العدد : ١٧١٩٨ - الخميس ٢٤ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩٨ - الخميس ٢٤ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٦ شوّال ١٤٤٦هـ

وقت مستقطع

علي ميرزا

ازدواجية

في‭ ‬أجوائنا‭ ‬الرياضية،‭ ‬هناك‭ ‬تبرز‭ ‬ظاهرة‭ ‬متكررة‭ ‬وغريبة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬ازدواجية‭ ‬الفهم‮»‬‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬المحسوبين‭ ‬على‭ ‬الوسط‭ ‬الرياضي‭ ‬والمتابعين،‭ ‬حتى‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬يظن‭ ‬نفسه‭ ‬مؤثرا‭ ‬وصاحب‭ ‬بصمة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الرياضي‭ ‬العام‭.‬

إذ‭ ‬تجد‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬تفتح‭ ‬آذانها،‭ ‬وتستقبل‭ ‬النقد‭ ‬البناء‭ ‬بصدر‭ ‬رحب‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬موجها‭ ‬لغيرها،‭ ‬فلا‭ ‬مانع‭ ‬لديها‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬تستحسنه،‭ ‬وتباركه،‭ ‬وتهلل‭ ‬له،‭ ‬وقد‭ ‬تروج‭ ‬له‭ ‬بوصفه‭ ‬‮«‬كلمة‭ ‬حق‭ ‬في‭ ‬محلها‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬لتتغنى‭ ‬وتتغزل‭ ‬وتصف‭ ‬الكاتب‭ ‬أو‭ ‬الناقد‭ ‬حينها‭ ‬بـ«المنصف‮»‬‭ ‬و«الواعي‮»‬‭ ‬وربما‭ ‬‮«‬الشجاع‮»‬‭.‬

ولكن،‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬تقترب‭ ‬حروف‭ ‬النقد‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬حدود‭ ‬أراضيهم،‭ ‬أو‭ ‬تمس‭ ‬أداءهم،‭ ‬أو‭ ‬تسلط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬قراراتهم‭ ‬وسلوكهم،‭ ‬حتى‭ ‬ينقلب‭ ‬المشهد‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬وتتبدل‭ ‬الأوصاف‭ ‬فيتحول‭ ‬النقد‭ ‬ذاته‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬هجوم‮»‬،‭ ‬و«تصفية‭ ‬حسابات‮»‬،‭ ‬و«تحيّز‭ ‬لطرف‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬آخر‮»‬‭. ‬ويعاد‭ ‬تأويل‭ ‬الكلام‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬مشاعرهم‭ ‬لا‭ ‬معانيه،‭ ‬وتلقى‭ ‬التهم‭ ‬جزافا‭ ‬على‭ ‬الناقد‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬يسعى‭ ‬ويسعى‭ ‬ويسعى‮»‬‭.‬

هذه‭ ‬الازدواجية‭ ‬لا‭ ‬تعكس‭ ‬فقط‭ ‬ضيق‭ ‬أفق‭ ‬في‭ ‬استقبال‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر،‭ ‬بل‭ ‬تكشف‭ ‬هشاشة‭ ‬في‭ ‬تقبل‭ ‬الذات‭ ‬وتطويرها،‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬على‭ ‬الكثيرين‭ ‬أن‭ ‬ينادوا‭ ‬بالإصلاح،‭ ‬لكن‭ ‬التحدي‭ ‬الحقيقي‭ ‬يبدأ‭ ‬حين‭ ‬يطلب‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الإصلاح،‭ ‬بمحاسبة‭ ‬النفس‭ ‬أولا‭ ‬قبل‭ ‬مطالبة‭ ‬الآخرين‭ ‬بالتغيير‭.‬

الناقد‭ ‬المخلص‭ ‬لا‭ ‬يوجه‭ ‬سهامه‭ ‬لشخص،‭ ‬بل‭ ‬لأداء،‭ ‬ولا‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬كره،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬حرص،‭ ‬والنقد‭ ‬ليس‭ ‬سيفا‭ ‬مسلطا،‭ ‬بل‭ ‬مرآة‭ ‬تعكس‭ ‬الحقيقة،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬الأخيرة‭ ‬قاسية،‭ ‬فالنقد‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬تسمية‭ ‬الأشياء‭ ‬بالمسميات‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬لها‭.‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭: ‬متى‭ ‬نرتقي‭ ‬جميعا،‭ ‬ونتحرر‭ ‬من‭ ‬حساسية‭ ‬‮«‬المس‮»‬،‭ ‬ونفصل‭ ‬بين‭ ‬الذوات‭ ‬والأدوار،‭ ‬وندرك‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يحبك‭ ‬حقا‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يصارحك‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬يداهنك؟

فعندما‭ ‬يصارحك‭ ‬النقد‭ ‬تعرف‭ ‬أنه‭ ‬صادق‭ ‬معك،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬يجاملك‭ ‬ويقول‭ ‬فيك‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يقله‭ ‬قيس‭ ‬في‭ ‬ليلاه،‭ ‬ستعرف‭ ‬حينها‭ ‬أنه‭ ‬نقد‭ ‬كذاب‭ ‬وابن‭ ‬كذاب،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬رفعك‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬السابعة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"علي ميرزا"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا