عالم يتغير

فوزية رشيد
ترامب ومشاكل المنطقة!
{ غادر الرئيس الأمريكي ترامب البيت الأبيض مساء الإثنين الماضي متجها إلى السعودية في أول زيارة خارجية له، لحضور قمة أمريكية – سعودية وقمة خليجية أمريكية، ليتوجه بعدها إلى قطر والإمارات. ووصف زيارته بالتاريخية! فيما المنطقة العربية كعادتها على مر السنوات الماضية، تخرج من أزمة لتدخل أزمة أخرى، وهذه المرة أزمة غزة تطغى على الوجدان العربي والعالمي، ومعها استمرار الوضع السوداني المتدهور، وسوريا التي تبحث عن عودتها إلى الحياة الطبيعية، ومعها لبنان وليبيا، وحول كل تلك الأزمات وغيرها كانت الولايات المتحدة طرفا أساسيا في صناعتها منذ بداية الألفية الجديدة! وحيث من إدارة بوش الأب والابن وما بينهما، واتخاذ استراتيجية الحروب التي بدأت بأفغانستان ثم العراق وتسببت بما تسببت به من كارثة خاصة في العراق، ليأتي الحاكم العسكري «بريمر» مؤخرا ويعترف بخطأ ما قام به من ضرب ومحاصرة «حزب البعث» بعد احتلال العراق وإسقاط نظام «صدام»! لتنتقل الاستراتيجية الأمريكية إلى مرحلة «أوباما» الذي دمج بين التدخلات العسكرية والحروب الناعمة بشعارات الدمقرطة والحقوق والحريات، وتأسيس المليشيات وأهمها «داعش» وإدخال المنطقة في الفوضى مع بداية 2011، ومحاولة إسقاط الأنظمة العربية! وإحلال الإخوان والمليشيات الشيعية على عدد من الدول العربية! بما يعرف نتائجه الجميع في تونس ومصر وليبيا والعراق وسوريا ولبنان بل والخليج العربي، لتأتي بعد ذلك مرحلة الولاية الأولى لترامب، ثم «بايدن – أوباما»، واليوم ليعود ترامب إلى الولاية الثانية، فما الذي تغيّر؟!
{ ترامب في اعتقادي يقف على ذات الأرضية وبذات الخلفيات، حول الحفاظ على الهيمنة الأمريكية في العالم، وإن بطريقته الخاصة التي باتت تُعرف بـ(الترامبية)! هو يريد إعادة الروح لأمريكا أولا، والوقوف في وجه المنافس الأكبر «الصين» بالحرب التجارية في البداية، ومفاهيمه السياسية سواء داخل أمريكا أو خارجها لا تخرج عن ساحة الصفقات التجارية – السياسية، وليسيل لعابه أمام ذكر المليارات والتريليونات! ومفهومه للسلام هو إدارة الأزمات الموجودة وإدارة الصراعات وليس حلها جذريا، ولذلك فالمفاوضات الأمريكية – الإيرانية هي محاولة لحل الملف النووي عبر الصفقات، بعد أن ارتفع صوت الحرب منذ مجيئه وخفت فجأة! إلى جانب ما يقال عن خلافاته مع نتنياهو وتوصيفها الصحيح أنها خلافات ثنائية، وليست بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، سواء بما يتعلق بالحرب على إيران أو حرب الإبادة على غزة التي أسهمت فيها الولايات المتحدة أكبر مساهمة كشريك وبدعم مطلق!
{ لذلك فإن رؤية «ترامب» ليست الوصول إلى حل سلمي عادل ودائم للقضية الفلسطينية يضمن الأمن والاستقرار الحقيقي للمنطقة، وإنما إنهاء حرب غزة بهدنة طويلة نسبيا، والسماح بإدخال بعض المساعدات واستعادة كل الرهائن، ولذلك أيضا دخلت إدارته في مفاوضات مباشرة مع حماس التي تعتبرها منظمة إرهابية! مثلما أوقفت الحرب على الحوثيين ليواصل الكيان الصهيوني حربه! إلى جانب المفاوضات مع إيران وهي معا سر الخلاف بين ترامب ونتنياهو!
{ في الوقت ذاته، فإن السعودية والعرب عموما يريدون حل الدولتين رغم عدم وجود الأرضية الصالحة لهذا الحل بسبب أطماع الكيان الصهيوني في كامل فلسطين وبقية جغرافيا عربية! مما يعيق الوصول إلى السلام والأمن والاستقرار للمنطقة! ولعل هذا الملف الشائك ما تم طلب استبعاده بما يخص أي محاولات أخرى مع الكيان، وحيث ترامب ما يهمه هو الصفقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارات والصفقات العسكرية وقبول المطالب السعودية حول اتفاق لمشروع نووي وتوطينه، وما يتعلق بالتقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، لذلك سبق «ترامب» أصحاب الشركات الكبرى إلى الرياض في العديد من تخصصات تلك المجالات وغيرها، خاصة مع التوافق السعودي – الإيراني حول الطاقة النووية السلمية للبلدين.
{ ورغم ما ستؤول إليه القمة الخليجية الأمريكية من اتفاقيات قد ترضي الجانبين في مجالات التعاون والشراكة، فإن أسس الأزمات العربية التي صنعتها الولايات المتحدة في المنطقة بيديها منذ احتلال العراق، والدعم المطلق للكيان الصهيوني المستمر رغم الخلافات الثنائية بين ترامب ونتنياهو، تلك الأزمات وعلى رأسها القضية الفلسطينية يبدو أنها لن تحظى بحلول جذرية توصل المنطقة العربية إلى ما تنشده من تحقيق الأمن والاستقرار والسلام! للشروع والاستمرار الآمن في الرؤى التنموية الشاملة والكبيرة التي تتبناها السعودية بما تحمله من ثِقل ووزن سياسي عربي ودولي، ومن ثِقل روحي إسلامي، لتبقى جذور الأزمات العربية متشبثة بالأرض التي لطالما روتها المياه الأمريكية الاستراتيجية والجيوسياسية!
{ ولأننا نكتب هذا المقال مساء الإثنين والقمة لم تنعقد بعد، فإن نتائج هذه القمة غير معروفة، خاصة مع شخصية مثل «ترامب» متقلبة وذات رؤى عشوائية ومفاجئة، وكل ما يهمه هو إدارة السياسة والأزمات بمنظار التجارة والصفقات! ولعل إيقاف نزيف الدم والإبادة في غزة وبشكل سريع بعد مرور أكثر من عام ونصف، هو ما تنتظره الشعوب كأولوية، يتزحزح بعدها جبل النار الذي يكتم على أنفاس كل شعوب العالم وليس المنطقة وحدها! لننتظر ونرى ما سيحدث في الأيام القادمة، وإن كان هناك جديد حول بعض الحلول للأزمات العربية المستفحلة!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك