العدد : ١٧٤١١ - الأحد ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤١١ - الأحد ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

تعذر كظم الغيظ بسبب كاظم

عندما‭ ‬كنت‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التدريس‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬حكى‭ ‬لي‭ ‬مدير‭ ‬المدرسة‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أعمل‭ ‬بها،‭ ‬عن‭ ‬إيفاده‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أعوام‭ ‬الرخاء،‭ ‬الى‭ ‬طوكيو‭ ‬في‭ ‬دورة‭ ‬تدريبية‭ ‬حول‭ ‬الوسائل‭ ‬التعليمية،‭ (‬وفي‭ ‬أحد‭ ‬أعوام‭ ‬الرخاء‭ ‬تلك‭ ‬تم‭ ‬إيفادي‭ ‬الى‭ ‬بريطانيا‭ ‬لدراسة‭ ‬استخدام‭ ‬الوسائل‭ ‬التكنولوجية‭ ‬في‭ ‬التعليم،‭ ‬ثم‭ ‬جاءت‭ ‬أعوام‭ ‬الرمادة‭ ‬ولم‭ ‬يجد‭ ‬معلمو‭ ‬بلادي‭ ‬الطباشير‭ ‬للكتابة‭ ‬على‭ ‬السبورة‭). ‬المهم‭ ‬فوجئ‭ ‬صاحبنا‭ ‬بأن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬المواد‭ ‬المقررة‭ ‬على‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬الدورة،‭ ‬‮«‬تجربة‭ ‬بخت‭ ‬الرِّضا‮»‬،‭ ‬وبخت‭ ‬الرضا،‭ ‬هذا‭ ‬الاسم‭ ‬العجيب‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬العامية‭ ‬والفصحى،‭ (‬يا‭ ‬حظ‭ ‬من‭ ‬رضي‭ ‬بما‭ ‬عنده‭) ‬ارتبط‭ ‬بتجربة‭ ‬تعليمية‭ ‬وتربوية‭ ‬رائدة،‭ ‬فبخت‭ ‬الرضا‭ ‬بلدة‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬النيل‭ ‬الأبيض‭ ‬جنوب‭ ‬الخرطوم‭ ‬كانت‭ ‬تحتضن‭ ‬معهدا‭ ‬عريقا‭ ‬لإعداد‭ ‬معلمي‭ ‬المرحلتين‭ ‬الابتدائية‭ ‬والمتوسطة،‭ ‬وعمل‭ ‬فيه‭ ‬تربويون‭ ‬أفذاذ‭ ‬من‭ ‬السودانيين‭ ‬والبريطانيين،‭ ‬اسهموا‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬نواة‭ ‬لنظام‭ ‬تعليمي‭ ‬قوي‭ ‬وصارم،‭ (‬قبل‭ ‬ان‭ ‬يهلهله‭ ‬تدخل‭ ‬السياسة‭ ‬فيه‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬القمم‭ ‬الشوامخ‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬في‭ ‬بخت‭ ‬الرضا‭ ‬الدكتور‭ ‬احمد‭ ‬الطيب‭ ‬عبد‭ ‬الحفيظ‭ ‬الذي‭ ‬خطفه‭ ‬الموت‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬ريعان‭ ‬الشباب،‭ ‬وكان‭ ‬عالما‭ ‬في‭ ‬الرياضيات،‭ ‬ولكن‭ ‬أبناء‭ ‬جيلي‭ ‬يتذكرونه‭ ‬كأديب‭ ‬قاص‭ ‬وشاعر‭ ‬ومسرحي‭ ‬أثرى‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافية‭ ‬والفكرية‭ ‬بطروحاته‭ ‬المتعددة،‭ ‬وكان‭ ‬يكتب‭ ‬زاوية‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬يومية‭ ‬فلما‭ ‬جاءته‭ ‬اول‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬قارئ،‭ ‬صاح‭ ‬ملء‭ ‬حنجرته‭: ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬اصبح‭ ‬عندي‭ ‬بريد‭!! ‬وكنت‭ ‬في‭ ‬أعوام‭ ‬الرخاء‭ ‬أتذكر‭ ‬عالمنا‭ ‬الفذ‭ ‬هذا‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬وانا‭ ‬أتصفح‭ ‬بريدي‭ ‬الالكتروني‭ ‬يوميا‭ (‬واليوم‭ ‬صار‭ ‬ذلك‭ ‬البريد‭ ‬خاويا‭) ‬وزملائي‭ ‬يتساءلون‭: ‬هل‭ ‬انت‭ ‬فاضي‭ ‬كي‭ ‬ترد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الرسائل‭ ‬فأقول‭ ‬لهم‭: ‬الرد‭ ‬على‭ ‬الرسالة‭ ‬واجب‭ ‬مثل‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬التحية،‭ ‬ولابد‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬بأحسن‭ ‬منها‭.. ‬ولولا‭ ‬القراء‭ ‬لما‭ ‬وثقت‭ ‬بنفسي‭ ‬فهم‭ ‬زبائني‭ ‬ومستهلكو‭ ‬بضاعتي‭ ‬ومن‭ ‬واجبي‭ ‬ان‭ ‬ارضيهم،‭ ‬ولهذا‭ ‬كاذب‭ ‬من‭ ‬يزعم‭ ‬أنني‭ ‬تجاهلت‭ ‬رسالة‭ ‬بعث‭ ‬بها‭ ‬إليّ‭ ‬بالبريد‭ ‬الالكتروني‭ (‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الرسالة‭ ‬قد‭ ‬تحولت‭ ‬تلقائيا‭ ‬الى‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بال«جنك‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬سبام‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬الصندوق‭ ‬الذي‭ ‬تذهب‭ ‬اليه‭ ‬رسائل‭ ‬الانترنت‭ ‬مجهولة‭ ‬المصدر‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تعدك‭ ‬بالملايين،‭ ‬إذا‭ ‬زودتهم‭ ‬بتفاصيل‭ ‬حسابك‭ ‬البنكي‭. ‬وآخر‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬استغل‭ ‬كاتبها‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬أنا‭ ‬من‭ ‬الخرطوم‭ ‬وعثرت‭ ‬على‭ ‬مبلغ‭ ‬ضخم‭ ‬في‭ ‬مخبأ‭ ‬لكتائب‭ ‬عمر‭ ‬البشير‭ ‬ولا‭ ‬استطيع‭ ‬إخراجه‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬وأريد‭ ‬تحويله‭ ‬الى‭ ‬حسابك‭.. ‬إلخ‭ ‬إلخ‭)‬

مناسبة‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬قصاصة‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬لها‭ ‬تاريخا‭ ‬لجريدة‭ ‬عربية‭ ‬عن‭ ‬سيدة‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬شبرا‭ ‬الشعبي‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬استعدت‭ ‬لمتابعة‭ ‬حفل‭ ‬للمطرب‭ ‬العراقي‭ ‬كاظم‭ ‬الساهر‭ ‬منقول‭ ‬من‭ ‬مارينا‭ ‬عبر‭ ‬التلفزيون،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬‮«‬كلفتت‮»‬‭ ‬شغل‭ ‬البيت،‭ ‬وما‭ ‬ان‭ ‬فتح‭ ‬الساهر‭ ‬فمه‭ ‬صادحا‭ ‬بالغناء‭ ‬الشجي‭ ‬حتى‭ ‬صاح‭ ‬سي‭ ‬السيد،‭ ‬أي‭ ‬زوجها‭ ‬طالبا‭ ‬كباية‭ ‬شاي،‭ ‬فتضايقت‭ ‬أيما‭ ‬ضيق،‭ ‬وقدمت‭ ‬له‭ ‬شايا‭ ‬مكلفتا‭ (‬نصف‭ ‬استواء‭)‬،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الزوج‭ ‬إلا‭ ‬ان‭ ‬ارسل‭  ‬الساهر‭ ‬إلى‭ ‬المنفى،‭ ‬بتغيير‭ ‬القناة‭ ‬التلفزيونية،‭ ‬ثم‭ ‬زودها‭ ‬حبتين‭ ‬بأن‭ ‬شتم‭ ‬الساهر‭ ‬فارتكب‭ ‬بذلك‭ ‬غلطة‭ ‬لم‭ ‬تغفرها‭ ‬له‭ ‬المدام‭ ‬التي‭ ‬شتمته‭ ‬وشتمت‭ ‬اللي‭ ‬خلفوه‭ ‬وقالت‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬قالت‭: ‬ويش‭ ‬علّم‭ ‬الحمير‭ ‬أكل‭ ‬الزنجبيل؟‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬البعل‭ ‬إلا‭ ‬ان‭ ‬أداها‭ ‬علقة‭ ‬ساخنة‭: ‬الحق‭ ‬على‭ ‬اهلك‭ ‬اللي‭ ‬ما‭ ‬عرفوش‭ ‬يربوكي،‭.. ‬كظمت‭ ‬غيظي‭ ‬على‭ ‬كاظم‭ ‬بتاع‭ ‬السهر‭ ‬وقلت‭ ‬يمكن‭ ‬تسمعي‭ ‬غناه‭ ‬وانت‭ ‬شايفة‭ ‬شغلك‭ ‬بس‭.. ‬جاتك‭ ‬خيبة‭.. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬ورايح‭ ‬مفيش‭ ‬كاظم‭ ‬ولا‭ ‬نانسي‭ ‬جعفر‭!! ‬وبعد‭ ‬تقليب‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬وجوهه،‭ ‬قررت‭  ‬الزوجة‭ ‬المكلومة‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬للحادث‭ ‬الأليم،‭ ‬ان‭ ‬تستنجد‭ ‬بالشرطة‭ ‬التي‭ ‬يقال‭ ‬انها‭ ‬في‭  ‬خدمة‭ ‬الشعب،‭ ‬وقام‭ ‬الضابط‭ ‬المناوب‭ ‬بتسجيل‭ ‬أقوالها‭ ‬ولكنه‭ ‬تعجب‭ ‬لأنها‭ ‬انفجرت‭ ‬باكية‭ ‬أمامه‭ ‬فسألها‭: ‬بتعيّطي‭ ‬ليه‭ ‬والضرب‭ ‬كان‭ ‬امبارح؟‭ ‬فقالت‭: ‬بعيّط‭ ‬على‭ ‬حفلة‭ ‬كاظم‭ ‬الساهر‭ ‬اللي‭ ‬فاتتني‭!! (‬يخيل‭ ‬إليّ‭ ‬أن‭ ‬الضابط‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬سره‭: ‬الضرب‭ ‬فيكي‭ ‬مش‭ ‬كفاية‭) ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬الذي‭ ‬رزقني‭ ‬زوجة‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬كاظم‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬ساهرا‭ ‬ام‭ ‬غلبه‭ ‬النعاس‭ ‬فكف‭ ‬عن‭ ‬الغناء‭ ‬تفاديا‭ ‬لخراب‭ ‬البيوت‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا