العدد : ١٧٢١٩ - الخميس ١٥ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٩ - الخميس ١٥ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

ترامب ومشاكل المنطقة!

{‭ ‬غادر‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ترامب‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬مساء‭ ‬الإثنين‭ ‬الماضي‭ ‬متجها‭ ‬إلى‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬زيارة‭ ‬خارجية‭ ‬له،‭ ‬لحضور‭ ‬قمة‭ ‬أمريكية‭ ‬‭ ‬سعودية‭ ‬وقمة‭ ‬خليجية‭ ‬أمريكية،‭ ‬ليتوجه‭ ‬بعدها‭ ‬إلى‭ ‬قطر‭ ‬والإمارات‭. ‬ووصف‭ ‬زيارته‭ ‬بالتاريخية‭! ‬فيما‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬كعادتها‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬لتدخل‭ ‬أزمة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬أزمة‭ ‬غزة‭ ‬تطغى‭ ‬على‭ ‬الوجدان‭ ‬العربي‭ ‬والعالمي،‭ ‬ومعها‭ ‬استمرار‭ ‬الوضع‭ ‬السوداني‭ ‬المتدهور،‭ ‬وسوريا‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬عودتها‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية،‭ ‬ومعها‭ ‬لبنان‭ ‬وليبيا،‭ ‬وحول‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأزمات‭ ‬وغيرها‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬طرفا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬صناعتها‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة‭! ‬وحيث‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬بوش‭ ‬الأب‭ ‬والابن‭ ‬وما‭ ‬بينهما،‭ ‬واتخاذ‭ ‬استراتيجية‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بأفغانستان‭ ‬ثم‭ ‬العراق‭ ‬وتسببت‭ ‬بما‭ ‬تسببت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬كارثة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬ليأتي‭ ‬الحاكم‭ ‬العسكري‭ ‬‮«‬بريمر‮»‬‭ ‬مؤخرا‭ ‬ويعترف‭ ‬بخطأ‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬ضرب‭ ‬ومحاصرة‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬البعث‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬احتلال‭ ‬العراق‭ ‬وإسقاط‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬صدام‮»‬‭! ‬لتنتقل‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬‮«‬أوباما‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬دمج‭ ‬بين‭ ‬التدخلات‭ ‬العسكرية‭ ‬والحروب‭ ‬الناعمة‭ ‬بشعارات‭ ‬الدمقرطة‭ ‬والحقوق‭ ‬والحريات،‭ ‬وتأسيس‭ ‬المليشيات‭ ‬وأهمها‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬وإدخال‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬الفوضى‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬2011،‭ ‬ومحاولة‭ ‬إسقاط‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭! ‬وإحلال‭ ‬الإخوان‭ ‬والمليشيات‭ ‬الشيعية‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭! ‬بما‭ ‬يعرف‭ ‬نتائجه‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ومصر‭ ‬وليبيا‭ ‬والعراق‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬بل‭ ‬والخليج‭ ‬العربي،‭ ‬لتأتي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬مرحلة‭ ‬الولاية‭ ‬الأولى‭ ‬لترامب،‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬بايدن‭ ‬‭ ‬أوباما‮»‬،‭ ‬واليوم‭ ‬ليعود‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬الولاية‭ ‬الثانية،‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬تغيّر؟‭!‬

{‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬اعتقادي‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬ذات‭ ‬الأرضية‭ ‬وبذات‭ ‬الخلفيات،‭ ‬حول‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وإن‭ ‬بطريقته‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تُعرف‭ ‬بـ‭(‬الترامبية‭)! ‬هو‭ ‬يريد‭ ‬إعادة‭ ‬الروح‭ ‬لأمريكا‭ ‬أولا،‭ ‬والوقوف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬المنافس‭ ‬الأكبر‭ ‬‮«‬الصين‮»‬‭ ‬بالحرب‭ ‬التجارية‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬ومفاهيمه‭ ‬السياسية‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬أمريكا‭ ‬أو‭ ‬خارجها‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬ساحة‭ ‬الصفقات‭ ‬التجارية‭ ‬‭ ‬السياسية،‭ ‬وليسيل‭ ‬لعابه‭ ‬أمام‭ ‬ذكر‭ ‬المليارات‭ ‬والتريليونات‭! ‬ومفهومه‭ ‬للسلام‭ ‬هو‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمات‭ ‬الموجودة‭ ‬وإدارة‭ ‬الصراعات‭ ‬وليس‭ ‬حلها‭ ‬جذريا،‭ ‬ولذلك‭ ‬فالمفاوضات‭ ‬الأمريكية‭ ‬‭ ‬الإيرانية‭ ‬هي‭ ‬محاولة‭ ‬لحل‭ ‬الملف‭ ‬النووي‭ ‬عبر‭ ‬الصفقات،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ارتفع‭ ‬صوت‭ ‬الحرب‭ ‬منذ‭ ‬مجيئه‭ ‬وخفت‭ ‬فجأة‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬خلافاته‭ ‬مع‭ ‬نتنياهو‭ ‬وتوصيفها‭ ‬الصحيح‭ ‬أنها‭ ‬خلافات‭ ‬ثنائية،‭ ‬وليست‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬سواء‭ ‬بما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحرب‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬أو‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬فيها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أكبر‭ ‬مساهمة‭ ‬كشريك‭ ‬وبدعم‭ ‬مطلق‭!‬

{‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬رؤية‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬ليست‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬سلمي‭ ‬عادل‭ ‬ودائم‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬يضمن‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬الحقيقي‭ ‬للمنطقة،‭ ‬وإنما‭ ‬إنهاء‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬بهدنة‭ ‬طويلة‭ ‬نسبيا،‭ ‬والسماح‭ ‬بإدخال‭ ‬بعض‭ ‬المساعدات‭ ‬واستعادة‭ ‬كل‭ ‬الرهائن،‭ ‬ولذلك‭ ‬أيضا‭ ‬دخلت‭ ‬إدارته‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬حماس‭ ‬التي‭ ‬تعتبرها‭ ‬منظمة‭ ‬إرهابية‭! ‬مثلما‭ ‬أوقفت‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الحوثيين‭ ‬ليواصل‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬حربه‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬وهي‭ ‬معا‭ ‬سر‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬ترامب‭ ‬ونتنياهو‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬فإن‭ ‬السعودية‭ ‬والعرب‭ ‬عموما‭ ‬يريدون‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬الأرضية‭ ‬الصالحة‭ ‬لهذا‭ ‬الحل‭ ‬بسبب‭ ‬أطماع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬فلسطين‭ ‬وبقية‭ ‬جغرافيا‭ ‬عربية‭! ‬مما‭ ‬يعيق‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬للمنطقة‭! ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬الشائك‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬طلب‭ ‬استبعاده‭ ‬بما‭ ‬يخص‭ ‬أي‭ ‬محاولات‭ ‬أخرى‭ ‬مع‭ ‬الكيان،‭ ‬وحيث‭ ‬ترامب‭ ‬ما‭ ‬يهمه‭ ‬هو‭ ‬الصفقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والاستثمارات‭ ‬والصفقات‭ ‬العسكرية‭ ‬وقبول‭ ‬المطالب‭ ‬السعودية‭ ‬حول‭ ‬اتفاق‭ ‬لمشروع‭ ‬نووي‭ ‬وتوطينه،‭ ‬وما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬لذلك‭ ‬سبق‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬أصحاب‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬إلى‭ ‬الرياض‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬تخصصات‭ ‬تلك‭ ‬المجالات‭ ‬وغيرها،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬التوافق‭ ‬السعودي‭ ‬‭ ‬الإيراني‭ ‬حول‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭ ‬السلمية‭ ‬للبلدين‭.‬

{‭ ‬ورغم‭ ‬ما‭ ‬ستؤول‭ ‬إليه‭ ‬القمة‭ ‬الخليجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬اتفاقيات‭ ‬قد‭ ‬ترضي‭ ‬الجانبين‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التعاون‭ ‬والشراكة،‭ ‬فإن‭ ‬أسس‭ ‬الأزمات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬صنعتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بيديها‭ ‬منذ‭ ‬احتلال‭ ‬العراق،‭ ‬والدعم‭ ‬المطلق‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬المستمر‭ ‬رغم‭ ‬الخلافات‭ ‬الثنائية‭ ‬بين‭ ‬ترامب‭ ‬ونتنياهو،‭ ‬تلك‭ ‬الأزمات‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تحظى‭ ‬بحلول‭ ‬جذرية‭ ‬توصل‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تنشده‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والسلام‭! ‬للشروع‭ ‬والاستمرار‭ ‬الآمن‭ ‬في‭ ‬الرؤى‭ ‬التنموية‭ ‬الشاملة‭ ‬والكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تتبناها‭ ‬السعودية‭ ‬بما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬ثِقل‭ ‬ووزن‭ ‬سياسي‭ ‬عربي‭ ‬ودولي،‭ ‬ومن‭ ‬ثِقل‭ ‬روحي‭ ‬إسلامي،‭ ‬لتبقى‭ ‬جذور‭ ‬الأزمات‭ ‬العربية‭ ‬متشبثة‭ ‬بالأرض‭ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬روتها‭ ‬المياه‭ ‬الأمريكية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والجيوسياسية‭!‬

{‭ ‬ولأننا‭ ‬نكتب‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬مساء‭ ‬الإثنين‭ ‬والقمة‭ ‬لم‭ ‬تنعقد‭ ‬بعد،‭ ‬فإن‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬غير‭ ‬معروفة،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬شخصية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬متقلبة‭ ‬وذات‭ ‬رؤى‭ ‬عشوائية‭ ‬ومفاجئة،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يهمه‭ ‬هو‭ ‬إدارة‭ ‬السياسة‭ ‬والأزمات‭ ‬بمنظار‭ ‬التجارة‭ ‬والصفقات‭! ‬ولعل‭ ‬إيقاف‭ ‬نزيف‭ ‬الدم‭ ‬والإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وبشكل‭ ‬سريع‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬ونصف،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تنتظره‭ ‬الشعوب‭ ‬كأولوية،‭ ‬يتزحزح‭ ‬بعدها‭ ‬جبل‭ ‬النار‭ ‬الذي‭ ‬يكتم‭ ‬على‭ ‬أنفاس‭ ‬كل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬وليس‭ ‬المنطقة‭ ‬وحدها‭! ‬لننتظر‭ ‬ونرى‭ ‬ما‭ ‬سيحدث‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬القادمة،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬جديد‭ ‬حول‭ ‬بعض‭ ‬الحلول‭ ‬للأزمات‭ ‬العربية‭ ‬المستفحلة‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا