عالم يتغير

فوزية رشيد
قبل أن يقع الفأس في الرأس!
{ يبدو أن مقولة «التاريخ يكرر نفسه» تكتسب المصداقية خاصة بالنسبة إلى الواقع العربي! مما يقودني إلى تذكر اختلافاتي الفكرية والسياسية بما يخص زمن الحرب على العراق وغزوه ثم احتلاله، بل كتبت في حينه رسالة إلى الحكام العرب كمقال لم ينشر في حينه، على خلفية حوارات صاخبة مع سياسيين ومثقفين عرب وبحرينيين، كانوا يعتقدون أن القصة هي القضاء على «دكتاتورية صدام» كما يقولون، والمجيء بالديمقراطية إلى العراق ونشرها في المنطقة! فيما كنت أرى أن القضاء على نظام صدام في ظل طبول الحرب السياسية والإعلامية عليه آنذاك مجرد حجة لتدمير العراق ثم التدرج نحو تدمير دول المنطقة، وكان ذلك قبل 2003 أي قبل غزو العراق! هذا الاستشراف جاء جراء متابعة طويلة لما فعلته وتفعله أمريكا في المنطقة والعالم على المستويين الاستراتيجي والسياسي، والذي أنتج فقدان الثقة بهما! وبالعودة إلى ما أصبح تاريخا اليوم نصل إلى حدوث ما كنا توقعناه في مقالات مختلفة آنذاك، وحيث بالفعل توالت الكوارث على العراق وعلى المنطقة بعد تدميره وتسليمه لإيران، وصولا إلى ما سمي بـ«الربيع العربي» تحت شعار الدمقرطة الزائفة! لتدخل دول عربية عديدة في أتون الفوضى، ولاتزال، وبقية القصة معروفة اليوم للجميع!
{ حين هلل من هلل وفرح من فرح آنذاك، وشارك من شارك في الحرب على العراق، حتما لم يكن أحد منهم يرى بوضوح أبعاد ما ترمي إليه الإيديولوجية الصهيونية الأمريكية في المنطقة العربية!
اليوم يتكرر المشهد المعقد ذاته بعد ما يقارب الـ30 عاما، وحيث شعار القضاء على المقاومة الفلسطينية بحجة القضاء على «حماس» ومخطط تدمير غزة بالكامل وحرب الإبادة عليها والتطهير العرقي والتهجير، كل ذلك يتم في ظل حرب إعلامية شرسة أعقبها احتلال صهيوني لأراضٍ لبنانية وسورية، وتصريحات صهيونية متزايدة حول أهداف التوسع الصهيوني في بلاد عربية أخرى والمحيط العربي يعاني من الدمار والفوضى! فيما فذلكة المثقفين والمحللين العرب تتصاعد بدورها باعتبار أن القضاء على المقاومة الفلسطينية وحماس مجرد فصيل واحد فيها سيقود المنطقة إلى السلام! السيناريو ذاته يتكرر، وهناك مرة أخرى من لا يرى أبعد من أصابع قدميه، أو أنه لا يرى حقيقة الإيديولوجيا الصهيونية بقيادة أمريكية تعمل على القضاء على القضية الفلسطينية تماما، ثم التفرغ لبقية المشروع التوسعي في المنطقة!
{ بذات اللغة الدبلوماسية الأمريكية المراوغة يتم الحديث مجددا عن دول حليفة ودول صديقة، كانت تروج لها إبان الحرب على العراق واحتلاله، ثم انقلبت اللغة الدبلوماسية ذاتها ضد ذات الحلفاء والأصدقاء العرب 2011، لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي كالحرباء يأخذ كل عدة أعوام لونا جديدا! وهذه المرة لسان نتنياهو نفسه يتحدث عن دول صديقة ودول عدوة، وخطوته القادمة هي الانقلاب على الجميع في ظل الخيمة الأمريكية التي تغطيه وتقدم له كل الدعم المادي والعسكري واللوجستي والهدف هو تنفيذ المشروع التوسعي الصهيوني في الدول الصديقة ذاتها كما يسميها! وخارطته التوسعية عرضها أمام الملأ في الجمعية العامة للأمم المتحدة بحسب رؤية «الصهيونية الدينية»!
{ إذًا كخلاصة القصة ليست في النهاية «حماس» أو «حزب الله» الإيراني، إنما القصة أبعد من ذلك، بحسب المنظور الديني الملفق للصهيونية! وحيث بعد القضاء على أي شكل من المقاومة الفلسطينية وتدمير غزة والآن الضفة، ثم الضغط لتهجير الفلسطينيين وهو جار على قدم وساق، يأتي الوقت لتنفيذ المراحل الأخرى للرؤية التوسعة الصهيونية! وهنا يجب عدم الخلط بين حماس وبين مشروعية المقاومة الفلسطينية طالما هناك احتلال! مثلما يجب عدم الخلط بين رؤية العرب للسلام وبين رؤية الكيان الصهيوني لشعار السلام! وحيث الكيان الصهيوني يمارس التقية بدوره وتغيير الأقنعة حتى تحين الفرصة المناسبة لابتلاع أجزاء كبيرة من الجغرافيا العربية والقضاء على أي حسّ شعبي عربي مقاوم لأجندته الاستعمارية تحت وهم إحلال السلام في المنطقة، مما يحتاج إلى دراسة ورؤية عربية جديدة لمحتل يتربص بكل جغرافيا وخيرات المنطقة العربية منذ 1948! وقبل أن تقع الفأس في الرأس، من واجب الدول العربية ألا تأمن لهذا الخطر تحت أي شعار، وأن تدرك أن «البوصلة الصهيونية» تتوجه للإشارة نحو أراضيها بعد القضاء على فلسطين واحتلال أجزاء من لبنان وسوريا كبداية وإلى أجل غير مسمى!
ولا نريد أن نصل إلى لحظة نقول فيها إن «الفأس وقع في الرأس»!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك