زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
النوم تعال سكِّت الجهال
عنوان المقال أعلاه شطر من أرجوزة، كانت تتغنى بها الأم السودانية في عصر ما قبل التلفزيون والإنترنت عند هدهدة الجهال (أي الأطفال صغار السن).
في الدول التي تهتم بابن آدم، يجرون الدراسات والمسوحات لمعرفة أحواله، وتأثير مختلف الأشياء فيه، واكتشفوا أن متوسط عمر المرأة يزيد على متوسط عمر الرجل، بما يتراوح بين ست وعشر سنوات، (وهنا سيهتف الرجال بالمقولة الكسيحة: النساء يقصرن أعمار الرجال)، ويعزو فريق طبي في جامعة بنسلفانيا الأمريكية ذلك – في جانب منه- إلى أن المرأة تنام ساعات أطول من الرجل، طبعا «على طول» سيتبادر إلى ذهن الرجل أنه ينام أقل، لأن المرأة تحرق أعصابه فيظل يعد النجوم، ويخطط ليريها النجوم في عز ظهر اليوم التالي، ولكن الفريق الطبي يقول إن سبب ذلك هو أن المرأة تكون عادة مجهدة أكثر من الرجل، وأن الله حباها بخاصية تعويض الجهد الذي تبذله أثناء الحمل وبعد الولادة بالنوم السريع المنتظم، ولكنني موقن أن النتائج التي توصل إليها الباحثون أولئك، لا تنطبق على نسائنا التي تكون الواحدة منهن مطالبة بأن تكون ساهرة يقظانة، حين يعود الفحل من صولاته وجولاته في الهزيع الأخير من الليل، أو بأن تبقى يقظانة حتى يغادر ضيوفه ثقيلو الدم بيتها في الثانية صباحا، لتضمن أن الأكل الذي سيطفحونه سيبقى دافئا كي «يهري مطرح ما يسري»، وأكاد أن أجزم أن نحو 70 في المائة من الرجال العرب لا يهمهم في كثير أو قليل أن يكون لديهم طفل حديث الولادة يصحو على كيفه، ويبكي من غير سبب، بمعنى أنهم لا يساعدون زوجاتهم في هدهدة الأطفال أو إطعامهم أو تزويدهم بمانعات التسيب المسمى بالبامبرز، بل يبلغ انعدام الحساسية عند بعض الرجال أنهم يهجرون غرفة الزوجية عندما تكون الزوجة تعنى برضيع.
ولأنني أستمتع بالعناية بعيالي وهم في المهد، ولا أجد حرجا في إطعامهم أو تغيير ملابسهم الملوثة بمواد مقرفة حتى أمام الضيوف، فإن زوجتي «مسّختها» في بعض الأحيان، بأن ترمي بمعظم الحمل عليّ، لتمارس هوايتها المفضلة وهي النوم المبكر، ولكن ما إن يكبر لنا طفل حتى تحس بالندم لأنها تكتشف أنه يكون أكثر تعلقا بي، وتحاول استدراجه إليها أكثر بأن تغني له بصوتها النشاز فيزداد التصاقا بي، صونا لحسه الموسيقي، وتتضايق كثيرا لأن عيالي يعتادون منذ الصغر الجلوس إلى جواري في مائدة الطعام، لأنني وفي مراحل مبكرة من أعمارهم، أكسر كل البروتوكولات وقواعد الاتيكيت على المائدة لتشجيعهم على الأكل.. مثلا، بإجراء المسابقات في أكل الفول أو تناول الشوربة بالشوكة. ولا أفعل ذلك لأنني رجل «عصري» ومتحضر، ولكن لأنني – ولله الحمد – لا أعتقد أن كوني رجلا يجردني من واجبات الأبوة والأحاسيس الإنسانية. أهتم بصغاري كأب وأهتم براحة أمهم لأنها «أم ومن نسل آدم» وأمانة في عنقي بقدر ما أنا أمانة في عنقها (كلما طلبت مني أن اشتري لها سلسلا ذهبيا ترتديه حول عنقها أقول لها: عيب أنا أمانة في رقبتك وما يصير تجعليني والسلسل في مقام واحد).
على كل حال حلال على المرأة أن تنام ساعات أطول من الرجل طالما أنها «تملأ مركزها» جيدا وتقوم بواجباتها والزيادة! ولو أثبت الدراسات الطبية أنها تعيش مدة أطول مما يعيشها الرجل فلحكمة يعلمها الله وربما يدركها بعضنا وهي أن مكانة الأم في نفوس الأبناء أعلى من مكانة الأب، فحتى لو كان الأب هو العائل الوحيد للأسرة، فإن الحنان والحب الذي تقدمه الأم أعلى قيمة من المال. انظر خيارات أطفال من يتطلق الوالدان وتبدأ مشاكل الحضانة: تسعون في المائة من عيال المطلقين يفضلون البقاء مع الأم، مهما كانت الرشاوى التي يعرضها عليهم الأب.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك