العدد : ١٧٢٠١ - الأحد ٢٧ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٩ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٢٠١ - الأحد ٢٧ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٩ شوّال ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

قبل أن يقع الفأس في الرأس!

{‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬مقولة‭ ‬‮«‬التاريخ‭ ‬يكرر‭ ‬نفسه‮»‬‭ ‬تكتسب‭ ‬المصداقية‭ ‬خاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬العربي‭! ‬مما‭ ‬يقودني‭ ‬إلى‭ ‬تذكر‭ ‬اختلافاتي‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬بما‭ ‬يخص‭ ‬زمن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬وغزوه‭ ‬ثم‭ ‬احتلاله،‭ ‬بل‭ ‬كتبت‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬الحكام‭ ‬العرب‭ ‬كمقال‭ ‬لم‭ ‬ينشر‭ ‬في‭ ‬حينه،‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬حوارات‭ ‬صاخبة‭ ‬مع‭ ‬سياسيين‭ ‬ومثقفين‭ ‬عرب‭ ‬وبحرينيين،‭ ‬كانوا‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬القصة‭ ‬هي‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬‮«‬دكتاتورية‭ ‬صدام‮»‬‭ ‬كما‭ ‬يقولون،‭ ‬والمجيء‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬ونشرها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭! ‬فيما‭ ‬كنت‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬طبول‭ ‬الحرب‭ ‬السياسية‭ ‬والإعلامية‭ ‬عليه‭ ‬آنذاك‭ ‬مجرد‭ ‬حجة‭ ‬لتدمير‭ ‬العراق‭ ‬ثم‭ ‬التدرج‭ ‬نحو‭ ‬تدمير‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬2003‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭! ‬هذا‭ ‬الاستشراف‭ ‬جاء‭ ‬جراء‭ ‬متابعة‭ ‬طويلة‭ ‬لما‭ ‬فعلته‭ ‬وتفعله‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬والسياسي،‭ ‬والذي‭ ‬أنتج‭ ‬فقدان‭ ‬الثقة‭ ‬بهما‭! ‬وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬تاريخا‭ ‬اليوم‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬حدوث‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬توقعناه‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬مختلفة‭ ‬آنذاك،‭ ‬وحيث‭ ‬بالفعل‭ ‬توالت‭ ‬الكوارث‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬وعلى‭ ‬المنطقة‭ ‬بعد‭ ‬تدميره‭ ‬وتسليمه‭ ‬لإيران،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بـ«الربيع‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬الدمقرطة‭ ‬الزائفة‭! ‬لتدخل‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬أتون‭ ‬الفوضى،‭ ‬ولاتزال،‭ ‬وبقية‭ ‬القصة‭ ‬معروفة‭ ‬اليوم‭ ‬للجميع‭!‬

{‭ ‬حين‭ ‬هلل‭ ‬من‭ ‬هلل‭ ‬وفرح‭ ‬من‭ ‬فرح‭ ‬آنذاك،‭ ‬وشارك‭ ‬من‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬العراق،‭ ‬حتما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬منهم‭ ‬يرى‭ ‬بوضوح‭ ‬أبعاد‭ ‬ما‭ ‬ترمي‭ ‬إليه‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬الصهيونية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭!‬

اليوم‭ ‬يتكرر‭ ‬المشهد‭ ‬المعقد‭ ‬ذاته‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الـ30‭ ‬عاما،‭ ‬وحيث‭ ‬شعار‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بحجة‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬ومخطط‭ ‬تدمير‭ ‬غزة‭ ‬بالكامل‭ ‬وحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬عليها‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬والتهجير،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حرب‭ ‬إعلامية‭ ‬شرسة‭ ‬أعقبها‭ ‬احتلال‭ ‬صهيوني‭ ‬لأراضٍ‭ ‬لبنانية‭ ‬وسورية،‭ ‬وتصريحات‭ ‬صهيونية‭ ‬متزايدة‭ ‬حول‭ ‬أهداف‭ ‬التوسع‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭ ‬والمحيط‭ ‬العربي‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬الدمار‭ ‬والفوضى‭! ‬فيما‭ ‬فذلكة‭ ‬المثقفين‭ ‬والمحللين‭ ‬العرب‭ ‬تتصاعد‭ ‬بدورها‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وحماس‭ ‬مجرد‭ ‬فصيل‭ ‬واحد‭ ‬فيها‭ ‬سيقود‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭! ‬السيناريو‭ ‬ذاته‭ ‬يتكرر،‭ ‬وهناك‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬أصابع‭ ‬قدميه،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬حقيقة‭ ‬الإيديولوجيا‭ ‬الصهيونية‭ ‬بقيادة‭ ‬أمريكية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تماما،‭ ‬ثم‭ ‬التفرغ‭ ‬لبقية‭ ‬المشروع‭ ‬التوسعي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭!‬

{‭ ‬بذات‭ ‬اللغة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬المراوغة‭ ‬يتم‭ ‬الحديث‭ ‬مجددا‭ ‬عن‭ ‬دول‭ ‬حليفة‭ ‬ودول‭ ‬صديقة،‭ ‬كانت‭ ‬تروج‭ ‬لها‭ ‬إبان‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬واحتلاله،‭ ‬ثم‭ ‬انقلبت‭ ‬اللغة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬ذاتها‭ ‬ضد‭ ‬ذات‭ ‬الحلفاء‭ ‬والأصدقاء‭ ‬العرب‭ ‬2011،‭ ‬لتنفيذ‭ ‬مشروع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬كالحرباء‭ ‬يأخذ‭ ‬كل‭ ‬عدة‭ ‬أعوام‭ ‬لونا‭ ‬جديدا‭! ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬لسان‭ ‬نتنياهو‭ ‬نفسه‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬دول‭ ‬صديقة‭ ‬ودول‭ ‬عدوة،‭ ‬وخطوته‭ ‬القادمة‭ ‬هي‭ ‬الانقلاب‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الخيمة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تغطيه‭ ‬وتقدم‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬الدعم‭ ‬المادي‭ ‬والعسكري‭ ‬واللوجستي‭ ‬والهدف‭ ‬هو‭ ‬تنفيذ‭ ‬المشروع‭ ‬التوسعي‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الصديقة‭ ‬ذاتها‭ ‬كما‭ ‬يسميها‭! ‬وخارطته‭ ‬التوسعية‭ ‬عرضها‭ ‬أمام‭ ‬الملأ‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بحسب‭ ‬رؤية‭ ‬‮«‬الصهيونية‭ ‬الدينية‮»‬‭!‬

{‭ ‬إذًا‭ ‬كخلاصة‭ ‬القصة‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬الإيراني،‭ ‬إنما‭ ‬القصة‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬بحسب‭ ‬المنظور‭ ‬الديني‭ ‬الملفق‭ ‬للصهيونية‭! ‬وحيث‭ ‬بعد‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتدمير‭ ‬غزة‭ ‬والآن‭ ‬الضفة،‭ ‬ثم‭ ‬الضغط‭ ‬لتهجير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وهو‭ ‬جار‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬وساق،‭ ‬يأتي‭ ‬الوقت‭ ‬لتنفيذ‭ ‬المراحل‭ ‬الأخرى‭ ‬للرؤية‭ ‬التوسعة‭ ‬الصهيونية‭! ‬وهنا‭ ‬يجب‭ ‬عدم‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬حماس‭ ‬وبين‭ ‬مشروعية‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬طالما‭ ‬هناك‭ ‬احتلال‭! ‬مثلما‭ ‬يجب‭ ‬عدم‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬رؤية‭ ‬العرب‭ ‬للسلام‭ ‬وبين‭ ‬رؤية‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬لشعار‭ ‬السلام‭! ‬وحيث‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬يمارس‭ ‬التقية‭ ‬بدوره‭ ‬وتغيير‭ ‬الأقنعة‭ ‬حتى‭ ‬تحين‭ ‬الفرصة‭ ‬المناسبة‭ ‬لابتلاع‭ ‬أجزاء‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الجغرافيا‭ ‬العربية‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حسّ‭ ‬شعبي‭ ‬عربي‭ ‬مقاوم‭ ‬لأجندته‭ ‬الاستعمارية‭ ‬تحت‭ ‬وهم‭ ‬إحلال‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬مما‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬ورؤية‭ ‬عربية‭ ‬جديدة‭ ‬لمحتل‭ ‬يتربص‭ ‬بكل‭ ‬جغرافيا‭ ‬وخيرات‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬1948‭! ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تقع‭ ‬الفأس‭ ‬في‭ ‬الرأس،‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ألا‭ ‬تأمن‭ ‬لهذا‭ ‬الخطر‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬شعار،‭ ‬وأن‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬‮«‬البوصلة‭ ‬الصهيونية‮»‬‭ ‬تتوجه‭ ‬للإشارة‭ ‬نحو‭ ‬أراضيها‭ ‬بعد‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬فلسطين‭ ‬واحتلال‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬كبداية‭ ‬وإلى‭ ‬أجل‭ ‬غير‭ ‬مسمى‭!‬

ولا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬لحظة‭ ‬نقول‭ ‬فيها‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الفأس‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬الرأس‮»‬‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا