عالم يتغير

فوزية رشيد
عربات جدعون: ختام الإبادة والتهجير القسري!
{ في نكبة 1948 أطلق الكيان الصهيوني اسم «عملية جدعون» على إحدى عملياته في تصفية الشعب الفلسطيني آنذاك، وكانت العملية حينئذ تهدف إلى السيطرة على «منطقة بسيان» الفلسطينية وطرد سكانها! واليوم يستعيد الكيان ذكرى تلك العملية الإرهابية، ليطلقها على ما بدأ القيام به في غزة لتهجير سكانها قسراً، وباسم «عربات جدعون»! التي تمر بعدة مراحل، وقد نفذت مرحلتها الأولى بضربات واسعة في القطاع منذ أيام، وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن «عربات جدعون» تمر بثلاث مراحل، وإن المرحلة الثانية ستكون عمليات جوية بالتزامن مع عمليات برية، ونقل معظم السكان المدينين إلى جنوب القطاع! أي حشر 2,2 مليون فلسطيني هناك! فيما المرحلة الثالثة وفق الصحيفة ستعمل على دخول قوات عسكرية براً لاحتلال أجزاء واسعة من غزة بشكل تدريجي، أي احتلال كامل غزة! بل إن الجيش الإسرائيلي أعلن الجمعة الماضية (توسيع إبادته الجماعية في قطاع غزة)!
أي أن «عربات جدعون» التي بدأت قبل أيام هدفها المعلن احتلال كامل غزة وتهجير كل أهلها! بخلفية الدلالات العسكرية والدينية والتاريخية التي حدثت في منطقة بيسان في 1948!
{ وفيما ارتكبت دولة الاحتلال الصهيوني عشرات المجازر المروعة بالتزامن مع جولة الرئيس الأمريكي في المنطقة، فإنها أوصلت رسالتها إليه وإلى كل العرب بأن لا مستقبل لغزة غير احتلالها بالكامل ولا نهاية للإبادة! وأمام الفلسطينيين الهجرة من أرضهم أو الموت كالحيوانات وهذا مسمى الفلسطينيين لدى الكيان، وبذلك قابلت الرفض العربي للتهجير، وسعيه للمفاوضات، باستمرار الإبادة التي بدأت في 8 أكتوبر 2023! ولكأن المأساة التي أرهقت ضمائر كل من له ضمير، هي اليوم تتجه نحو المزيد من الإبادة لتحقيق هدف الاحتلال الكامل والتهجير القسري، ولا رادع من أي جهة كانت!
{ بينما كان »ترامب« يتراقص طرباً بما حققه كما قال من إنجازات عظيمة وتريليونات انتشلت الولايات المتحدة من مأزقها، كان أهل غزة بأطفالهم ونسائهم وشيوخهم تتطاير جثثهم بسبب القصف الوحشي في ظل مسار »عربات جدعون «على مأساتهم ومكابداتهم وآلامهم، والعالم كله يتفرج ولا توجد أي خطة تنفيذية لإيقاف الإبادة الجماعية والتهجير، أو حتى عرقلة سير «عربات جدعون» التي استدعت التاريخ للقيام بكل ذلك والتصفية كما حدث في «بيسان»!
{ بعد انتهاء زيارة »ترامب «وإنجاز الصفقات التي تم الحديث مطولاً عنها وبالتفصيل والإحصاءات في الفضائيات العربية والدولية في الصحف والفضاء الإلكتروني، ولذلك لن نضيف شيئا عما تم إنجازه فيها، اجتمع العرب مباشرة بعد انتهاء تلك الزيارة في قمة عربية في بغداد، على وطأة مسار العربات الجدعونية، التي كانت آثار ما ارتكب فيها من مجازر تحرك الحجر، ولكنها لم تستطع أن تحرك العقل العربي في «قمة بغداد» للوصول إلى أي خطة عربية تنفيذية، أو قرارات فاعلة، لوقف المجازر الصهيونية والشروع الصهيوني في احتلال غزة بالكامل وتهجير أهلها! وبهذا تكررت المشاهد التقليدية في كل القمم والاجتماعات العربية والإسلامية، وهذه المرة بحضور شكلي أكبر (حضر القمة 5 قيادات عربية فقط) وبقرارات أكثر بهوتا من أي قرارات سابقة! خاصة بالمقارنة بوقع الإصرار من جانب دولة الاحتلال الصهيوني على زيادة الجرعة العسكرية والدخول البري وارتكاب المزيد والمزيد من المجازر وجرائم الحرب وتنفيذ مخطط التهجير الكامل!
{ الطريف أن العرب سواء بدولهم المفككة أو دولهم الفاعلة التي تمتلك إمكانيات للضغط على الولايات المتحدة، استمعت إلى ما قاله «ترامب» الراقص فرحاً، وهو يقول من قطر «إن الولايات المتحدة تريد أن تمتلك غزة وتحولها إلى منطقة حرّة»! أي أنه مع الابادة والاحتلال لكي يحتل، ولكن قد يكون هذه المرة احتلالاً أمريكياً! بعد أن تؤدي «عربات جدعون» مهمتها في إيصال الغزاويين إما إلى الموت وإما إلى التهجير! والعرب والمسلمون والعالم كله يسمع مثل تلك التصريحات التي أعاد «ترامب» تشغيلها مجدداً وهو يوقّع الصفقات، وهذه المرة في قطر التي تلعب دور الوسيط في المفاوضات لإنهاء الحرب على غزة!
{ ولأن الإبادة مستمرة، والضحايا تعدادهم يتزايد كل يوم، فإن الكتابة مستمرة عما يحدث من مشهدية كشفت للعالم كله حجم العار الدولي والعربي والإسلامي بعدم القدرة على إيقاف هذه المأساة الإنسانية، التي بدلا من أن تتوقف بعد كل هذه الشهور الطويلة، ها نحن المتفرجين العرب والمسلمين موعودون بدوس «عربات جدعون» لا على ما تبقى من ضمائرنا، ولا لكي تموت، فقد ماتت منذ الشهور الأولى للإبادة، ولكن لكي تتشظى وتتمزق تماماً، حتى لا يبقى لها أثر على الإطلاق! ونحن نرى كل يوم ما نراه من أطفال يتمزقون تحت الأنقاض، ونساء يولولن على أطفالهن، فتقصفهن الغارات الوحشية ليلحقن بأطفالهن! إلى آخر ما نرى من تدمير المُدمّر، وقتل المقتول جوعاً وعطشاً؟ وليس بيدنا أو بأيدي أصحاب القرار في العالم كله، أن يوقف هذا الحفل الدموي الذي تتصاعد موسيقاه وهي تؤبن الضمير العالمي! من حق «ترامب» إذاً أن يرقص ويتراقص فقد فتحنا له الساحة لكي ينتشي ويشرب من دماء إخوتنا في العروبة وفي الدين، ولا أحد منا ينجدهم! فهل من مأساة تراجيدية أكبر؟!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك