العدد : ١٧٢١٧ - الثلاثاء ١٣ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢١٧ - الثلاثاء ١٣ مايو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ذو القعدة ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

انقلاب المنطق!

{‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭ ‬يعيش‭ ‬اليوم‭ ‬محنة‭ ‬لم‭ ‬يمرّ‭ ‬بها‭ ‬قط‭! ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬الأمر‭ ‬مقتصرًا‭ ‬على‭ ‬استشراء‭ ‬‮«‬نظام‭ ‬التفاهة‮»‬‭ ‬والغباء،‭ ‬بل‭ ‬ومحاصرة‭ ‬كل‭ ‬مقاييس‭ ‬وموازين‭ ‬المنطق‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬عادة‭ ‬تصرفات‭ ‬الدول‭ ‬والأفراد،‭ ‬وحيث‭ ‬الاختلال‭ ‬المفضوح‭ ‬والمباشر‭ ‬في‭ ‬المفاهيم‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬المعطيات‭ ‬البشرية،

سواء‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬أو‭ ‬الثقافة‭ ‬أو‭ ‬السياسة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الاقتصاد‭! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬المحنة‭ ‬تزداد‭ ‬كثافة‭ ‬يومًا‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭! ‬لنأخذ‭ ‬مثالاً‭ ‬أوليًّا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭:‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬فيه‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬أزمة‭ ‬إنسانية‭ ‬متفاقمة،‭ ‬بعد‭ ‬استمرار‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬والتجويع‭ ‬والتعطيش،‭ ‬وتصريحات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬نفسها‭ ‬بالكارثة‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬أدّت‭ ‬وتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬موت‭ ‬آلاف‭ ‬الأطفال‭ ‬بسبب‭ ‬الجوع‭ ‬وفقر‭ ‬التغذية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬يعانيه‭ ‬السكان‭ ‬جميعًا‭ ‬من‭ ‬منع‭ ‬المساعدات‭ ‬نهائيًّا‭ ‬بعد‭ ‬دخول‭ ‬بعضها،‭ ‬وخاصة‭ ‬الإغاثة‭ ‬الطبية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فترات‭ ‬الهدنة‭ ‬القصيرة‭ ‬قبل‭ ‬أشهر،‭ ‬فإن‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬مدّمر‭ ‬كليًّا‭ ‬بنسبة‭ ‬80‭ ‬إلى‭ ‬90%،‭ ‬واستمرار‭ ‬التجويع‭ ‬حتى‭ ‬الموت،‭ ‬والذي‭ ‬ضجّ‭ ‬منه‭ ‬ضمير‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬وهي‭ ‬ترى‭ ‬القتل‭ ‬بكل‭ ‬الأشكال‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬المدنيين،‭ ‬دفع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬الشريك‭ ‬المطلق‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الإبادة،‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬تنظيف‭ ‬صفحتها‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬ونصف‭ ‬العام،‭ ‬لتقول‭ ‬إنها‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬آلية‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إدخال‭ ‬بعض‭ ‬المساعدات‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭! ‬ولكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬الرّد‭ ‬العنصري‭ ‬والمتطرف،‭ ‬الذي‭ ‬يقلب‭ ‬كل‭ ‬مفهوم‭ ‬متعارف‭ ‬عليه‭ ‬وكل‭ ‬منطق‭ ‬من‭ ‬وزير‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬‮«‬إيتمار‭ ‬بن‭ ‬غفير‮»‬‭ ‬ليصف‭ ‬محاولة‭ ‬إدخال‭ ‬بعض‭ ‬المساعدات‭ ‬على‭ ‬أنه‭ (‬قرار‭ ‬أحمق‭ ‬وخاطئ،‭ ‬بل‭ ‬وخطأ‭ ‬أخلاقي‭ ‬واستراتيجي‭) ‬وبذلك‭ ‬فإن‭ ‬إرهابيي‭ ‬الكيان‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قلبوا‭ ‬كل‭ ‬المفاهيم‭ ‬والمعادلات‭ ‬الأخلاقية‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة،‭ ‬وأظهروا‭ ‬للعالم‭ ‬كله‭ ‬أن‭ ‬كيانهم‭ ‬الغاصب‭ ‬قد‭ ‬داس‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إنساني‭ ‬وأخلاقي،‭ ‬وأنه‭ ‬كيان‭ ‬إرهابي‭ ‬وعنصري،‭ ‬وفاق‭ ‬كل‭ ‬المقاييس‭ ‬في‭ ‬التطرّف‭! ‬ها‭ ‬هو‭ ‬بوزيره‭ ‬الأكثر‭ ‬عنصرية،‭ ‬يصف‭ ‬تقديم‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬شيء‭ ‬بسيط‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والإغاثة‭ ‬الطبية،‭ ‬للمدنيين‭ ‬والأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬بأنه‭ ‬خطأ‭ ‬أخلاقي‭! ‬فهل‭ ‬هناك‭ ‬انقلاب‭ ‬للمنطق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذا؟‭!‬

{‭ ‬هذا‭ ‬مجرد‭ ‬نموذج‭ ‬واحد‭ ‬ومثال‭ ‬واحد‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬صغيرًا‭ ‬للكيفية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬التعامل‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬العقل‭ ‬الإنساني،‭ ‬واختراق‭ ‬كل‭ ‬معادلاته‭ ‬وأسسه‭ ‬الطبيعية‭ ‬والمنطقية،‭ ‬حتى‭ ‬يمرّ‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬والإعلامي‭ ‬العالمي‭ ‬وكأنه‭ ‬تصريح‭ ‬عادي‭ ‬يمرّ‭ ‬مرور‭ ‬الكرام‭! ‬ولعلّ‭ ‬انقلاب‭ ‬المنطق‭ ‬والمفاهيم‭ ‬والأسس‭ ‬الفكرية‭ ‬ومنطلقات‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وقعت‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬فرض‭ ‬الدول‭ ‬الأقوى‭ ‬مفاهيمها‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأضعف،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬تبلغ‭ ‬قط‭ ‬هذه‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬الإسفاف‭ ‬واستغباء‭ ‬العقل،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬منذ‭ ‬تأسيس‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وقيامه‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬والمجازر‭ ‬والإبادة،‭ ‬واعتبار‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬منذ‭ ‬76‭ ‬عامًا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬حق‭ ‬مشروع‭ ‬للكيان‭ ‬ودفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭! ‬وأي‭ ‬اعتراض‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬لفكّ‭ ‬حصار‭ ‬القتل‭ ‬بالتجويع،‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬هو‭ ‬الأمر‭ ‬غير‭ ‬الأخلاقي‭! ‬فهل‭ ‬بقي‭ ‬لمفهوم‭ ‬الأخلاق‭ ‬أو‭ ‬الإنسانية‭ ‬أي‭ ‬معنى‭ ‬بعد‭ ‬ذلك؟‭!‬

{‭ ‬إن‭ ‬جرعات‭ ‬تزييف‭ ‬الوعي‭ ‬الإنساني،‭ ‬وتشويه‭ ‬قيمه‭ ‬وفطرته‭ ‬والمنطق‭ ‬الطبيعي‭ ‬الذي‭ ‬لازم‭ ‬البشرية‭ ‬منذ‭ ‬بدايتها،‭ ‬رغم‭ ‬الظلم‭ ‬والتعسف‭ ‬والاحتلالات،‭ ‬هذه‭ ‬الجرعات‭ ‬أصبحت‭ ‬اليوم‭ ‬شديدة‭ ‬الُسميّة‭ (‬من‭ ‬السم‭) ‬خاصة‭ ‬أنه‭ ‬يتم‭ ‬قذفها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بشكل‭ ‬يومي‭ ‬واعتيادي‭ ‬وروتيني‭! ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عمل‭ ‬المستعمرون‭ ‬الغربيون‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬الحقائق‭ ‬وتزييف‭ ‬التاريخ،‭ ‬وتفكيك‭ ‬الأسس‭ ‬العقلية‭ ‬والروحية‭ ‬للتفكير‭ ‬الإنساني‭ ‬الطبيعي،‭ ‬وتفكيك‭ ‬كل‭ ‬المنطلقات‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬وإدخال‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬مؤسساتي‭ ‬من‭ ‬التفاهة‭ ‬والغباء‭ ‬وسطوة‭ ‬القيم‭ ‬المنحرفة‭! ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬نفسه،‭ ‬باتباع‭ ‬أساليب‭ ‬الحرب‭ ‬الناعمة،‭ ‬لتغيير‭ ‬الأفكار‭ ‬الطبيعية،‭ ‬لتقع‭ ‬فريسة‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬الطغاة‭ ‬والمحتلين،‭ ‬ولتقع‭ ‬الشعوب‭ ‬أيضًا‭ ‬بالموازاة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬يتخبّطه‭ ‬اللا‭ ‬عقل‭ ‬واللا‭ ‬منطق‭ ‬واللا‭ ‬أخلاقية‭ ‬واللا‭ ‬إنسانية‭! ‬فإذا‭ ‬بحثنا‭ ‬عن‭ ‬أمثلة‭ ‬ذلك‭ ‬فإنها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مجلدات‭ ‬حول‭ ‬الانقلاب‭ ‬الحادث‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬البشرية،‭ ‬لأن‭ ‬المنطق‭ ‬حين‭ ‬ينقلب،‭ ‬فإنه‭ ‬ينقلب‭ ‬معه‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وينهار‭!‬،‭ ‬لتصبح‭ ‬التصريحات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والعنصرية‭ ‬واللا‭ ‬أخلاقية،‭ ‬وكأنها‭ ‬مجرد‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭! ‬والإعلام‭ ‬يروّج‭ ‬لكل‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬بشكل‭ ‬اعتيادي،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬أمام‭ ‬الكارثية‭ ‬التي‭ ‬تحملها‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬تلك،‭ ‬وأثرها‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬والعقل‭ ‬والمنطق،‭ ‬خاصة‭ ‬حين‭ ‬يمرّ‭ ‬عليها‭ ‬الجميع‭ ‬مرور‭ ‬الكرام‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا