العدد : ١٧٣٣٤ - الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٤ - الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٥ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

وركبت المرسيدس

لأن‭ ‬أمي‭ ‬رحمها‭ ‬الله‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مواكبة‭ ‬لروح‭ ‬العصر‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬‮«‬المغرب‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تحتج‭ ‬عندما‭ ‬أناديها‭ ‬‮«‬مامي‮»‬،‭ ‬وياما‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬اشرح‭ ‬لها‭ ‬أنها‭ ‬ولدت‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬ماما‭ ‬ومامي،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬حقها‭ ‬أن‭ ‬تلحق‭ ‬بركب‭ ‬العولمة‭ ‬بصيغتها‭ ‬العربية،‭ ‬وتنال‭ ‬لقبا‭ ‬عصريا‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬يمّه‮»‬‭ ‬البلدي،‭ ‬ولكنها‭ ‬تصرخ‭ ‬في‭ ‬وجهي‭: ‬بلاش‭ ‬قلة‭ ‬أدب‭! ‬حقيقة‭ ‬الامر‭ ‬هي‭ ‬انني‭ ‬كنت‭ ‬أسعى‭ ‬لرد‭ ‬الجميل‭ ‬إلى‭ ‬أمي،‭ ‬ولن‭ ‬أنسى‭ ‬لها‭ ‬أنها‭ ‬ظلت‭ ‬مقتنعة‭ ‬بأنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬حواء‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬البسيطة،‭ ‬أنجبت‭ ‬ولدا‭ ‬في‭ ‬حلاوة‭ ‬ووسامة‭ ‬ابي‭ ‬الجعافر،‭ ‬وكنت‭ ‬أقول‭ ‬لها‭: ‬يا‭ ‬مامي،‭ ‬الغراب‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬أمه‭ ‬حمامة،‭ ‬فتقول‭: ‬لا‭ ‬تستأهلك‭ ‬فتاة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬فاتن‭ ‬حمامة‭! ‬ولكن‭ ‬أحداثا‭ ‬وقعت‭ ‬مؤخرا‭ ‬أكدت‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أمي‭ ‬تتحلى‭ ‬ببعد‭ ‬النظر،‭ ‬فقد‭ ‬شكوت‭ ‬مرارا‭ ‬في‭ ‬مقالاتي‭ ‬لأنني‭ ‬أصبحت‭ ‬مستهدفا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬النساء‭ ‬الآسيويات،‭ ‬فقبل‭ ‬نحو‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬تحرشت‭ ‬فتاة‭ ‬كورية‭ ‬بسيارتي،‭ ‬وتم‭ ‬فض‭ ‬الاشتباك‭ ‬بوساطة‭ ‬شركة‭ ‬تأمين،‭ ‬وبعدها‭ ‬بشهور‭ ‬كنت‭ ‬أقف‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬واسعة،‭ ‬وأتأهب‭ ‬للنزول‭ ‬من‭ ‬سيارتي‭ ‬فإذا‭ ‬بي‭ ‬أحس‭ ‬بزلزال‭.. ‬فقدت‭ ‬توازني‭ ‬لبضع‭ ‬دقائق‭ ‬ثم‭ ‬نزلت‭ ‬من‭ ‬السيارة‭ ‬لأكتشف‭ ‬أن‭ ‬سيارة‭ ‬صغيرة‭ ‬تقودها‭ ‬هندية‭ ‬‮«‬صغيرة‮»‬‭ ‬وحلوة،‭ ‬قد‭ ‬اصطدمت‭ ‬بسيارتي‭ ‬من‭ ‬الخلف‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬تفسير‭ ‬للحادث‭ ‬سوى‭ ‬أنه‭ ‬متعمد،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬موقف‭ ‬السيارات‭ ‬واسعا‭ ‬ويسمح‭ ‬بمرور‭ ‬طائرة‭ ‬إيرباص،‭ ‬فلماذا‭ ‬عبرت‭ ‬الهندية‭ ‬مسافة‭ ‬طويلة‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬سيارتها‭ ‬وسيارتي‭ ‬الواقفة،‭ ‬لتحتك‭ ‬بها؟‭ ‬فكرت‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬للهندية‭ ‬الحلوة‭: ‬يا‭ ‬بنت‭ ‬الناس،‭ ‬التحرش‭ ‬له‭ ‬أصول،‭ ‬ويجب‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬ناعما،‭ ‬ثم‭ ‬عيب‭ ‬يا‭ ‬بنت‭ ‬الناس‭ ‬لأنني‭ ‬متزوج‭!! ‬ولكنها‭ ‬كانت‭ ‬تبكي‭ ‬وهي‭ ‬ترتعد،‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬شرشحتها‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬أقول‭ ‬لها‭: ‬بسيطة‭ ‬يا‭ ‬بنت‭ ‬الناس،‭ ‬والمهم‭ ‬أنك‭ ‬بخير،‭ ‬وانتهى‭ ‬بي‭ ‬الأمر‭ ‬متصلا‭ ‬بأبيها‭ ‬ليأتي‭ ‬لتهدئتها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أبلغته‭ ‬بأن‭ ‬الحادث‭ ‬بسيط،‭ ‬وبأن‭ ‬البنت‭ ‬معذورة‭ ‬ولم‭ ‬تجد‭ ‬وسيلة‭ ‬للفت‭ ‬انتباهي‭ ‬اليها‭ ‬سوى‭ ‬التحرش‭ ‬بسيارتي‭!! ‬ثم‭ ‬كنت‭ ‬اقود‭ ‬سيارتي‭ ‬خارجا‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬مستقيم‭ ‬من‭ ‬دوار،‭ ‬ومرت‭ ‬سيدة‭ ‬يابانية‭ ‬بسيارتها‭ ‬عن‭ ‬يميني،‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬رأتني،‭ ‬حتى‭ ‬فقدت‭ ‬رشدها‭ ‬ومالت‭ ‬بسيارتها،‭ ‬وهمزت‭ ‬سيارتي‭ ‬في‭ ‬خاصرتها،‭ ‬وكانت‭ ‬بنتي‭ ‬مروة‭ ‬بجانبي،‭ ‬ومعروف‭ ‬عنها‭ ‬أنها‭ ‬تعتبرني‭ ‬مسؤولا‭ ‬عن‭ ‬اتفاقيات‭ ‬مدريد‭ ‬واوسلو،‭ ‬وثقب‭ ‬الاوزون‭ ‬والغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق،‭ ‬وانفصال‭ ‬جنوب‭ ‬السودان،‭ ‬وطلاق‭ ‬جنيفر‭ ‬لوبيز‭ ‬من‭ ‬زوجها‭ ‬الثاني‭ (‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬حساب‭ ‬الممثل‭ ‬بن‭ ‬أفليك‭ ‬ضمن‭ ‬أزواجها،‭ ‬لأنها‭ ‬طلقته‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬الدخلة‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬اكتشفت‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يقضي‭ ‬الوقت‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬فتيات‭ ‬الليل‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬يوم‭ ‬الدخلة‭).. ‬المهم‭ ‬أنني‭ ‬فوجئت‭ ‬بمروة‭ ‬تقول‭ ‬لي‭: ‬خليك‭ ‬هادئ‭ ‬وبلاش‭ ‬انفعال‭! ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬أدركت‭ ‬ان‭ ‬السيدة‭ ‬اليابانية‭ ‬على‭ ‬خطأ،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬المسألة‭ ‬مسألة‭ ‬شرف،‭ ‬ولا‭ ‬يليق‭ ‬بي‭ ‬أن‭ ‬أسكت‭ ‬على‭ ‬تحرش‭ ‬مكشوف‭!! ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬شرطي‭ ‬المرور‭ ‬واثبت‭ ‬أن‭ ‬اليابانية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحرشت‭ ‬بي،‭ ‬فدخلت‭ ‬في‭ ‬دوامة‭: ‬من‭ ‬شركة‭ ‬تامين‭ ‬الى‭ ‬ورشة‭ ‬سيارات‭ ‬إلى‭ ‬مكاتب‭ ‬تأجير‭ ‬السيارات،‭ ‬ولسبب‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أدركه‭ ‬وقتها‭ ‬فإن‭ ‬مروة‭ ‬أصرت‭ ‬على‭ ‬مرافقتي‭ ‬عند‭ ‬الذهاب‭ ‬الى‭ ‬محل‭ ‬تأجير‭ ‬السيارات،‭ ‬وعرفت‭ ‬السبب‭ ‬عندما‭ ‬قالت‭ ‬للموظف‭: ‬نريد‭ ‬مرسيدس‭ ‬جديدة‭ ‬فل‭ ‬اوبشن،‭ ‬ولأن‭ ‬طلباتها‭ ‬اوامر‭ ‬فقد‭ ‬استأجرت‭ ‬مرسيدس‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬سائق‭ ‬لأفراد‭ ‬العائلة،‭ ‬الذين‭ ‬أرغموني‭ ‬على‭ ‬الطواف‭ ‬بجميع‭ ‬الأقارب‭ ‬والأباعد،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬مروة‭ ‬كانت‭ ‬تصيح‭ ‬بأعلى‭ ‬صوتها‭: ‬يا‭ ‬رب‭ ‬بابا‭ ‬يعمل‭ ‬حادث‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬عشان‭ ‬نركب‭ ‬مرسيدس‭.‬

والمعروف‭ ‬ان‭ ‬مرسيدس‭ ‬أساسا‭ ‬اسم‭ ‬امرأة،‭ ‬ورغم‭ ‬ان‭ ‬الحوادث‭ ‬الثلاثة‭ ‬جعلتني‭ ‬أكثر‭ ‬تصميما‭ ‬على‭ ‬معاداة‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المحافل،‭ ‬إلا‭ ‬انني‭ ‬اقر‭ ‬بضعفي‭ ‬أمام‭ ‬الآنسة‭ ‬مرسيدس،‭ ‬وبصراحة‭ ‬فإنني‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬إعادتها‭ ‬إلى‭ ‬مكتب‭ ‬تأجير‭ ‬السيارات‭ ‬وابحث‭ ‬عن‭ ‬دولة‭ ‬تمنحني‭ ‬حق‭ ‬اللجوء‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬حتى‭ ‬اهرب‭ ‬بالسيارة،‭ ‬ولو‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬الى‭ ‬تجريدي‭ ‬من‭ ‬هويتي‭ ‬السودانية‭ ‬علما‭ ‬بان‭ ‬السوداني‭ ‬الأصيل‭ ‬من‭ ‬جيلي‭ ‬لا‭ ‬يستخدم‭ ‬الا‭ ‬تويوتا‭ ‬او‭ ‬نيسان‭! ‬وبالطبع‭ ‬لم‭ ‬انس‭ ‬أهلي،‭ ‬وقد‭ ‬أرسلت‭ ‬إليها‭ ‬صورتي‭ ‬مع‭ ‬المرسيدس‭ ‬حتى‭ ‬يعرفوا‭ ‬أن‭ ‬بطن‭ ‬أمي‭ ‬آمنة‭ ‬جابت‭ ‬وما‭ ‬خابت‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا