العدد : ١٧٢٢٤ - الثلاثاء ٢٠ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٢٤ - الثلاثاء ٢٠ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

عربات جدعون: ختام الإبادة والتهجير القسري!

{‭ ‬في‭ ‬نكبة‭ ‬1948‭ ‬أطلق‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬عملية‭ ‬جدعون‮»‬‭ ‬على‭ ‬إحدى‭ ‬عملياته‭ ‬في‭ ‬تصفية‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬آنذاك،‭ ‬وكانت‭ ‬العملية‭ ‬حينئذ‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬‮«‬منطقة‭ ‬بسيان‮»‬‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وطرد‭ ‬سكانها‭! ‬واليوم‭ ‬يستعيد‭ ‬الكيان‭ ‬ذكرى‭ ‬تلك‭ ‬العملية‭ ‬الإرهابية،‭ ‬ليطلقها‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬بدأ‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬لتهجير‭ ‬سكانها‭ ‬قسراً،‭ ‬وباسم‭ ‬‮«‬عربات‭ ‬جدعون‮»‬‭! ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بعدة‭ ‬مراحل،‭ ‬وقد‭ ‬نفذت‭ ‬مرحلتها‭ ‬الأولى‭ ‬بضربات‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬منذ‭ ‬أيام،‭ ‬وقالت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬يديعوت‭ ‬أحرونوت‮»‬‭ ‬إن‭ ‬‮«‬عربات‭ ‬جدعون‮»‬‭ ‬تمر‭ ‬بثلاث‭ ‬مراحل،‭ ‬وإن‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬ستكون‭ ‬عمليات‭ ‬جوية‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬عمليات‭ ‬برية،‭ ‬ونقل‭ ‬معظم‭ ‬السكان‭ ‬المدينين‭ ‬إلى‭ ‬جنوب‭ ‬القطاع‭! ‬أي‭ ‬حشر‭ ‬2,2‭ ‬مليون‭ ‬فلسطيني‭ ‬هناك‭! ‬فيما‭ ‬المرحلة‭ ‬الثالثة‭ ‬وفق‭ ‬الصحيفة‭ ‬ستعمل‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬قوات‭ ‬عسكرية‭ ‬براً‭ ‬لاحتلال‭ ‬أجزاء‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬بشكل‭ ‬تدريجي،‭ ‬أي‭ ‬احتلال‭ ‬كامل‭ ‬غزة‭! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أعلن‭ ‬الجمعة‭ ‬الماضية‭ (‬توسيع‭ ‬إبادته‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭)!‬

أي‭ ‬أن‭ ‬‮«‬عربات‭ ‬جدعون‮»‬‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬هدفها‭ ‬المعلن‭ ‬احتلال‭ ‬كامل‭ ‬غزة‭ ‬وتهجير‭ ‬كل‭ ‬أهلها‭! ‬بخلفية‭ ‬الدلالات‭ ‬العسكرية‭ ‬والدينية‭ ‬والتاريخية‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬بيسان‭ ‬في‭ ‬1948‭!‬

{‭ ‬وفيما‭ ‬ارتكبت‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬عشرات‭ ‬المجازر‭ ‬المروعة‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬جولة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬فإنها‭ ‬أوصلت‭ ‬رسالتها‭ ‬إليه‭ ‬وإلى‭ ‬كل‭ ‬العرب‭ ‬بأن‭ ‬لا‭ ‬مستقبل‭ ‬لغزة‭ ‬غير‭ ‬احتلالها‭ ‬بالكامل‭ ‬ولا‭ ‬نهاية‭ ‬للإبادة‭! ‬وأمام‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الهجرة‭ ‬من‭ ‬أرضهم‭ ‬أو‭ ‬الموت‭ ‬كالحيوانات‭ ‬وهذا‭ ‬مسمى‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لدى‭ ‬الكيان،‭ ‬وبذلك‭ ‬قابلت‭ ‬الرفض‭ ‬العربي‭ ‬للتهجير،‭ ‬وسعيه‭ ‬للمفاوضات،‭ ‬باستمرار‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭! ‬ولكأن‭ ‬المأساة‭ ‬التي‭ ‬أرهقت‭ ‬ضمائر‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬له‭ ‬ضمير،‭ ‬هي‭ ‬اليوم‭ ‬تتجه‭ ‬نحو‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الإبادة‭ ‬لتحقيق‭ ‬هدف‭ ‬الاحتلال‭ ‬الكامل‭ ‬والتهجير‭ ‬القسري،‭ ‬ولا‭ ‬رادع‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬كانت‭!‬

‭ ‬{‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬‮»‬ترامب‮«‬‭ ‬يتراقص‭ ‬طرباً‭ ‬بما‭ ‬حققه‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬من‭ ‬إنجازات‭ ‬عظيمة‭ ‬وتريليونات‭ ‬انتشلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬مأزقها،‭ ‬كان‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬بأطفالهم‭ ‬ونسائهم‭ ‬وشيوخهم‭ ‬تتطاير‭ ‬جثثهم‭ ‬بسبب‭ ‬القصف‭ ‬الوحشي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مسار‭ ‬‮»‬عربات‭ ‬جدعون‭ ‬‮«‬على‭ ‬مأساتهم‭ ‬ومكابداتهم‭ ‬وآلامهم،‭ ‬والعالم‭ ‬كله‭ ‬يتفرج‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬أي‭ ‬خطة‭ ‬تنفيذية‭ ‬لإيقاف‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والتهجير،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عرقلة‭ ‬سير‭ ‬‮«‬عربات‭ ‬جدعون‮»‬‭ ‬التي‭ ‬استدعت‭ ‬التاريخ‭ ‬للقيام‭ ‬بكل‭ ‬ذلك‭ ‬والتصفية‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬‮«‬بيسان‮»‬‭!‬

‭ ‬{‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬زيارة‭ ‬‮»‬ترامب‭ ‬‮«‬وإنجاز‭ ‬الصفقات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الحديث‭ ‬مطولاً‭ ‬عنها‭ ‬وبالتفصيل‭ ‬والإحصاءات‭ ‬في‭ ‬الفضائيات‭ ‬العربية‭ ‬والدولية‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬والفضاء‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬ولذلك‭ ‬لن‭ ‬نضيف‭ ‬شيئا‭ ‬عما‭ ‬تم‭ ‬إنجازه‭ ‬فيها،‭ ‬اجتمع‭ ‬العرب‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬تلك‭ ‬الزيارة‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬على‭ ‬وطأة‭ ‬مسار‭ ‬العربات‭ ‬الجدعونية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬آثار‭ ‬ما‭ ‬ارتكب‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬مجازر‭ ‬تحرك‭ ‬الحجر،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬أن‭ ‬تحرك‭ ‬العقل‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬‮«‬قمة‭ ‬بغداد‮»‬‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬خطة‭ ‬عربية‭ ‬تنفيذية،‭ ‬أو‭ ‬قرارات‭ ‬فاعلة،‭ ‬لوقف‭ ‬المجازر‭ ‬الصهيونية‭ ‬والشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬احتلال‭ ‬غزة‭ ‬بالكامل‭ ‬وتهجير‭ ‬أهلها‭! ‬وبهذا‭ ‬تكررت‭ ‬المشاهد‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القمم‭ ‬والاجتماعات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬بحضور‭ ‬شكلي‭ ‬أكبر‭ (‬حضر‭ ‬القمة‭ ‬5‭ ‬قيادات‭ ‬عربية‭ ‬فقط‭) ‬وبقرارات‭ ‬أكثر‭ ‬بهوتا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬قرارات‭ ‬سابقة‭! ‬خاصة‭ ‬بالمقارنة‭ ‬بوقع‭ ‬الإصرار‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬الجرعة‭ ‬العسكرية‭ ‬والدخول‭ ‬البري‭ ‬وارتكاب‭ ‬المزيد‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬المجازر‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬وتنفيذ‭ ‬مخطط‭ ‬التهجير‭ ‬الكامل‭!‬

{‭ ‬الطريف‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬سواء‭ ‬بدولهم‭ ‬المفككة‭ ‬أو‭ ‬دولهم‭ ‬الفاعلة‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬إمكانيات‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬استمعت‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬الراقص‭ ‬فرحاً،‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭ ‬من‭ ‬قطر‭ ‬‮«‬إن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تمتلك‭ ‬غزة‭ ‬وتحولها‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬حرّة‮»‬‭! ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬الابادة‭ ‬والاحتلال‭ ‬لكي‭ ‬يحتل،‭ ‬ولكن‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬احتلالاً‭ ‬أمريكياً‭! ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬‮«‬عربات‭ ‬جدعون‮»‬‭ ‬مهمتها‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬الغزاويين‭ ‬إما‭ ‬إلى‭ ‬الموت‭ ‬وإما‭ ‬إلى‭ ‬التهجير‭! ‬والعرب‭ ‬والمسلمون‭ ‬والعالم‭ ‬كله‭ ‬يسمع‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬التصريحات‭ ‬التي‭ ‬أعاد‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬تشغيلها‭ ‬مجدداً‭ ‬وهو‭ ‬يوقّع‭ ‬الصفقات،‭ ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬قطر‭ ‬التي‭ ‬تلعب‭ ‬دور‭ ‬الوسيط‭ ‬في‭ ‬المفاوضات‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭!‬

{‭ ‬ولأن‭ ‬الإبادة‭ ‬مستمرة،‭ ‬والضحايا‭ ‬تعدادهم‭ ‬يتزايد‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬فإن‭ ‬الكتابة‭ ‬مستمرة‭ ‬عما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬مشهدية‭ ‬كشفت‭ ‬للعالم‭ ‬كله‭ ‬حجم‭ ‬العار‭ ‬الدولي‭ ‬والعربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬بعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إيقاف‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬التي‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تتوقف‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الشهور‭ ‬الطويلة،‭ ‬ها‭ ‬نحن‭ ‬المتفرجين‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬موعودون‭ ‬بدوس‭ ‬‮«‬عربات‭ ‬جدعون‮»‬‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬ضمائرنا،‭ ‬ولا‭ ‬لكي‭ ‬تموت،‭ ‬فقد‭ ‬ماتت‭ ‬منذ‭ ‬الشهور‭ ‬الأولى‭ ‬للإبادة،‭ ‬ولكن‭ ‬لكي‭ ‬تتشظى‭ ‬وتتمزق‭ ‬تماماً،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬لها‭ ‬أثر‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭! ‬ونحن‭ ‬نرى‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬من‭ ‬أطفال‭ ‬يتمزقون‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض،‭ ‬ونساء‭ ‬يولولن‭ ‬على‭ ‬أطفالهن،‭ ‬فتقصفهن‭ ‬الغارات‭ ‬الوحشية‭ ‬ليلحقن‭ ‬بأطفالهن‭! ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬نرى‭ ‬من‭ ‬تدمير‭ ‬المُدمّر،‭ ‬وقتل‭ ‬المقتول‭ ‬جوعاً‭ ‬وعطشاً؟‭ ‬وليس‭ ‬بيدنا‭ ‬أو‭ ‬بأيدي‭ ‬أصحاب‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬أن‭ ‬يوقف‭ ‬هذا‭ ‬الحفل‭ ‬الدموي‭ ‬الذي‭ ‬تتصاعد‭ ‬موسيقاه‭ ‬وهي‭ ‬تؤبن‭ ‬الضمير‭ ‬العالمي‭! ‬من‭ ‬حق‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬إذاً‭ ‬أن‭ ‬يرقص‭ ‬ويتراقص‭ ‬فقد‭ ‬فتحنا‭ ‬له‭ ‬الساحة‭ ‬لكي‭ ‬ينتشي‭ ‬ويشرب‭ ‬من‭ ‬دماء‭ ‬إخوتنا‭ ‬في‭ ‬العروبة‭ ‬وفي‭ ‬الدين،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬منا‭ ‬ينجدهم‭! ‬فهل‭ ‬من‭ ‬مأساة‭ ‬تراجيدية‭ ‬أكبر؟‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا