العدد : ١٧٢٠٠ - السبت ٢٦ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠٠ - السبت ٢٦ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ شوّال ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

العسكر والبيان بالعمل

يقال‭ ‬إن‭ ‬فلانا‭ ‬عسكري‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المدح‭ ‬وتبيان‭ ‬أنه‭ ‬منضبط‭ ‬وصارم‭ ‬في‭ ‬تصريف‭ ‬أمور‭ ‬البيت‭ ‬وتربية‭ ‬العيال،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭ ‬ضابط‭ ‬شديد‭ ‬الصرامة‭ ‬والانضباط،‭ ‬اسمه‭ ‬مصطفى‭ ‬جيش‭ (‬أضيفت‭ ‬كلمة‭ ‬جيش‭ ‬الى‭ ‬اسمه‭ ‬للتدليل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬شديد‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬العسكرية،‭ ‬ويقال‭- ‬من‭ ‬باب‭ ‬إثبات‭ ‬ان‭ ‬العسكريين‭ ‬يميلون‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬البيان‭ ‬بالعمل‮»‬‭ ‬ان‭ ‬ولده‭ ‬الصغير‭ ‬كان‭ ‬يلعب‭ ‬بمكواة‭ ‬كهربائية‭ ‬متصلة‭ ‬بالتيار،‭ ‬فنهاه‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬مرة،‭ ‬ولكن‭ ‬الفتى‭ ‬واصل‭ ‬اللعب‭ ‬بالمكواة،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬إلا‭ ‬انتزع‭ ‬المكواة‭ ‬ووضعها‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الولد‭ ‬لنحو‭ ‬ثانية،‭ ‬فكان‭ ‬الصراخ،‭ ‬وبعدها‭ ‬‮«‬توبة‭ ‬نصوح‮»‬‭.‬

قام‭ ‬قائد‭ ‬سلاح‭ ‬البحرية،‭ ‬بزيارة‭ ‬لقائد‭ ‬القوات‭ ‬المدرعة،‭ ‬وكان‭ ‬كلاهما‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬إثبات‭ ‬ان‭ ‬جنوده‭ ‬هم‭ ‬الأكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬وشجاعة،‭ ‬ولما‭ ‬زاد‭ ‬الأدميرال‭ ‬البحري‭ ‬جرعة‭ ‬التباهي‭ ‬بشجاعة‭ ‬جنوده،‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬جنرال‭ ‬المدرعات‭ ‬سأريك‭ ‬عينة‭ ‬من‭ ‬شجاعة‭ ‬جنودي،‭ ‬ونادى‭ ‬العريف‭ ‬خميس‭ ‬حسون،‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬هل‭ ‬ترى‭ ‬تلك‭ ‬الدبابة‭ ‬المسرعة؟‭ ‬أريد‭ ‬منك‭ ‬ان‭ ‬تعترض‭ ‬طريقها‭ ‬وتوقفها‭ ‬بجسمك،‭ ‬وبلا‭ ‬تردد‭ ‬رد‭ ‬عليه‭ ‬العريف‭ ‬حسون‭: ‬مجنون‭ ‬أنت‭ ‬أم‭ ‬غبي؟‭ ‬ألا‭ ‬تدري‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬سيتسبب‭ ‬في‭ ‬وفاتي‭ ‬فورا؟‭ ‬وزني‭ ‬سبعين‭ ‬كيلو‭ ‬وتريد‭ ‬مني‭ ‬إيقاف‭ ‬دبابة‭ ‬مسرعة‭ ‬وزنها‭ ‬60‭ ‬ألف‭ ‬كيلو؟‭ ‬شارب‭ ‬أو‭ ‬شامم‭ ‬شي‭ ‬يا‭ ‬سعادة‭ ‬الجنرال؟‭ ‬هنا‭ ‬التفت‭ ‬جنرال‭ ‬المدرعات‭ ‬الى‭ ‬زميله‭ ‬البحري‭ ‬قائلا‭: ‬شفت؟‭ ‬فهمت‭ ‬يا‭ ‬بتاع‭ ‬البحرية‭ ‬والضفادع‭ ‬البشرية؟‭ ‬لابد‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬الجندي‭ ‬شجاعا‭ ‬جدا‭ ‬كي‭ ‬يخاطب‭ ‬قائده‭ ‬بتلك‭ ‬اللغة‭!! ‬هذه‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬مئات‭ ‬النكات‭ ‬الشائعة‭ ‬حول‭ ‬العسكريين،‭ ‬وشهدت‭ ‬الخمسينيات‭ ‬والستينيات‭ ‬أوج‭ ‬انتشار‭ ‬النكات‭ ‬حول‭ ‬‮«‬غباء‮»‬‭ ‬العسكريين،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬هوجة‭ ‬الانقلابات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬صعد‭ ‬فيها‭ ‬ضباط‭ ‬بإمكانيات‭ ‬سياسية‭ ‬وفكرية‭ ‬متواضعة‭ ‬الى‭ ‬قمم‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‭ ‬و«عكّوا‮»‬‭ ‬وقلبوا‭ ‬عاليها‭ ‬سافلها،‭ ‬بخلطات‭ ‬عجيبة‭ ‬فيها‭ ‬رشّة‭ ‬خفيفة‭ ‬من‭ ‬الإسلام،‭ ‬وجرعة‭ ‬من‭ ‬الماركسية،‭ ‬وملعقتان‭ ‬من‭ ‬الرأسمالية،‭ ‬وثلاثة‭ ‬أكواب‭ ‬من‭ ‬‮«‬القومية‮»‬،‭ ‬وربما‭ ‬لان‭ ‬العسكريين‭ ‬كانوا‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬يتفادون‭ ‬بحكم‭ ‬تربيتهم‭ ‬الاختلاط‭ ‬بالمدنيين،‭ ‬وإذا‭ ‬أضفنا‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭ ‬انهم‭ ‬كانوا‭ ‬يتمتعون‭ ‬بميزات‭ ‬مادية‭ ‬كبيرة،‭ ‬فهمنا‭ ‬لماذا‭ ‬كان‭ ‬المدنيون‭ ‬يغارون‭ ‬منهم‭ ‬ويطلقون‭ ‬عليهم‭ ‬النكات‭.‬

وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي،‭ ‬فقد‭ ‬تعرفت‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العسكريين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان،‭ ‬وفوجئت‭ ‬بأنهم‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬والثقافة،‭ ‬لسبب‭ ‬بديهي‭ ‬وهو‭ ‬أنهم‭ ‬ينتمون‭ ‬الى‭ ‬أكثر‭ ‬القطاعات‭ ‬تحديثا‭ ‬ومواكبة‭ ‬للتطور‭ ‬العلمي‭ ‬والصناعي،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬العسكرية‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬صفا‭ ‬انتباه‮»‬‭ ‬بل‭ ‬صارت‭ ‬الكليات‭ ‬العسكرية‭ ‬تدرس‭ ‬مواد‭ ‬عملية‭ ‬واجتماعية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الفنون‭ ‬الحربية،‭ ‬وعندنا‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬عسكريون‭ ‬مشهود‭ ‬لهم‭ ‬بطول‭ ‬الباع‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الآداب‭ ‬والفنون،‭ ‬وتأكد‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬بين‭ ‬العسكريين‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬رجال‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬عال‭ ‬من‭ ‬الثقافة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬القوانين‭ ‬العسكرية‭ ‬تمنعهم‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المنابر‭ ‬العامة،‭ ‬وقد‭ ‬وقع‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬كتاب‭ ‬للعميد‭ ‬المظلي‭ ‬السعودي‭ ‬المتقاعد‭ ‬هاشم‭ ‬أحمد‭ ‬حكيم‭ (‬ابو‭ ‬عصام‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬مجموعة‭ ‬مقالات‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬اليمامة‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬ريشة‭ ‬من‭ ‬قوادم‭ ‬اليمامة‮»‬،‭ ‬وبعضها‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬ستين‭ ‬سنة‭ ‬خلت،‭ ‬تحوي‭ ‬نقدا‭ ‬اجتماعيا‭ ‬قويا‭ ‬وموضوعيا،‭ ‬وتخوض‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬السياسي‭ ‬بلغة‭ ‬واضحة‭ ‬وجسورة،‭ ‬وما‭ ‬يميز‭ ‬تلك‭ ‬المقالات‭ ‬هو‭ ‬الجرأة‭ ‬الشديدة‭ ‬في‭ ‬الطرح،‭ ‬والنقد‭ ‬القاسي‭ ‬للظواهر‭ ‬السلبية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إقذاع‭ ‬وبروح‭ ‬مرحة‭ ‬ولغة‭ ‬سلسلة،‭ ‬تجعلك‭ ‬تحسب‭ ‬ان‭ ‬كاتبها‭ ‬خريج‭ ‬كلية‭ ‬دار‭ ‬العلوم‭ ‬المصرية،‭ ‬لجزالة‭ ‬اللغة‭ ‬ورشاقة‭ ‬العبارات،‭ ‬ومن‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬أعجبني‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬مقتطف‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬مقتطفات‭ ‬عديدة‭ ‬تجعلك‭ ‬تهتز‭ ‬من‭ ‬الضحك،‭ ‬عن‭ ‬عربي‭ ‬يعاف‭ ‬الباذنجان‭ ‬الاسود‭ ‬فعندما‭ ‬سألوه‭ ‬عن‭ ‬رأيه‭ ‬فيه‭ ‬قال‭ ‬انه‭: ‬بطون‭ ‬العقارب‭ ‬وبذور‭ ‬الزقوم‭ ‬فقيل‭ ‬له‭ ‬ان‭ ‬الباذنجان‭  ‬يحشى‭ ‬باللحم‭ ‬ويكون‭ ‬طيبا‭ ‬فقال‭: ‬لو‭ ‬حشوه‭ ‬بالتقوى‭ ‬وقلوه‭ ‬بالمغفرة‭ ‬ما‭ ‬اقتربت‭ ‬منه‭.. (‬على‭ ‬أيامنا‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬كانت‭ ‬الحكومة‭ ‬توفر‭ ‬لنا‭ ‬المسكن‭ ‬والمأكل‭ ‬وكنا‭ ‬نمسي‭ ‬الباذنجان‭ ‬‮«‬براطيش‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬جمع‭ ‬برطوش‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الحذاء‭ ‬القديم،‭ ‬لأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يطبخونه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إزالة‭ ‬قشرته‭ ‬الخارجية‭ ‬فكانت‭ ‬قطعه‭ ‬تطفو‭ ‬في‭ ‬المرق‭ ‬وكأنها‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬أحذية‭ ‬بالية‭. ‬ثم‭ ‬سبحان‭ ‬الله‭ ‬صرت‭ ‬أعشق‭ ‬سلطة‭ ‬الباذنجان‭ ‬والمسقعة‭. ‬وصرت‭ ‬أسميها‭ ‬الشيفون‭ ‬‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الاعتذار‭ ‬ورد‭ ‬الاعتبار‭!!!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا