرائيلي» وهو يتفاخر مؤخراً (نقتل 100 شخص في غزة يومياً ونقتل في لبنان وسوريا ولا أحد يكترث)! هكذا وبكل بجاحة يتفاخر! أين شعوبنا العربية؟! وماذا حدث لها؟!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك