زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
تعذر كظم الغيظ بسبب كاظم
عندما كنت أعمل في مجال التدريس في السودان، حكى لي مدير المدرسة التي كنت أعمل بها، عن إيفاده في أحد أعوام الرخاء، الى طوكيو في دورة تدريبية حول الوسائل التعليمية، (وفي أحد أعوام الرخاء تلك تم إيفادي الى بريطانيا لدراسة استخدام الوسائل التكنولوجية في التعليم، ثم جاءت أعوام الرمادة ولم يجد معلمو بلادي الطباشير للكتابة على السبورة). المهم فوجئ صاحبنا بأن من بين المواد المقررة على المشاركين في الدورة، «تجربة بخت الرِّضا»، وبخت الرضا، هذا الاسم العجيب الذي يجمع بين العامية والفصحى، (يا حظ من رضي بما عنده) ارتبط بتجربة تعليمية وتربوية رائدة، فبخت الرضا بلدة تقع على النيل الأبيض جنوب الخرطوم كانت تحتضن معهدا عريقا لإعداد معلمي المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وعمل فيه تربويون أفذاذ من السودانيين والبريطانيين، اسهموا في وضع نواة لنظام تعليمي قوي وصارم، (قبل ان يهلهله تدخل السياسة فيه)، ومن بين القمم الشوامخ التي عملت في بخت الرضا الدكتور احمد الطيب عبد الحفيظ الذي خطفه الموت وهو في ريعان الشباب، وكان عالما في الرياضيات، ولكن أبناء جيلي يتذكرونه كأديب قاص وشاعر ومسرحي أثرى الحياة الثقافية والفكرية بطروحاته المتعددة، وكان يكتب زاوية في صحيفة يومية فلما جاءته اول رسالة من قارئ، صاح ملء حنجرته: الحمد لله اصبح عندي بريد!! وكنت في أعوام الرخاء أتذكر عالمنا الفذ هذا كل صباح وانا أتصفح بريدي الالكتروني يوميا (واليوم صار ذلك البريد خاويا) وزملائي يتساءلون: هل انت فاضي كي ترد على كل تلك الرسائل فأقول لهم: الرد على الرسالة واجب مثل الرد على التحية، ولابد ان يكون بأحسن منها.. ولولا القراء لما وثقت بنفسي فهم زبائني ومستهلكو بضاعتي ومن واجبي ان ارضيهم، ولهذا كاذب من يزعم أنني تجاهلت رسالة بعث بها إليّ بالبريد الالكتروني (ما لم تكن الرسالة قد تحولت تلقائيا الى ما يعرف بال«جنك» أو «سبام» وهو الصندوق الذي تذهب اليه رسائل الانترنت مجهولة المصدر مثل تلك التي تعدك بالملايين، إذا زودتهم بتفاصيل حسابك البنكي. وآخر رسالة من هذا النوع استغل كاتبها الوضع الراهن في السودان وقال لي: أنا من الخرطوم وعثرت على مبلغ ضخم في مخبأ لكتائب عمر البشير ولا استطيع إخراجه من البلاد وأريد تحويله الى حسابك.. إلخ إلخ)
مناسبة هذا الكلام قصاصة لا أعرف لها تاريخا لجريدة عربية عن سيدة في حي شبرا الشعبي بالقاهرة، استعدت لمتابعة حفل للمطرب العراقي كاظم الساهر منقول من مارينا عبر التلفزيون، بعد ان «كلفتت» شغل البيت، وما ان فتح الساهر فمه صادحا بالغناء الشجي حتى صاح سي السيد، أي زوجها طالبا كباية شاي، فتضايقت أيما ضيق، وقدمت له شايا مكلفتا (نصف استواء)، فما كان من الزوج إلا ان ارسل الساهر إلى المنفى، بتغيير القناة التلفزيونية، ثم زودها حبتين بأن شتم الساهر فارتكب بذلك غلطة لم تغفرها له المدام التي شتمته وشتمت اللي خلفوه وقالت له في ما قالت: ويش علّم الحمير أكل الزنجبيل؟ فما كان من البعل إلا ان أداها علقة ساخنة: الحق على اهلك اللي ما عرفوش يربوكي،.. كظمت غيظي على كاظم بتاع السهر وقلت يمكن تسمعي غناه وانت شايفة شغلك بس.. جاتك خيبة.. من هنا ورايح مفيش كاظم ولا نانسي جعفر!! وبعد تقليب الأمر على كافة وجوهه، قررت الزوجة المكلومة في اليوم التالي للحادث الأليم، ان تستنجد بالشرطة التي يقال انها في خدمة الشعب، وقام الضابط المناوب بتسجيل أقوالها ولكنه تعجب لأنها انفجرت باكية أمامه فسألها: بتعيّطي ليه والضرب كان امبارح؟ فقالت: بعيّط على حفلة كاظم الساهر اللي فاتتني!! (يخيل إليّ أن الضابط قال في سره: الضرب فيكي مش كفاية) والحمد لله الذي رزقني زوجة لا تعرف ما إذا كان كاظم هذا لا يزال ساهرا ام غلبه النعاس فكف عن الغناء تفاديا لخراب البيوت!!

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك