زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
العسكر والبيان بالعمل
يقال إن فلانا عسكري في بيته من باب المدح وتبيان أنه منضبط وصارم في تصريف أمور البيت وتربية العيال، وكان في الجيش السوداني ضابط شديد الصرامة والانضباط، اسمه مصطفى جيش (أضيفت كلمة جيش الى اسمه للتدليل على أنه شديد الانتماء إلى العسكرية، ويقال- من باب إثبات ان العسكريين يميلون إلى «البيان بالعمل» ان ولده الصغير كان يلعب بمكواة كهربائية متصلة بالتيار، فنهاه عن ذلك مرة، ولكن الفتى واصل اللعب بالمكواة، فما كان من الرجل إلا انتزع المكواة ووضعها على يد الولد لنحو ثانية، فكان الصراخ، وبعدها «توبة نصوح».
قام قائد سلاح البحرية، بزيارة لقائد القوات المدرعة، وكان كلاهما حريصا على إثبات ان جنوده هم الأكثر كفاءة وشجاعة، ولما زاد الأدميرال البحري جرعة التباهي بشجاعة جنوده، قال له جنرال المدرعات سأريك عينة من شجاعة جنودي، ونادى العريف خميس حسون، وقال له: هل ترى تلك الدبابة المسرعة؟ أريد منك ان تعترض طريقها وتوقفها بجسمك، وبلا تردد رد عليه العريف حسون: مجنون أنت أم غبي؟ ألا تدري ان ذلك سيتسبب في وفاتي فورا؟ وزني سبعين كيلو وتريد مني إيقاف دبابة مسرعة وزنها 60 ألف كيلو؟ شارب أو شامم شي يا سعادة الجنرال؟ هنا التفت جنرال المدرعات الى زميله البحري قائلا: شفت؟ فهمت يا بتاع البحرية والضفادع البشرية؟ لابد ان يكون الجندي شجاعا جدا كي يخاطب قائده بتلك اللغة!! هذه واحدة من مئات النكات الشائعة حول العسكريين، وشهدت الخمسينيات والستينيات أوج انتشار النكات حول «غباء» العسكريين، وكان ذلك رد فعل على هوجة الانقلابات العسكرية التي صعد فيها ضباط بإمكانيات سياسية وفكرية متواضعة الى قمم السلطة في بلدانهم و«عكّوا» وقلبوا عاليها سافلها، بخلطات عجيبة فيها رشّة خفيفة من الإسلام، وجرعة من الماركسية، وملعقتان من الرأسمالية، وثلاثة أكواب من «القومية»، وربما لان العسكريين كانوا فيما مضى يتفادون بحكم تربيتهم الاختلاط بالمدنيين، وإذا أضفنا الى ذلك انهم كانوا يتمتعون بميزات مادية كبيرة، فهمنا لماذا كان المدنيون يغارون منهم ويطلقون عليهم النكات.
وعلى المستوى الشخصي، فقد تعرفت على العديد من العسكريين من مختلف البلدان، وفوجئت بأنهم على درجة عالية من الوعي والثقافة، لسبب بديهي وهو أنهم ينتمون الى أكثر القطاعات تحديثا ومواكبة للتطور العلمي والصناعي، ولم تعد العسكرية مجرد «صفا انتباه» بل صارت الكليات العسكرية تدرس مواد عملية واجتماعية إلى جانب الفنون الحربية، وعندنا في السودان عسكريون مشهود لهم بطول الباع في مجالات الآداب والفنون، وتأكد لي أن بين العسكريين في مختلف البلدان العربية رجال على قدر عال من الثقافة، غير أن القوانين العسكرية تمنعهم من التعامل مع المنابر العامة، وقد وقع بين يدي قبل سنوات كتاب للعميد المظلي السعودي المتقاعد هاشم أحمد حكيم (ابو عصام)، وهو مجموعة مقالات نشرت في اليمامة تحت عنوان «ريشة من قوادم اليمامة»، وبعضها يعود إلى نحو ستين سنة خلت، تحوي نقدا اجتماعيا قويا وموضوعيا، وتخوض في الشأن السياسي بلغة واضحة وجسورة، وما يميز تلك المقالات هو الجرأة الشديدة في الطرح، والنقد القاسي للظواهر السلبية، من دون إقذاع وبروح مرحة ولغة سلسلة، تجعلك تحسب ان كاتبها خريج كلية دار العلوم المصرية، لجزالة اللغة ورشاقة العبارات، ومن أكثر ما أعجبني في الكتاب مقتطف من بين مقتطفات عديدة تجعلك تهتز من الضحك، عن عربي يعاف الباذنجان الاسود فعندما سألوه عن رأيه فيه قال انه: بطون العقارب وبذور الزقوم فقيل له ان الباذنجان يحشى باللحم ويكون طيبا فقال: لو حشوه بالتقوى وقلوه بالمغفرة ما اقتربت منه.. (على أيامنا في الدراسة كانت الحكومة توفر لنا المسكن والمأكل وكنا نمسي الباذنجان «براطيش» وهي جمع برطوش الذي هو الحذاء القديم، لأنهم كانوا يطبخونه من دون إزالة قشرته الخارجية فكانت قطعه تطفو في المرق وكأنها أجزاء من أحذية بالية. ثم سبحان الله صرت أعشق سلطة الباذنجان والمسقعة. وصرت أسميها الشيفون – من باب الاعتذار ورد الاعتبار!!!
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك